رسالة إلى شخص كان عليه أن يختار بين الانتحار والتَّسَوُّل.

القّديس نيقولاوس فيليميروفيتش،

نقلها الى العربية: روي صوايا.

 

أنتَ تكتب أنّ مُمتَلكاتِك الدنيويّة كلّها، قد تمّ بَيعُها إلى أُناسٍ آخرين. عندما وجدتَ نفسَك خارجًا، في الشّارع وحدَك صِفر اليَدَين، توجّهتَ إلى المقبرة، عازِمًا على قتل نفسك. لم تكن مرتابًا حيال هذا الأمر ولم تفكّر بأيّ احتمال آخَر. لقد أرهَقتك المشاكل والمُضايقات؛ فاستلقيتَ على قبرِ أهلِك ونِمتَ. ظهرَتْ لك أمُّك أثناء نومكَ، ووَبّخَتْكَ قائلةً إنّه في ملكوت الله هناك الكثير من المُتَسَوِّلين، ولكن لم يُنهِ أحدٌ منهم حياتَه بنفسه. هذا الحلم أنقذك من الانتحار؛ أمُّك الحبيبة أنقذتك حقًّا بتدبير إلهيّ. بدأت تتسوّل وتعتاش من الاستعطاء. وأنت تسأل عمّا إذا كنت بذلك، تنتهك شريعة الله.

تَحَلَّ بالشّجاعة، فالله أعطى هذه الوصيّة: «لا تسرق»؛ لم يُعطِ وصيّة «لا تتسوَّلْ»؛ التّسوّل من دون أيّ حاجة فعليّة هو سرقة، لكن في حالتك، ليس الأمر كذلك. لقد تُرِك القائد والإمبراطور يوستنيانوس أعمىً في شيخوخته، بدون ممتلكات أو أصدقاء. كان أعمى البصر، وكان يجلس خارج باحة العرش ويستجدي القليل من الخبز. وبما أنّه إنسانٌ مسيحيٌّ، لم يفكّر أبدًا بالانتحار؛ لأنّه كما أنّ الحياة أفضل من الموت، هكذا فالتّسوّل أفضل من الانتحار.

أنت تقول إنّ حزنًا عميقًا تغلّب عليكَ، وتشعر بالخزي والعار. أنت تقف في اللّيل خارج المقهى الّذي كان مُلكًا لك، وتطلب المال من أولئك الّذين يدخلون ويخرجون. تتذكّر أنّه حتّى وقت قريب، كنتَ صاحب المقهى، والآن لا تجرؤ حتّى على الدّخول إليه، بصِفتك زبونًا. عيناك حَمراوان من البكاء والنَّوْح. استرحْ، ملائكة الله ليسوا بعيدين عنك. لماذا تبكي على المقهى؟ ألم تسمع عن المقهى في الجانب الآخر من بلغراد حيث هو مكتوب: «لم يكن هذا لشخص ولن يكون»؟ مَن كتب هذه الكلمات هو فيلسوفٌ حقيقيّ؛ لأنّ هذا ينطبق على المقاهي، والمنازل، والقلاع، والقصور جميعها في العالم.

ماذا خسرتَ؟ شيئًا لم تكن تملكه عندما وُلِدتَ، وهو ليس مُلكك الآن. كنتَ ربّ العمل والآن أنت فقير. هذه ليست خسارة؛ الخسارة هي عندما يصبح الإنسان وحشًا؛ لكنّك إنسانٌ وتبقى كذلك. وقّعتَ بعض الأوراق لبعض الزّبائن البارزين، والآن مَقْهاك هو بِيَد الغرباء. واليوم،َ أنت تنظر من النّافذة وترى الجميع يضحكون، بالطّريقة الّتي اعتادوا عليها، وأنت تطوف في الشّوارع والدّموع في عينَيك، والعار يَملَؤكَ. لا تخف؛ فالله عادل! سيتعيّن عليهم جميعًا الإجابة عن أفعالهم السّيّئة، لكن عندما يحاولون الانتحار، من يعلم إن كان الرّبّ الرّحيم، سيسمح لأمّهاتهم أن تظهرْنَ أمامهم من العالم الآخر، لمَنعِهم من ارتكاب الجريمة؟ لا تَعُدَّهم ناجحين ولو للحظة؛ لأنّك لا تعلم كيف سينتهي بهم الأمر. قال رجلٌ حكيمٌ في اليونان قديمًا: «لا تَدْعُ أحدًا سعيدًا، قبل نهاية حياته». هل من الصّعب أن تكون متسوّلًا؟ ألسنا جميعنا هكذا؟ ألا نعتمد جميعُنا، في كلّ ساعة من كلّ يوم، على رحمةِ مَن منحنا الحياة لنعيش؟ الآن لديك رسالة مهمّة في العالم: أن تجذب انتباه النّاس حتّى يتذكّروا الله وأنفسَهم، وأن يكونوا رُحَماء. بما أنّكَ مُرغمٌ على العيش بصمت؛ مَحِّصْ ذاتَك وتحدّث إلى الله من خلال الصّلاة. حياة المُتَسَوِّل هي بُطوليّة أكثر من حياة ربّ العمل. «فَإِنَّ الذَّهَبَ يُمَحَّصُ فِي النَّارِ، وَالْمَرْضِيِّينَ مِنَ النَّاسِ يُمَحَّصونَ فِي أَتُونِ الاِتِّضَاعِ» (سيراخ٢: ٥). لكنّك قد أثبتْتَ بسالةً بالفعل، بِرَفضِك فكر الانتحار الشّرير. هذا انتصارٌ على روح اليأس؛ وبعد هذا الانتصار، ستكون سائر الأشياء سهلةً بالنّسبة إليك؛ الرّبّ سيكون معك.

السّلام والرّاحة لك من الرّبّ!

فليكن سلامُ الرّبّ وعزاؤه معك!

http://https://pemptousia.com/2016/12/letter-to-a-person-who-had-to-choose-between-suicide-and-begging/