مَن ذا الّذي لم يسخر منه النّاس؟

القدّيس نيقولاي فيليميروفيتش.

نقلتها إلى العربيّة: يولا يعقوب.

 

كَتَبَ القِدّيسُ نيقولاي إلى أَحَدِهِمْ، عَنْ مَوْضوعِ الاعْتِرافِ، وقال ما يلي:

تُريدُ أَنْ تَعْرِفَ ما إذا كانَ الاعْتِرافُ، مُهِمًّا. في وَقْتٍ مِنَ الأَوْقاتِ، كُنْتَ مُعْتادًا أَنْ تَذْهَبَ بِتَواتُرٍ للاعْتِرافِ، ولكِنَّكَ تَوَقَّفْتَ؛ لأنَّ أَحَدَهُمْ، سَخِرَ مِنْكَ بِسَبَبِ ذلكَ. ما كانَ يَنْبَغي لكَ أَنْ تَتَوَقَّفَ. مَنْ ذا الَّذي لَمْ يَسْخَرْ مِنْهُ النّاسُ؟ هَلْ تَعْلَمُ ما الَّذي قالَهُ أَكْثَرُ النّاسِ حِكْمَةً: «وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الضَّاحِكُونَ الآنَ؛ لأَنَّكُمْ سَتَحْزَنُونَ وَتَبْكُونَ» (لوقا 6:25). أَنْتَ تَكْتُبُ أَنَّهُ، إلى جانِبِ صُنْعَتِكَ، لَدَيْكَ أَيْضًا كَرْمَة مُثْمِرَة؛ لأنَّكَ تَعْتَني بِها جَيِّدًا. إنْ كانَ شَخْصٌ ما يملك كَرْمَةً، وَتَخَلّى عَنْها، وسَخِرَ مِنْكَ بعدَها، لِأَنَّكَ تَهْتَمُّ بِكَرْمَتِكَ، فَهَلْ كُنْتَ سَتَسْتَسْلِمُ، وتتوقّف عَنِ الاعْتِناءِ بِها؟  أَنا واثِقٌ بِأَنَّكَ ما كُنْتَ سَتتَخَلّى عَنْها.  

إذن، كَيْفَ يُمْكِنُكَ أَنْ تَتَرَدَّدَ في موضوع تَنْمِيَةِ نَفْسِكَ، الّتي هِيَ أَهَمُّ مِنْ كُلِّ الكُرومِ في العالَمِ؟ عِنْدَما تَموتُ، سَوف تَأْخُذُ نَفَسَكَ مَعَكَ، لكِنَّكَ سوف تَتْرُكُ الكَرْمَةَ وَراءَكَ. وَمِنْ بَيْنِ كُلِّ العَمَلِ الشّاقِّ، الَّذي نَقومُ بِهِ عَلى الأَرْضِ، فَإنَّ الجُهْدَ الَّذي نَبْذُلُهُ مِنْ أجْلِ نَفْسِنا، هو الأَكْثَرُ صَوابًا. لِذا، عُدْ إلى جُهودِكَ السّابِقَةِ، من أَجْلِ نَفْسِكَ، وَباشِر بِالاعْتِرافِ مُجَدَّدًا. 

تزداد حِدّة الخطايا، وتتكاثر، إن بقِيَت خفيّة. وما إن تظهر للعَلَن، حتّى تَذوي، وَتَموت. لا تَقُلْ لي، إنَّهُ لَيْسَ لَدَيْكَ أَيّ خَطايا. اقرأ ما يَقولُهُ داودُ الصِّديقُ، في سِفْرِ المَزاميرِ «ها إنَّهُ بِالآثامِ حُبِلَ بي، وَبِالخَطايا وَلَدَتْني أُمِّي» (مزمور 50: 5). وَلا تَقُلْ لي، إنّكَ تَعْتَرِفُ بِخَطاياكَ مُباشَرَةً للهِ نَفْسِهِ، فلا حاجَةَ لَكَ للاعْتِرافِ لشَخْصٍ آخَرَ. مَنْ كانَ أكْثَر بِرًّا مِنَ بولُسَ الرَّسولِ؟ وَلكِنَّ بولُسَ نَفْسَهُ، ارْتَكَبَ خَطيئَةً عِنْدَما كانَ لا يَزالُ شاوُلَ، أي قَبْلَ دَعْوَتِهِ ليكون رسولًا. وَقَدِ اعْتَرَفَ بِهذهِ الخَطيئَةِ عَلَنًا، لَيْسَ مَرَّةً واحِدَةً فَحَسْبُ، بَلْ مِرارًا، وَلَيْسَ أَمامَ المُؤْمِنينَ فقط، بَلْ أَمامَ الوَثَنِيّينَ أيضًا. يَكْتُبُ إلى أَهْلِ غَلاطِيَّةَ الَّذينَ اعْتَمَدوا: «فَإنّكُمْ سَمِعْتُمْ بِسيرَتي قَبْلًا في الدِّيانَةِ اليَهودِيَّةِ، أَنّي كُنْتُ أضْطَهِدُ كَنيسَةَ اللهِ بإفْراطٍ وَأُتْلِفُها» (غلاطيّة 1: 13). كَما أَنَّهُ أَخْبَرَ المَلِكَ أَغْريباسَ غَيْرَ المُعَمَّدِ بِذلِكَ. 

