من الكنيسة الروسية خارج روسيا
نقلتها إلى العربية أسرة التراث الأرثوذكسي
أصدر الأسقف لوقا، من الأبرشية الشرقية في أميركا، من الكنيسة الروسية خارج روسيا، البيان التالي إلى أبناء رعيته:
الأخوة والأخوات المحبوبون
لقد بلغنا أن من آثار التجديد والمسكونية على المؤمنين الأرثوذكس في أمريكا، وجودكهنة يذكرون المسيحيين غير الأرثوذكس في القداس وفي التهيئة للقداس الإلهي، على الذبيحة. في مقال نُشر على مدونة "الإيمان القديم"، تبرّر هذه الممارسة الشاذة بأن كتب الخدمة الليتورجية التي من الآباء القديسين حول هذا الموضوع هي "...مجلدات مغبرة وأحيانًا مشكوك فيها..."، وبالتالي تحتاج إلى إعادة النظر فيها بمزيد من التحديث في التفسير. لقد طلبت من الأب جون بوديكر، الأستاذ في معهدنا الإكليريكي، أن يعلّق على هذا الأمر.
+ الأسقف لوقا
دير الثالوث القدوس
ذكر الأسماء في القداس الإلهي
الكاهن جون بوديكر
في القداس الإلهي، يذكر المؤمنون الأرثوذكسيون بانتظام أحباءهم الأحياء والراقدين عن طريق تقديم خبز التقدمة (قربانة) مع الأسماء ليقرأها الكهنة على المذبح في وقت التقدمة. خلال التقدمة، يقوم الكاهن باقتطاع جزء من القربانة عن كل واحد من المسيحيين الأرثوذكسيين الأحياء أو الراقدين الذين طُلب منه ذكرهم، ووضع الجزء على الصينية التي عليها الحَمَل، أي الخبز الذي سوف يتحوّل إلى جسد المسيح، جنباً إلى جنب مع أجزاء أكبر حجماً لذكر والدة الإله ومختلف طغمات القديسين في السماوات.
لقد رأى الآباء القديسون الصينية كصورة للملكوت السماوي والكنيسة حيث يملك ربنا مع جميع قديسيه. لهذا السبب، لم تُدرِج الكنيسة بين مَن تذكرهم على التقدمة سوى الأشخاص المؤهَّلين لتلقي أسرار جسد ودم المسيح المقدسين، والذين يترجّون أن يكون لهم نصيب في الملكوت السماوي. لذلك، فيما علينا بالتأكيد أن نصلّي من أجل أحبائنا الذين هم خارج الكنيسة، إلا أننا في القداس الإلهي لا نذكر إلا الأرثوذكس الأحياء والراقدين.
في هذا الخصوص، يقول أحد أعظم اللاهوتيين الليتورجيين في تقليد كنيستنا، أبونا في القديسين سمعان التسالونيكي، ما يلي: "لا يوجد مكان هنا على الصينية لغير المؤمنين، ناهيك عن غير الأرثوذكس. ’أي شركة للنور مع الظلمة؟’ (2كورنثوس 14:6) إذ كما يقول الكتاب، ستفرز الملائكة الشر من بين الأبرار. لذلك ليس من حق الكاهن إطلاقاً أن يقدِّم قرباناً عن مخلوق غير أرثوذكسي أو أن يذكره؛ ولا يجوز له أن يفعل ذلك للخاطئين علانية وغير التائبين. لأن التقدمة هي لإدانتهم، تماماً كما هي لغير التائبين الذين يتناولون من الأسرار الرهيبة، كما يقول بولس الإلهي".
إن الجزء العائد للشخص الذي تمّ ذكره عَلَى نَحْوٍ خاطِئ في التقدمة قبل القداس، من خلال وضعه بالقرب من الحمل، الذي سوف يصير المسيح، وعلى الصينية التي تصوّر الملكوت السماوي، هو مثل ذلك الرجل الذي سعى للدخول إلى وليمة عرس العريس السماوي بدون لباس العرس المناسب ولذا طُرِد. وليس هذا فقط، ولكن كما يشير القديس سمعان، الجزء الذي يرفعه الكاهن "يضعه قرب الحمل الإلهي، وعند استحالة الخبز إلى جسد المسيح، يشترك هذا الجزء على الفور بالتقديس. ويُوضَع هذا الجزء في الكأس المقدّسة، فيتّحد بدم المسيح المقدس ويمنح النعمة الإلهية إلى النفس التي من من أجلها رُفع هذا الجزء. تتحقق على هذا المنوال شركة عقلية بين الإنسان والمسيح. فإذا كان هذا الإنسان ممن يعيشون بتقوى، أو ممن أخطأوا وتابوا، فإن نفسه تقتبل شركة الروح القدس بحال غير منظورة" [النص من كتاب “تفسير القداس الإلهي” للأب المتوحد غريغوريوس، الجبل المقدس، تعريب الشماس سلوان موسي، منشورات دير البلمند، 1999]. هنا مرة أخرى، يجب أن نتذكر تحذير القديس بولس بشأن مخاطر سوء تناول القربان المقدس (1كورنثوس 27:11-32) وأن ندرك أنه ليس من المناسب أن نذكر في التقدمة أولئك الذين، إما بسبب كونهم خارج الكنيسة أو لأنهم يعيشون في خطيئة من دون توبة، لن يكونوا بأنفسهم مستحقين للتناول من الكأس في القداس الإلهي، لو أنّهم حاضرون.
