المتقدِّم في الكهنة جورج بابافرنافاس
تعريب نديم سلُّوم
القدّيس مرقس إفجينيكوس (النّبيل) وأسقف أفسس، معروفٌ ومحبوبٌ في العالم الأرثوذكسيّ لكثرة غيرته وجهاداته من أجل الإيمان الأرثوذكسيّ. ناضل وحده ضدَّ الجميع بكامل قوَّته في المجمع اللّصوصيّ في فِرارا – فلورنسا، حيث تمّ إرغام المسيحيّين الأرثوذكسيّين على المشاركة فيه قسرًا، كما سَنُحَلِّلُ أدناه، لا من قِبَل اللّاتين وحسب، بل أيضًا من قِبَل ذوي الذّهنيَّة اللّاتينيَّة الّذين، بدلاً من الوقوف إلى جانب الأفسسيّ ودَعمِه لكونهم أرثوذكسيِّين، ضغطوا عليه بِحُجَج مُصطَنَعةٍ عديدة للتّراجع. لكنَّه صمد كالصّخرة لأجل إيمانه، حتَّى اضطَّر البابا إلى الاعتراف، عندما أُبلِغَ أنَّ مرقس لم يوقِّع على وثيقة الوحدة، قائلًا: «لم نحقِّق شيئًا».
لم يكن أسقف أفسس مُتَعَصِّبًا وعنيدًا كما يصفه اللّاتين وذوو العقليَّة اللاتينيَّة، بل امتلك خبرة الله وكان يعرف جيِّدًا الإيمان الحقيقيّ الذي كَشَفَهُ المسيح، وتسلَّمه الرّسلُ الكرام، وفسّره قدّيسو الكنيسة الإلهيّون؛ وتاليًا لم يتحمّل الأفسسيُّ تزويرَ هذا الإيمان من قِبَل الإفرنج. إضافةً إلى ذلك، في القرون الثّمانية الأولى بعد ميلاد المسيح، في الجزء الغربيّ للأمبراطوريَّة الرّومانيَّة، أو ما يُسمَّى بالأمبراطوريَّة البيزنطيَّة، كان إيمان الأرثوذكس حقيقيًّا، تمامًا كما هو الحال في الجزء الشرقيّ. لهذا السّبب نجد في لائحة قديسي الكنيسة الأرثوذكسيَّة باباوات أرثوذكسيّين.
لكن بعد احتلال الإفرنج الجزء الغربيّ من الأمبراطوريَّة، أقصَوا الإكليروسَ الأرثوذكسيَّ واستبدلوهم برجال دين من عندهم، والأسوأ من ذلك أنَّهم زيَّفوا الإيمان الأرثوذكسيّ بتعديلات وإضافات مختلفة: غيَّروا دستورَ الإيمان الذي صاغَهُ المجمعان المسكونيَّان الأوّل والثّاني وأكَّده المجمع الثّالث الّذي حَرَمَ كلَّ من يحاول تغييرَه بحذف كلمة منه أو زيادة كلمة عليه. ومع ذلك، وبالرّغم من الحظر الصّارم والصّريح، أضاف الإفرنج إلى دستور الإيمان «الفيليوكفه» الّتي تعني «ومن الابن». أي أنَّ الرّوح القدس لا ينبثق من الآب فقط، بل من الابن أيضًا، ما يتعارض مع حقيقة أنّ يسوع، في العهد الجديد، يقول إنَّ الرّوح القدس «ينبثق من الآب». تخلق هذه الإضافة مشاكل كبيرة، لأنَّها تُدخِل نظامًا ثنائيًّا على الألوهة، وتقلِّل من شأن الرّوح القدس الذي هو مساوٍ للآب والابن (لسوء الحظّ أنّ ضيق المساحة لا يسمح بمزيد من التّفاصيل حول هذا الموضوع)، كما أنَّها تقدِّم «أولويَّة» البابا والتعليم حول المطهر. كان ردُّ فعل الأرثوذكس طبيعيًّا في أوائل القرن الحادي عشر، إلى أن وصلنا إلى الانشقاق النهائيّ.
في القرن الخامس عشر، وقبل فترة قصيرة من سقوط القسطنطينيَّة، طلب الرّوم المساعدةَ من الإفرنج لمواجهة الأتراك. ظنَّ الإفرنج أنَّ الفرصة التي سعَوا إليها دائمًا قد أتَتْهُم، ألا وهي إخضاع الأرثوذكسيَّة. لذلك كان تقديم المساعدة لهم مشروطًا بتوحيد الكنيستَيْن. وهكذا دخل الأرثوذكس في حوارٍ وصراعٍ غير متكافئٍ، إذ كان الإفرنج يضغطون عليهم، بالوسائل المتاحة كلّها، كي يقبلوا ابتداعاتهم. كانوا يُبقونهم جائعين ويمنعونهم من المغادرة والعودة إلى وطنهم ورعيَّتهم، كما وأنّهم حرموا وعذّبوا الإكليروس الذي تمكَّن من الهروب. في كتاب للرّاهب أثناسيوس من باروس (القرن الثّامن عشر) بعنوان البابا الّدجَّال (أو ضدّ البابا)،الّذي يُستَحسَن أن يَدرُسَه جميع الأرثوذكس، نجد الحقائق الصّادمة حول هذا المجمع اللّصوصيّ، والجهادات الخارقة للقدّيس مرقس الذي يسمّيه الكتابُ «أطلسَ الأرثوذكسيَّة».
يكتب الرّاهب من بين أمور أخرى: «إلى المؤمنين الأرثوذكسيِّين جميعًا، أقدِّم لكم مرقس الأفسسيّ الكليّ القداسة. مرقس، ذلك النّجم من الكنيسة الشرقيَّة، والبَرق السّاطع في الغرب المتعجرف. مرقس، فمُ اللّاهوتيِّين، ومجد الأرثوذكسيَّة، والمجاهد الكلِّيُّ العجب، والرّجل الوحيد الذي لا يُقهَر ولا ينكسر».
يمكن للحوار مع اللّاتين، كما هو الحال مع الطّوائف المسيحيَّة الأخرى، أن يأتيَ بثمارٍ جمّة إذا تمَّ في جوّ من المحبَّة والحريَّة، ولكن بشكلٍ خاصٍّ مِن قِبَل أشخاص مُندَمِجين في جوِّ التقليد الأرثوذكسيّ، أي لاهوتيّين حقيقيّين اختبروا الله واتَّبعوا تعاليم الآباء القدّيسين -معايني الله- الّذين عرفوا جيِّدًا الحقائق الإنجيليَّة كما تمَّ شرحها واختبارها في الكنيسة الأرثوذكسيَّة. فكما أنَّ التّعصُّبَ غريبٌ عن روح الإنجيل، كذلك التّنازل عن الإيمان الحقيقي من أجل محبَّةٍ كاذبةٍ. لا توجد المحبَّة الأصيلة خارج الإيمان الحقيقيّ. إنَّ العودة إلى «الكنيسة الواحدة الجامعة المقدَّسة الرّسوليَّة»، التي تنتمي إلى الإيمان الأرثوذكسي، هي الطّريق الحقيقيّ للوحدة «في المحبَّةِ والحقِّ».
https://www.johnsanidopoulos.com/2014/01/saint-mark-of-ephesus-as-model-for-our.html