خصائص الكنيسة (الجزء الثّالث)،

القدّيس يوستينوس بوبوفيتش.

 

جامِعيّة (كاثوليكيّة) الكنيسة:

إنّ طبيعة الكنيسة الإلهيّة–الإنسانيّة هي في ذاتها شاملة وجامِعة بالكُلّية: إنّها شاملةٌ وجامِعةٌ إلهيًّا–إنسانيًّا. يَحوي الإله–الإنسان، الرّب المسيح، في ذاته وبذاته، الإله والإنسان مُتَّحِدَين بالشّكل الأكمل والأمثل. ومن خلال الإنسان اِتّحد كذلك أيضًا كلّ العالمين والخليقة بالله. إنّ مصير الخليقة مرتبطٌ بشكلٍ أساسيّ بمصير الإنسان (اُنظر رومية 19:8-24). يشمل جسمُ الكنيسة الإلهيّ–الإنسانيّ الْكُلَّ: "مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رئاساتٍ أَمْ سَلاَطِينَ.” يحوي الإله-الإنسان كلّ شيء، "هُوَ رَأْسُ الجسد: الكنيسة." (كولوسي 17:1-18).

في جسم الكنيسة الإلهيّ–الإنسانيّ، يعيشُ كلّ واحدٍ بملء شخصيّته إذ إنّه كائنٌ حيٌّ، كَخَلِيّةٍ شَبيهة بالله. يشمل ناموسُ الجامِعيّة الإلهيّة–الإنسانيّة الكلَّ ويعمل من خلال الكلّ، هكذا يُحفَظ التّوازنُ بين ما هو إلهيّ وما هو إنسانيّ في كلّ مكان.  كوننا أعضاءً في جسد الكنيسة، فإنّنا نختبر فيها ملء كياننا بكلّ أبعاده الإلهيّة. بالإضافة إلى ذلك، يختبر الإنسانُ في كنيسة الإله–الإنسان كَيانَه بِمِلئه، بِمِلئه الإلهيّ–الإنسانيّ؛ لا يختبر ذاتَه بصفته إنسانًا تامًّا فقط، بل ممثِّلًا الخليقةَ بِكُلّيتها أيضًا؛ فإنّه باختصارٍ، يَختَبر ذاتَه على أنّه إلهٌ–إنسانٌ بالنّعمة.

الجامِعيّة (catholicity) الإلهيّة–الإنسانيّة الّتي للكنيسة هي بالحقيقة المَسْحَنة الدّائمة للإنسان بالنّعمة، من خلال الفضائل. كلّ شيء يتركّز في المسيح ويُختَبَر من خلاله كأنّه لنا، وذلك كجسم إلهيّ–إنسانيّ واحدٍ لا يتجزّأ. الحياةُ في الكنيسة هي الطّريق إلى الجامِعيّة من خلال الإله–الإنسان، هي الجهاد لنُصبح على مثاله بالنّعمة والفضائل، هي المَسْحَنة، والتّأليه، والحياة في الثّالوث القدّوس، هي التّقديس، والتَّجَلّي، والخلاص، وعدم الموت وأن نكون أعضاءً في الكنيسة. تظهر وتتحقّق جامِعيّة الكنيسة الإلهيّة–الإنسانيّة من خلال شخص المسيح السرمديّ الإله–الإنسان؛ إنّه يَتحَدُ بالشّكل الأمثل الإلهَ بالإنسان وبالخليقة بأكملها، تلك التي تَنَقّت من كلّ خطيئة، وشرٍّ، وموتٍ، بِدَم المخلّص الإله–الإنسان (اُنظر كولوسي 19:1-22). إنّ شخص الرّب المسيح الإله–الإنسان هو روحُ جامِعيّة الكنيسة. يُحافظ الإله–الإنسان باستمرارٍ على التّوازن الإلهيّ–الإنسانيّ، بين ما هو إلهيّ وما هو إنسانيّ في حياة الكنيسة الجامِعيّة. الكنيسةُ ممتلئةٌ حدَّ الفَيض بالرّب المسيح «الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ.» (أفسس 23:1). لهذا السّبب هي شاملةٌ بكلّ شخصٍ فيها، في أصغر خَلاياها. هذه الشّموليّة وهذه الجامِعيّة تدوّي كالرّعد من خلال الرّسل والآباء القدّيسين، والمجامع المسكونية والمحليّة كلّها.

 

Popovich, Archimandrite Justin. The Orthodox Church and Ecumenism. Translated by Benjamin Emmanuel Stanley, Lazarica Press, 2000. P. 50, 51.