Source: A Note on Commemorations at the Divine Liturgy. Priest John Boddecker. Orthodox Life. Ecclesiology. June 14, 2022. https://orthodoxlife.org/ecclesiology/against-commemoration-heterodox/
تعقيب
الأب أنطوان ملكي
لماذا نشرُ هذا التعليم؟ لأننا في الكنيسة الأنطاكية نعرف هذه الممارسة حيث يذكر بعض الكهنة كل الأسماء التي تَرِدهم. أحد هؤلاء الكهنة برر ذلك بأنه يذكر مَن يطلب منه أبناء رعيته ذِكرَه ويترك لله تحديد مَن يتذكّر. هذا الجواب تسخيف مريع للكهنوت، إذ لا يعود الكاهن قناة للنعمة بل خادماً اجتماعياً يلبّي طلبات.
تقع المسؤولية هنا بالدرجة الأولى على المطارنة وبالدرجة الثانية على الكهنة وأخيراً على الشعب. فالمطارنة هم المسؤولون عن التعليم، ولكنهم في هذا الموضوع، كما في المسكونيات بشكل عام، لا يعلّمون وبالتالي يتركون الكهنة والشعب يصارعون ويتصارعون. فالكاهن إما يرفض أن يذكر غير الأرثوذكسيين فيدخل في مواجهة مع رعيته تؤدّي إلى أزمات لكون الشعب في غالبيته لا يعرف الصحيح، أو يقبل الكاهن فتكون خدمته معابة أمام الله. وما يزيد من عمق الأزمة هو أن الكاهن، في غالبية الحالات، ليس في نفس الخندق مع المطران، إذ قد يوصيه المطران بأن يذكر الأسماء كما تَرِده. لماذا قد يرفض الكاهن أن يذكر غير الأرثوذكسيين؟ لأنه يقرأ في كتب خدمة الكهنة أنه لا يُذكَر غير الأرثوذكسيين. ولأن المنطق يقتضي أن لا يُذكَر مَن لا يُسمَح له بالمناولة.
إن تحديث كتب الخدمة في أنطاكية يظهر عمق أثر المسكونية في ليتورجيا الكنيسة الأنطاكية. من ظواهر هذه المشكلة أن كتب الخدم الصادرة عن البطريركية تسقط طلبة “من أجل المسيحيين الأرثوذكسيين..” وقد بُرّر ذلك مقدمة "كتاب خدمة الكهنة" بأن هذه الطلبة تعود إلى العصر العثماني. لكن من حق المطّلع أن يسأل إذا كانت هذه الطلبة قد أضيفت في البلاد التي خضعت للعثمانيين، فلماذا هي عند الروس؟ إن هذه الإسقاطات تساهم حكماً في الفلتان الليتورجي الذي تعيشه أنطاكية حيث تُعطى الملعقة لكل مَن يفتح فمه. هذا الفلتان لن يضبطه كتاب من هنا وتحديث من هناك. تحديث الكتب بهذا الشكل يؤدّي إلى طمس التقليد وليس إلى إحيائه.
يحاول بعض الكهنة تبرير ذكرهم للجميع بالتزامهم المحبة، وقليلون منهم الذين يعترفون بأنهم يخشون التصادم مع أبناء رعيتهم حتى على حساب التقليد. في النهاية، تكون الدينونة بحجم المسؤولية لأن الرب حاكم عادل.
يَرِد في كتاب "شرح القداس الإلهي" المذكور اعلاه "لا يستطيع أن يشترك في الحياة كل مَن لم يشترك في الحق. لا يلِج إلى شركة الروح القدس مَن لم يشترك في اتحاد الإيمان. ’الحياة المشتركة’ – كأس الحياة المشتركة يفترض قبلاً إيماناً مشتركاً... التقدمة المقدسة هي صورة عن عشاء الملكوت. كل مَن لم يرتدِ لباس العرس، الذي يوهَب بالمعمودية، يُبعَد عن المكان حيث تتم خدمة سر الشكر. ويبقى لاستقبال المسيح أولئك الذين يقيم فيهم الروح القدس – هؤلاء سيكونون الجلساء في عشاء عرس الملكوت وسيفرحون بمعاينة الله وبالاشتراك في الأسرار الإلهية" [ص. 155].
هنا قد يخرج أتباع نظرية المسيح النائم في كل البشرية أو المنادون بأن "الروح يهب حيث يشاء" ليدافعوا عن المناولة المشتركة وعن ذكر غير الأرثوذكسيين على التقدمة. للرد عليهم يكفي الاستشهاد بـِ"الدليل الرعائي إلى الأسرار" الصادر عن بطريركية أنطاكية في 1996، الذي يشرح بوضوح: “إن القرابين الإلهية المقدّسة في الكنائس الأرثوذكسية إنما هي للأرثوذكسيين" [55.1، ص. 80] وأيضاً "الوحدة تتمّ بالاتفاق أولاً في الإيمان، وتُتوّج آنذاك هذه الوحدة في الإيمان بالمشاركة في الأسرار، وخاصةً سر الشكر، الذي هو نفسه الوحدة الحقيقية بين المؤمنين وبين الرب يسوع. وهذا هو سبيلنا إلى الاتحاد بكل مسيحي مؤمن، لأن سر الشكر (المناولة) ليس وسيلة من أجل الوحدة بل هو الغاية ذاتها" [55.3، ص. 82].
في سلسلة المخالفة هذه، الشعب هو الحلقة الأضعف. في غالب الأحيان هو لم يتعلّم. وفي حالات غير قليلة، تعلّم ولكن همومه وارتباطاته الاجتماعية، بالإضافة إلى تهاون أئمته، تجعله يصرف النظر عن كونه حامي الإيمان ويكتفي بالممارسة الخارجية مكتفياً بالأصوات والألحان والتزيين، أما الجوهر فيتركه ليحكم الله فيه.