حول حَرْق أجسادِ الرّاقِدين

للقدّيس باييسيوس الآثوسيّ

نقلته إلى العربيّة: جنيفر سعد

 

نُورد في ما يلي، ما قالهُ القدّيس باييسيوس الآثوسيّ عن حرق الأجساد:

   

    جاءَ أستاذٌ جامعيٌّ، وأخْبرَني إنّهم يُفكّرون جدّيًا بِحَرْق عظام الموتى؛ لأنّه ما من مكانٍ لدفنها. فقلتُ لَهُ: «اِسمعْ، كيف لا يوجَدُ مَكان؟ تسالونيكي مليئةٌ بالغابات. مدينة خورتياتيس كلّها غابات. استخدم مقبرةً، وادفن فيها الموتى. وبعدَ ثلاث أو أربَع سَنواتٍ، قمُ ببناء مقبرةٍ أخرى بجانبها. لمَاذا مَلأوا الجِبالَ بالمَباني السَّكَنيّة؟»

وقال لي إنّ هذه الفكرة، هي من وجهة نظر النّظافة الصّحيّة. ماذا تقصدُ بحديثك عن النّظافة الصّحيّة، فيما أنتم تلوّثُون العالمَ كلّه؟ لوّثْتُم البَحْرَ في تسالونيكي، وغيرها، فيما العِظامُ يتمُّ غَسْلها وتَنْظيفها. تَحَلَّوا ببعض الاحترام. 

    إنّهُمْ يُريدونَ الازدراءَ بالنّاسِ ، وجعْلَهمْ عَديمي القيمةِ، وسَلْخَهم عن جذورِهم، وأجدادِهِم، وتقاليدِهم؛ لكيما يتْركوهُم وحيدين، ومنعزلين، فيقضوا على ذاكرتِهمْ، وارتباطهم بأجدادِهمْ، وقيَمهم وحياتهم، فيُفسَح المَجالُ لهم بأن يُضيّعُوا مَسارَ النّاس، بمُعتقداتٍ، ونظريّاتٍ مختلفةٍ. ها هم ينشرون الإِلحاد. هل ماتَ أحدهُم؟ يُجيبون: لا بأس، لقَد زال عن الوجود. 

يريدوننا ألّا نتمكَّنَ من الذّهاب إلى المقْبَرَة لتذكّرِ الرّاقدينَ، وتَكريمهم، وألّا نُفكّرَ بجدّيةٍ بالحياةِ، وألّا نَعي أنّنا عابِرونَ في هذا العالمِ، وأنّ الحياةَ الكريمة، هي ذات قيمة؛ يُريدونَ إبقاءَ العقل البشَرِيّ، في هَذِه الحَياة، عالقًا في المادّة إلى الأبَد.

    نَجِدُ، بين هذه العِظام، قدّيسينَ لا نَعرفهُم. عندما ذهبْتُ في رحلةٍ إلى جبل سيناء في رايثو، قصدتُ مقبرةَ القدّيس جاورجيوس، ووجدتُ عِظامَ طفلٍ تفيض منها النّعمة. كانتْ مثلَ الرّفات المُقدّسة، ولكنّ جرّافةً مرّتْ عليها، وداسَتْها. فجَمَعْتُ مِنْها ما اسْتَطَعْت. حصل هذا بعد كلّ تلك السّنوات.  بماذا شعرتُ حين حصل هذا؟ ماذا لو لم تكُنْ المقبرةُ موْجودَةً؟  لا شيْء، لكانتِ الرّفاتُ ضاعت.

قديمًا، كانوا يُبْدون الكثيرَ منَ الاحترامِ للرّاقدين؛ لأنّهُم لم يأخُذوا أيَّ شيءٍ، من شَخْصٍ مَيّت. قالَ لنا الضّابطُ مرّةً في الحربِ: «مَنْ يَمْلكْ حِذاءً قديمًا، فبإمْكانِهِ أنْ يأخذَ حذاء جنديٍّ من بين الموتى». لم يأخُذْ أحدٌ شيئًا البتّة؛ أمّا الآن، فيَحرُقون عظام الأموات في الغربِ، ويبتَغونَ فِعْلَ ذلكَ هُنا.

 

http://www.gnothiseauton.org/2022/07/on-cremation-of-dead-st-paisios-athonite.html?m=1