شروط الوحدة

جان كلود لارشيه

تعريب: شادي مخّول

 

إنَّ وحدة المسيحيّين المتفرّقين لا يُمكن تحقيقها إلَّا بالشَّركة، أي شركة جسد المسيح الواحد والوحيد الذي هو الكنيسة الواحدة والوحيدة، الحيَّة والموحَّدة بالرُّوح الواحد والوحيد. يكتب القديس كيرلّس الإسكندريّ في هذا الشأن:

بغية أن نسعى إلى الوحدة مع الله وبيننا، وأن نكون مختلطين فيما بيننا، بينما نشكّل أفرادًا متميّزين جسدًا وروحًا، دبَّر الابنُ الوحيدُ وسيلةً بحكمته وبمشورة الآب. في الواقع، بتقديسه للمؤمنين الذين يشكّلون جسدًا واحدًا، أي جسده، بالشركة المستيكيَّة، جعلهم متَّحدين بجسده وفيما بينهم. من سيفصل ويُخرج من هذه الشَّركة الجسديَّة أولئك الذين اتَّحدوا بالمسيح في شركة جسده المقدَّس والوحيد؟ فعلى الرَّغم من كلّ شيء، إنَّنا جميعنا نشترك في الخبز الواحد ونشكّل جسدًا واحدًا. لا يُمكن أن ينقسم المسيح. لهذا دُعيَت الكنيسة أيضًا جسد المسيح، ونحن أعضاء هذا الجسد، حسب ما ارتأى بولس الرَّسول (1 كور 12: 27). إنَّ الرُّوح واحدٌ لا ينقسم، وهو يجمع في ذاته نفوس الجميع، على الرَّغم من تمايزهم بحسب الوجود الفرديّ، ويُظهرهم كلَّهم ككيانٍ واحدٍ في ذاته فقط. يقول بولس الرَّسول أيضًا: «مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْمَحَبَّةِ. مُجْتَهِدِينَ أَنْ تَحْفَظُوا وَحْدَانِيَّةَ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلاَمِ. جَسَدٌ وَاحِدٌ، وَرُوحٌ وَاحِدٌ، إِلهٌ وَآبٌ وَاحِدٌ لِلْكُلِّ، الَّذِي عَلَى الْكُلِّ وَبِالْكُلِّ وَفِي كُلِّكُمْ» (أف 4: 2-6)1.

إنَّ الشركة، وفق مبدئٍ أساسيّ في الكنيسة الأرثوذكسيَّة منذ القرون الأولى للمسيحيَّة، لا يُمكن أن تكتمل إلَّا على أساس وحدة الإيمان، التي لا تتعلَّق ببنودٍ عقائديَّة وإكلسيولوجيَّة وحسب، بل بكلّ العناصر اللّيتورجيَّة والرُّوحيَّة التي تعود إلى جذور عقائديَّة إكلسيولوجيَّة أيضًا.

من المسلَّم به، أنَّ مواضيع الخلاف الرئيسيَّة، التي يجب أن تكون أيضًا نقاط الوفاق الرئيسيَّة بغية العودة إلى الوحدة، هي انبثاق الرُّوح القدس ومسألة مكانة بابا روما. لكن، هذا لا يعني أنَّ المواضيع الأخرى لا أهميَّة لها. يستذكر الأب بلاسيد P. Plaside Deseille «كان محتوى الإيمان، بالنسبة للآباء، غير قابلٍ للتجزئة: إنَّ الفصل بين المواد الأساسيَّة والوعظ ومواد أخرى أقلّ أهميَّة لم يكن ممكنًا2». وكما يقول القدّيس يوحنّا الذَّهبي الفم، إنَّ أصغر تغييرٍ في الإيمان يؤدّي إلى انعكاساتٍ على الجماعة: «عندما تشوِّهون ولو قليلًا طبعةَ العملة الملكيَّة، تزيّفون العملة كلَّها، هكذا، من يسمح بأن يُشوَّهَ أصغر جزءٍ من إيمانه، يهزّ إيمانه بأكمله، ويتَّجه دائمًا نحو الانحراف. أين هم الذين يتَّهموننا بمحبَّة النزاعات بسبب جدالاتنا مع الهراطقة؟ أين هم الذين لا يعترفون بأي اختلاف حقيقيّ بينهم وبيننا؟ ليسمعوا بولس قائلًا بأنَّ بدعةً قد حوَّلَت الإنجيل، حتى ولو كانت صغيرة (غل 1: 7)3.

