ما الذي يميّز المسيحيّة الأرثوذكسية عن الدّيانات الأخرى؟

الأرشمندريت أثناسيوس ميتيليناوس.

نقلته إلى العربيّة: رولا الحاج.

 

حان الوقت لطرح الأسئلة، يا أبنائي. السّؤال الأوّل: «من فضلكَ، هل لكَ أن تقول لنا بإيجازٍ، ما الاختلافات بين المسيحيّة، والأديان والهرطقات الشّائعة»؟

أودّ أن أترك موضوع الهرطقات خارجًا عن نطاق المسألة؛ لأنّ الهرطقات، هي انحرافٌ عن حقيقة المسيحيّة. أقول مرّةً ثانية، الهرطقة هي تفسيرٌ منطقيّ للعقيدة المسيحيّة. عندما أسعى لأن أفهم سرًّا ما، أو إعلانًا ما، بطريقةٍ منطقيّةٍ، أقع في الهرطقة. على سبيل المثال، أُحاول أن أُدرك كيف أنّ الله ذو ثلاثة أقانيم، مع أنّه واحدٌ. لا يوجد تشبيهٌ نقارنه به، سواءٌ أكيميائيًّا كان أم ميكانيكيًّا، أم منطقيًّا، لأفهم الثّالوث. أنا أقبله ببساطة. ولكنّني إذا قُلتُ: «من غير الممكن وجود ثلاثة أقانيم، ولذلك أرفض الاثنين، وأقبل واحدًا منهم؛ لأنّني أجد صعوبةً في فهم كيف أنّ الله، هو ذو ثلاثة أقانيم...» فهذا يسمّى هرطقة. لهذا، فإنّ الهرطقة، هي ظاهرةٌ تنبع من «داخل المسيحيّة» (ενδοχριστιανικές)؛ أمّا عندما نتحدّث عن دياناتٍ أخرى، فإنّ الأمر مختلفٌ تمامًا.

سأُجيب عن السّؤال، على النّحو التالي: في موضوع سائر الأديان القائمة، كالبوذيّة على سبيل المثال، أُكرّر، باستثناء البِدَع المسيحيّة، سأقول لكم كلمَتين وتذكّروها. هذه الديانات، تنبع من «داخل العالم» (ενδοκοσμικές). إنّها دياناتٌ مُبتَدَعة (κατ’επίνοια) وتعني أنّني بِعَقلي أبتدع أمرًا ما. يتكلّم الرّسول بطرس على «خرافات مُصنَّعة» (2 بطرس 1: 16): وهذه تكون إذا ما سعيتُ إلى تأسيس دينٍ وتنظيمه. فأقول: «يُشبه الإنسان كذا وكذا....، والنّفس هي كذا وكذا....، والخلاص يرمز إلى كذا...إلخ». اِنتبهوا إلى ما أقول، فهذه دياناتٌ مبتدَعة. فهذه الأديان تبدأ من الإنسان، وتنتهي عند الإنسان. إنّها حلقةٌ، تنطلق «من الإنسان وتصبّ في الإنسان». ليس لديها ما تقدّمه. أمّا من جهة الخلاص، فبالرّغم من أنّ هذه الأديان المُبتدَعة لا تذكر أمر الخلاص، وإن تكلّمَتْ عليه، إلّا أنّ كلامها لا يتعدّى القول المعروف: «إذا أردتُ أن أرفع ذاتي شادًّا رأسي...» يستحيل عليَّ أن أرفع ذاتي. فإذا كان وزني مئة كلغ، أقدر أن أرفع كيسًا من القمح، إلّا أنّني لا أقدر أن أرفع ذاتي إذا كان وزني مئة كلغ. لماذا؟ من منكم يعرف السّبب؟ الفيزياء تقدّم لنا الجواب: «القوى هي نظامٌ مغلق» هذا ما نقوله في الفيزياء، ولذا يستحيل عليَّ أن أرفع ذاتي. القوى هي خارجيّة. لذا لا يمكنني أن أُخلّص ذاتي، بغضّ النّظر عن مقدار رغبتي بذلك، وعمّا أستخدمه للّحاق به، أو البناء الّذي أرفعه. فهذا غير ممكن؛ لأنّ كلّ هذه الأشياء تنبع من العالم. وعلى هذا، لا بدّ من أن تأتيَ قوّةٌ من الخارج. ما هذه القوّة؟ بالنّسبة للأديان الأخرى، هذه القوّة الخارجيّة، غير موجودة. وما المسيحيّة؟ المسيحيّة، هي كشفٌ إلهيّ. عندما يُكشَف أمرٌ ما، فهذا يعني أنّه غير مُختَلق. وماذا يعني الكشف؟ عندما يكون أمرٌ مخفيّ، أُزيل مايَخفيه وأكشفه (أُظهره). فالمسيحيّة موجودةٌ، وخلاص الإنسان مُعلَن. إذن ما المسيحيّة؟ إنّها كشفٌ إلهيّ. زيادةً على ذلك، إنّها حقائق؛ إنّها تاريخ. هل تعلمون مدى أهميّة ما أقوله الآن؟ إنّ المسيحيّة، هي حقائق وتاريخ. لقد صار المسيح، إنسانًا حقًّا، ومات حقًّا، وقام حقًّا، وصعِد حقًّا. هذه حقائق. وحقًّا سوف يعود. كما يقول باسكال، إذا قيل عشر نبوءاتٍ، وتحقّقت تسعٌ منها، يبقى أن تتحقّق العاشرة. هذا كلّه، تمّ في وجه المسيح كحقائق، كتاريخ. وماذا بَقيَ الآن؟ بقِيَ مجيئه الثّاني. في الختام، هذا هو الاختلاف الرّهيب، الّذي نجاهر به أمام الأديان المُبتدَعة: إنّ المسيحيّة، هي كشفٌ، وتاريخٌ، وحقائق. خلاصنا، هو حقيقةٌ وقد أكّدته الحقائق.

 

المرجع:

https://otelders.org/questions-and-answers-orthodox-christian/what-makes-christianity-different-from-other-religions-orthodox-teaching-of-the-elders/