خمسة تَمارين روحيّة لبلوغ القداسة،

المطران إرميا ميتروبوليت غورتينوس وميغالوبوليس في اليونان،

تعريب رولا الحاج.

 

المسيحيّون الأرثوذكس المُعَمَّدون كلّهم، يا أحبّائي، هم عائلة واحدة مقدّسة، تُسمّى الكنيسة؛ الكنيسة واحدة وليست كنائس عدّة؛ وهذه الكنيسة الواحدة، هي الكنيسة الأرثوذكسيّة. الكنيسة هي جسد مقدّس، ورأسها يسوع المسيح. ولأنّ الرّأس، أي مسيحنا، هو قدّوس؛ كذلك علينا نحن المسيحيّين، أعضاء الكنيسة، أن نسعى لنُصبح قدّيسين.

تُقدِّم لنا الكنيسة الوسائل والطّرائق، لبلوغ القداسة.

إنّ هدف الكنيسة، يا أحبّائي، ليس مجرّد أن تجعل النّاس صالحين، مثل تلاميذ أفلاطون وأرسطو؛ بل أن تقدّسهم وتجعلهم متوشّحين بالله. ليست الكنيسةُ مؤسّسةً خيريّةً، أو مُلتقىً ثقافيًّا؛ إنمّا هي مؤسّسة إلهيّة، حيث يسكن إلهنا، أي الثّالوث القدّوس، ويُقيم فيها، مع والدة الإله والملائكة والقدّيسين كلّهم، والمسيحيّين المُعَمَّدين جميعهم. ولكَونِنا مسيحييّن مُعَمَّدين؛ فنحن ننتمي إلى هذه الكنيسة، ومطلوبٌ مِنّا أن نسير في هذا الطّريق المؤدّي إلى لقداسة، ونجاهد لنُصبح قدّيسين. سأسمّي لكم في عِظَتي اليوم، الوسائل المُتاحة في الكنيسة لتحقيق قداستنا.

بادئ ذي بدء، تنفرد الكنيسة بأسرارٍ مقدّسة، نتلقّى من خلالها نعمة الله؛ فمن دونها لا يُمكننا أن نُحقّق أيّ شيء. لكنّ الكنيسة تُعلّمنا أيضًا الوسائل الإلهيّة-الإنسانية، أي الفضائل الّتي نستطيع بوساطتها أن نتغلّب على أهواء الخطايا، ونحقّق قداستنا. سأتحدّث إليكم اليوم ببضع كلمات، بما يتعلّق بهذه الفضائل، والتّمارين الرّوحيّة، يا أحبّائي المسيحيّين.

التّمرين الأوّل: الفضيلة الأولى، هي الإيمان. أن يكون لكَ إيمانٌ: يعني أنّ تستسلمَ بصدق لِمَحبوبنا يسوع المسيح، وأنّك على استعداد للقيام بأيّ شيء من أجل محبّته؛ الإيمان يعني أن نثق ثقة كاملة بإلهنا. فلنصلِّ دائمًا قائلين: «يا مسيحي، ثَبِّتني في إيماني ومحبّتي لك. ومهما يحصل في حياتي، أرجو ألاّ أبتعدَ عنك وألاّ أنكِرَكَ»!

التّمرين الثّاني: الفضيلة الثّانية الإلهيّة-الإنسانيّة، هي الصّلاة والصّوم. يجب أن تصبح هاتان الفضيلتان، نمطَ حياة وطريقَ حياة للمسيحييّن الأرثوذكس. هاتان الوسيلتان، الصّلاة والصّوم، اللّتان أعطانا إيّاهما ربّنا يسوع المسيح، ضروريّتان لتقدّيسنا؛ ولهذا السّبب أصِفُ كلّ فضيلة منهما بِـإلهيّة-إنسانيّة. الصّلاة والصّوم، يا أحبّائي، يجلبان نعمة الله إلى النّفس، وهما يُحَفِّزانها ويشدّدانها حتّى تتمكن من محاربة الشّيطان.

الفضيلة الإلهيّة-الإنسانيّة الأخرى، الّتي يجب أن نمتلكها، هي المحبّة؛ المحبّة، يا إخوتي، لا ينبغي أن يكون لها حدود؛ المحبّة لا تسأل إن كان إنسانٌ ما صالحًا أو لا، أو مَن الّذي يُحبُّني ومَن يكرهُني. المسيحيّ الصّالح يحبّ الجميع: يحبّ الأصدقاء والأعداء؛ يحبّ الخطأة والمجرمين، من دون أن يحبّ خطاياهم وجرائمهم. محبّة كهذه هي عَطِيّة من الله؛ ولهذا علينا أن نطلبها من الله في صلواتنا. فلنقُل في صلواتنا: «أيّها الربّ يسوع المسيح، إله المحبّة، أعطِني محبّتكَ، فأُعطيَها للجميع»!

الفضيلة الرّابعة، هي الوداعة والتّواضع. وحدُه وديعُ القلبِ، يستطيع أن يُهدّئ القلوب المتوحّشة والمتمرّدة؛ وحده متواضعُ القلبِ يستطيع أن يُخَشِّع النفوس المتكبّرة والمتعجرفة. أيّها المسيحيّون، من أجل أن نصبح وَديعين ومتواضعي القلب، علينا أن نتّكّل على «الوديع والمتواضع القلب» (متّى 11: 29) الحقيقيّ الوحيد، أي ربّنا يسوع المسيح. لقد اتّضَع مسيحُنا، وأخلى ذاته حتّى صُلب من أجلنا.

والفضيلة الإلهيّة-الإنسانيّة الأخرى، إذ إنّ المسيح أعطانا إيّاها، هي فضيلة الصّبر. وبعبارة أخرى، أن نتحمّل الشّرّ، ونتحمّل افتراء الآخرين وتجريحهم، وألاّ نواجه الشّرّ بالشّرّ. فلنعلم، يا إخوتي، أنّ العالم، العالم الخاطئ، لا يستطيع أن يحتمل شعب الله، تمامًا كما لم يحتمل مسيحَنا. الاستشهاد يرافق المسيحيّ الحقيقيّ، لكن يجب على المسيحيّ أن يكابد الاستشهاد النّاجِم عن سخرية العالم، وألاّ يغضب.

هذه الفضائل والتَّمارين الرّوحيّة الّتي أخبرتكم عنها، يا إخوتي، قد أُعطِيَت لنا من قِبَل القدّيسة باراسكيفي، والقدّيس أنطونيوس، والقدّيس غريغوريوس بالاماس، والقدّيس غريغوريوس الخامس- بطريركنا الذي من ديميتسانا- والقدّيسين جميعهم. يجب أن نطبّقها نحن أيضًا، لكي نتقدَّس. تُدرَّس طريقة ممارسة هذه الفضائل فقط وبشكل صحيح، داخل الكنيسة الأرثوذكسيّة؛ ولهذا السّبب، وحدها الكنيسة الأرثوذكسيّة تستطيع تقديس الإنسان؛ فخارجها لا يوجد قداسة.

المرجع:

 https://www.johnsanidopoulos.com/2014/03/five-spiritual-exercise-to-achieve.html