إنّ اختلاف الآراء والمشاعر والعادات والتقاليد يكون شرعيًّا فقط عندما يكون هناك اتفاقٌ على الإيمان، فهذه الاختلافات، بحسب القدّيس إيريناوس أسقف ليون، لا تفعلُ شيئًا سوى أنَّها «تؤكِّد اتفاق الإيمان»4.

أيضًا، يجب التأكيد على أنّ الاتفاق على الأمور الإيمانيَّة التي تشكّل اليوم خلافًا، ليس كافيًا إن تمَّ النَّظر فيها بمعزلٍ عن المسائل الإيمانيَّة الأخرى، وإن لم تكن هذه المسائل، واحدة فواحدة أو بشكلٍ عام، مرتبطة بطريقة العيش المسيحيَّة الأرثوذكسيَّة. وردَ في النَّص الصادر عن الكنيسة الرُّوسيَّة ما يلي:

«إنَّ انقسام العالم المسيحيّ ليس مجرَّد انقسامٍ بالصّيَغ العقائديَّة وحسب، بل انقسامٌ بخبرةِ الإيمان أيضًا. يجب أن نصل إلى اتفاقٍ كاملٍ وصريح، ليس بما يختصُّ بالمصطلحات الإيمانيَّة الأساسيَّة فحسب، بل بخبرة الإيمان نفسها أيضًا»5.

بمعنى آخر، من الضَّروري دمج هذه النقاط وفهمها وربطها بشكلٍ عضويّ ببعضها البعض وبسائر العناصر الأخرى كالعقائد والمؤسَّسة الكنسيَّة والحياة الكنسيَّة والأسراريَّة والرُّوحيَّة، ضمن التقليد الذي كان مشترَكًا في الألفيَّة الأولى والذي بقي في الكنيسة الأرثوذكسيَّة. التقليد وحده يمكن أن يكون وثاقًا، أي العنصر المنسِّق، للعناصر المختلفة التي تشكّل الإيمان وطريقة عيش المسيحيَّين الأصيلَين (أي التي تتطابَق مع تلك التي وضعها المسيح وتلاميذه)، كما تشكِّل ضمانة تفسيرهما السَّليم وتطبيقهما الصَّحيح.

يكتب الأب بلاسيد: «من وجهةٍ أرثوذكسيَّة، إنَّ الوحدة بين كافَّة الجماعات المسيحيَّة المتفرِّقَة، لا يمكن أن تتحقَّق إلَّا بالعودة إلى تقليد الكنيسة الجامع والمشتَرَك: أي ما قد سُلِّمَ من عقائد إيمانيَّة، وما كان معاشًا من عاداتٍ مشتَرَكة في كلّ مكانٍ وزمانٍ ومن الكلّ في الألفيَّة السابقة للانشقاقات، دون أي زيادةٍ أو نقصان. من خلال التمسُّك بكمال التَّقليد، كلّ من هذه الجماعات حكمًا ستوجد في وحدة الكنيسة الجامعة»6.

المصدر:

Larchet, Jean-Claude. L’église corps de Christ: Les relations entre les églises. Cerf, 2012. P. 168-171.


 

1 CYRILLE D’ALEXANDRIE, Commentaire sur Saint Jean, XI, 11, PG 74, 560A-561B.

2 Point de vue orthodoxe sur l’unité des chrétiens, Saint-Laurent-en-Royans (sans date).

3 Commentaire sur l’épître aux Galates, I, 6.

4 Dans Eusèbe de Césarée, Histoire ecclésiastique, V, 24, 13, SC 41, p. 70.

5 Principe fondamenteaux régissant les relations de l’église orthodoxe russe avec l’hétérodoxie» (Déclaration du concile episcopal de l’église orthodoxe russe, Moscou, 2000), 2. 11.

6 Point de vue orthodoxe sur l’unité des chrétiens, Saint-Laurent-en-Royans (sans date).