بما أنّ القدّيس بولس تصرّف على هذا النّحو، فَلماذا تُبْقي أنتَ جراحَ نَفْسِكَ مَخْفِيَّةً؟ لماذا تَسْمَحُ للأفاعي، بِأَنْ تَتَكاثَرَ في صَدْرِكَ؟ لِأَنَّ أَحَدَهُمْ سَخِرَ مِنْكَ؟ إنْ سَخِرَ مِنْكَ مَرَّةً واحِدَةً، فَقَدْ يَفْعَلُ ذلِكَ عَلى الدَّوَامِ. صَلِّ لله في السّرّ، مِن أجل هذا الشّخصِ. قَدْ يَتوبُ، وَيَكْشِفُ عَنْ خَطيئَتِهِ بِدُموعٍ. ما الأَكْثَرُ اضْطِرابًا مِنَ الفِكْرِ البَشَرِيِّ؟ هُناكَ الكَثيرُ من النّاس، الّذين يتوبونَ في المساءِ عن الكَلِماتِ الّتي تَفَوَّهوا بِها خِلالَ النَّهارِ. لِذلكَ، من أجل نفسِك، لا تُصْغِ لِما يُقال لك عَرَضِيًّا، من قِبَل أيّ أحدٍ؛ إنَّما اصغِ لِما تَكْرِزُ بِهِ كَنيسَةُ اللهِ. تَحَدَّثْ إلى المُرْشِدينَ الرّوحِيّينَ، الّذين يُعرِّفونَ النّاسَ، فيُعْطوكَ العَديدَ مِنَ الأَمْثِلَةِ عن شُعورِ النّاسِ بالرّاحة، بَعْدَ الاعْتِرافِ من صَميمِ قَلبِهِمْ. 

إنَّها لَيْسَتْ خُرافَةً؛ إنَّما هِيَ الحَقيقَةُ المُجَرَّدَةُ، أَنَّ العَديدَ مِنَ النّاسِ، وَهُمْ عَلى فِراشِ المَوْتِ، وَبَعْدَ عِدَّةِ ساعاتٍ مِنَ الأَلَمِ، لَمْ يَتَمَكَّنوا مِنْ مُغادَرَةِ هذِهِ الحَياةِ، إلّا بَعْدَ الاعْتِرافِ بِخَطاياهُمْ لِلكاهِن. أَنا، شَخْصِيًّا، يُمْكِنُني أَنْ أُعْطِيَكَ أَمْثِلَةً عَلى ذلِكَ؛ لِأَنَّني كُنْتُ شاهدَ عَيانٍ. إلهُنا، هُوَ إلهُ الرَّحْمَةِ، وَالصَّلاحِ، وَيَشاءُ أن يخلص الجميع، لكِنْ كَيْفَ يُمْكِنُنا أَنْ نَخْلُصَ، إنْ كُنّا عَمْدًا، لا نُمَيِّزُ بَيْنَ الخَطيئَةِ، وَبِرِّ اللهِ؟ إنْ لَمْ نَرذُلِ الخَطيئَةَ، وَلَمْ نَعْتَرِفْ بِبِرِّ اللهِ؟

سَوف نَذْهَبُ إلى دَيْنونَةِ اللهِ، بِكُلِّ ما نَحْمِلُهُ في أنَفْسِنا. إنْ كانَ خَطيئَةً، فسوف نحمل الخطيئة؛ إنْ كانَ بِرًّا، فسوف نحمل البِرّ. يَنْتَظِرُ اللهُ، تَوْبَةَ كُلِّ إنْسانٍ ميّتٍ. وَالتَّوْبَةُ تَتَضَمَّنُ الاعترافَ بخطايانا. بما أنّ مَلاكَ الموتِ، قد يَأْتي في أَيِّ يَوْمٍ، وَفي أَيِّ ساعَةٍ، وَيَستَلِمُ نَفْسنا، فَإنَّ الكَنيسَةَ توصي بِالاعْتِرافِ المُتَواتِرِ، وَبِالمُناولَةِ المتَواترة. 

لِيُنِرْكَ الله، وَيُبارِكْكَ!

 

https://pemptousia.com/2017/10/who-havent-people-mocked/