عَصرُنا الشّديد الفساد وإلهُنا اللّامتناهي الرّأفة

الشّيخ فيلوثيوس زرفاكوس

 

«لقد بلَغَتِ المعصية والفساد واللّامبالاة وانعدام الضّميرِ ذُروَتَها عند النّاس...»

 

لقد بلغَتِ المعصية والفساد واللّامبالاة وانعدام الضّميرِ ذُروَتَها عند النّاس، علمانيّين وإكليريكيّين، رجالاً ونساءً، أغنياءَ وفقراءَ، ضُبّاطًا وجنودًا، رؤساء ومرؤوسين، وهي تزداد بِقَفْزات سريعة إلى أن تَصِل إلى شَفير الهاوية.

ما الّذي يعيقُ هذا التَّقدُّم البائس في المَعصية الروحية؟ إنّها رأفةُ الله اللّامُتَناهية ورحمتُه التي لا تُقاس وطولُ أناتِه التي لا يمكن تَصَوُّرها، وشفاعاتُ أمّهِ الطّاهرة والقدّيسين جميعهم، والمقدارُ الضّئيل من الفضيلةِ والإيمانِ والرّجاءِ والمحبّةِ لدى قلّةٍ من النّاس مع صلواتِهم وتوسُّلاتِهم إلى الربِّ من أجل خلاصِ العالم بأسره، وانعدامِ الشّرّ لدى الأطفال والرُّضَّع (مع أنّ معظم الرُّضَّع يتلقّون منذ ولادتهم الشرَّ والعاداتِ السّيّئةَ من والِدَيهم الأشرارِ والفاسدين كميراثٍ، ويشاركون في الرَّداءة). كلُّ هذهِ الأشياء تكبحُ الوَعيد العادل والغضبَ الصّالِح للإلهِ الرّحيم واللّامتناهي الرّأفة.

 

ولكنْ إلى متى؟ إلى أن تمتلئ الكأس، التي يبدو أنّها قد امتلأتْ وبدأتْ تنضحُ بما فيها، لا دُفعَةً واحدة، بل شيئًا فشيئًا. إنّ هذا التَّبدُّل البطيء في غضبِ الله قد سُمِح به مُجَدَّدًا لفائدتنا. وقد تسألُ: أيّةَ فائدة؟ لكي نفهم كم من الصَّعب أن نُخطئ ولا نتوب، ولكيما نتوقّف خوفًا عن ارتكاب الخطيئة وإغضاب الله، الذي هو أبونا الأكثر محبّةً وعنايةً بنا، وهو المُعيل والحاكم والحامي والمانحُ الصّالحات كلَّها.

 

لا شيء، مع الأسف، لا شيء مطلقًا يُخيفُنا أو يُرعِبُنا. أصبحنا أسوأ من الوحوش غير العاقلة، فهي تعرفُ حاميَها وسيّدَها، وأمّا الإنسان فليس يجهله فحسب، بل ويُجَدِّف عليه أيضًا. حين تَمُرّ الحيوانات قرب مكانٍ زَلِقٍ وتنزلقُ أو تسقط، فإنّها تتذكّر السَّقطة ولا تُعاوِد المرور قرب تلك المنطقة، حتى أنّها تفضّل أن تُقتَل على أن تَمُرَّ بجوار ذلك المكان. بالمقابلِ، إنّ الإنسان الأكثر حماقةً من الحيوانات، حين يسقط في منطقةٍ ما ويُصاب بجروحٍ، أي عندما يجرح نفسه، لا يفكّر بالسَّقطةِ والأذِيّة، ولكنّه يجري إلى هناك بِمُتعةٍ. يا ربّ ارحم، يا ربّ ارحم، ما هذه العقول! ولكنْ حتّى ولو وُجِد أبٌ أو أمٌ أو أخٌ أو أبٌ روحيّ أو معلمٌ أو كاهنٌ أو مرشدٌ روحيّ لينصحَهُ، فإنّه يستمرّ في دفع نفسه إلى سلوكيّات خاطئة ومُتدنّيّة.

 

كونوا حَذِرين واحرُسوا أنفسكم وغادِروا ذلك المكان ولا تذهبوا إلى هناك، إلى ذلك الشّخص، لا ترتكبوا تلك الخطيئة، إنّها خطرة، إنّها موتٌ مزدوجٌ للجسد والرّوح، إنّها الجحيم! لن يكتفيَ معظم الناس بعدم قبول نصيحةٍ كهذه فحسب، بل حتّى أنّهم يحتدّون ويغضبون ويُعادون الطّبيب. لهذه الأسبابِ فإنّ أبناء جيلِ اليوم، إضافةً إلى خطاياهم، لديهم كبرياء أيضًا، ولِكَونِهم متكبّرين فهم لا يتلقَّون النُّصح ولا التّقويم ولا التّوبة. يجب على المعلِّم، إذا كان كاهنًا وأبًا روحيّاً، أن يكون مُتَأنّيًا ليبتكرَ الأدوية والطّرائق الملائمة لتقويمِهم. ولا يجدُر به أن يبقى صامتًا ولا أن يوبّخهم بقسوةٍ وبشكلٍ مفاجئ، لأنّ التّوبيخاتِ الصّارِمةَ هي بمَكانة كدمات للمتكبِّرين وغير الأتقياءِ، وإذا وبَّخَهُم بشكل فجائيّ فإنّه سيخسرهم تمامًا.

 

ينبغي للمعلّم أن يصبح حكيمًا وذا تمييز كبير، ولأنّ لا أحدَ يمتلكُ الحكمة من نفسه في هذا العالم، يجب عليه، بصلاةٍ حارةٍ، أن يسألَ الله مانحَ الحكمةِ الحقيقيّة أن يمنحَه موهبة الحكمة والتعقّل نظيرَ سليمان ليقودَ النفوس. مراتٍ كثيرةً، وبنفسِ الدواءِ، يُشفى إنسانٌ ويتأذّى آخرٌ. يجب على المعلّم والكاهن أن يمتلك موهبة التّمييز. مع ذلك، فإنّ الأسلوب الحسن والحلو واللّطيف والمتواضع أكثرُ إفادةً للإنسان السّاقط.

 

لا ينبغي أن تُعطى القُدُسات للمُستهزئين والعدائيين وغير الأتقياء والفاسقين والوقحين. والأهمّ من ذلك، بعدَ نصحِ الهراطقةِ مرةً ومَّرَتين، فليُعرَض عنهم. آمين.

 

 

https://orthodoxethos.com/post/elder-philotheos-zervakos-our-exceedingly-corrupt-age