القديس نيقولاوس فيلميروفيتش
تعريب شادي مخّول
كان أولئك الأربعة من سبط يهوذا الملكي. عندما دمَّر نبوخذنصَّر أورشليم ونهبها، أُخِذَ دانيال الفتيّ إلى العبوديَّة مع الملك اليهودي يهوياقيم وعدد لا يُحصى من إسرائيليّين آخرين. تجدون في كتابه تفاصيل سيرته ومعاناته ونبوءاته.
بتكريسه الكامل لله، نال دانيال النبيّ منذ فتوَّته موهبة التمييز من لدنه. ذاعَت شهرته بين اليهوديين الموجودين في بابل إثر شجبه لشيخَين متهتِّكَين أثيمَين وقد كانا قاضيَين يهوديين، وإنقاذه لسوسنة العفيفة من موتٍ جائر. لكن شهرته بين البابليين ذاعت حين فسَّر حلم نبوخذنصَّر الملك، وإثر ذلك جعله الملك أميرًا في محكمته.
عندما نصبَ الملكُ تمثالًا ذهبيًّا في صرحِ دورا، أبى الفتية الثلاثة أن يعبدوه، ولهذا ألقوا بهم في أتّون النار. إلَّا أن ملاك الرَّبِّ ظهَرَ في الأتُّون وندَّى النَّار، وهكذا شرعوا يدورون في الأتّون دون أن يمسّهم لهيب النار وهم يرتّلون «مُباركٌ أنت يا إله آبائنا». انذهل الملك لمشاهدته هذه المعجزة، فأخرج الفتية من الأتّون ووهبهم شرفًا عظيمًا.
في أيام الملك بلتشصَّر، عندما كان يأكل الملك ويشرب مع ضيوفه على مأدُبةٍ مستخدمين أواني مقدَّسة من هيكل أورشليم، كتبت يدٌ غير منظورةٍ ثلاث كلماتٍ على الحائط «مَنَا مَنَا تَقَيْلُ وَفَرْسِينُ» (دا 5: 25-28). ولم يقدر أحد أن يُفسِّر هذه الكلمات إلَّا دانيال. وفي تلك اللَّيلة، مات بلتشصَّر الملك.
أُلقيَ دانيال مرَّتين في جُبِّ الأسود لأجل إيمانه بالإله الواحد الحيّ، وفي كلتا المرَّتين أنقذه الرَّب وحفظه حيًّا. أبصر دانيالُ الله جالسًا على العرش محتفَّةً به الجنود السماويَّة، ورأى الملائكة، وعرفَ مستقبلَ بعض البشر والمملكات، ومستقبلَ الجنس البشريّ برمَّته، وتنبأ بزمان مجيء المخلِّص إلى الأرض.
يقول القدّيس كيرلّس الاسكندريّ إنَّ دانيال والفتية الثلاثة عاشوا لعمرٍ متقدِّمٍ في بابل، وقد قُطعَت هاماتهم لأجل الإيمان الحقيقيّ. عندما قطعوا هامة حنانيا، بسط عزريا عباءته والتقط بها رأسه، وبعد ذلك التقط ميصائيل رأس عزريا، ودانيال التقط رأس ميصائيل. ونقل ملاك الرَّبّ أجسادهم إلى يهوذا إلى الجبل، ووضعهم تحت حجر. وقد وردَ في التقليد أنَّ أولئك الأربعة المرضيّين لله، قد قاموا لحظة موت الرَّب يسوع المسيح وظَهَروا لعديدين ومن ثمَّ رَقَدوا مجدَّدًا.
يُعدُّ الني دانيال بين الأنبياء الأربعة الكبار (إشعياء وإرمياء وحزقيال ودانيال). عاش وتنبَّأ 500 سنة قبل المسيح.
تأمُّل في سيرة دانيال والفتية الثلاثة
تتحقّق نقاوة الجسد بالدَّرجة الأولى عبر الصَّوم، ومن خلال نقاوة الجسد، تتحقَّق نقاوة النفس أيضًا. إنَّ الإمساك عن الطَّعام، بحسب كلمات ابن النَّعمة القدّيس أفرام السريانيّ، يعني: «ألَّا نشتهي أو نسأل عن مأكولاتٍ متنوّعة، أكانت حلوة أم مكلفة؛ وألَّا نأكل أيَّ شيءٍ خارج الأوقات المحدَّدة؛ وألَّا نستسلم لروح الشَّراهة؛ وألَّا نُثير الجوع في النَّفس إثر النَّظر إلى أطعمةٍ شهيَّة؛ وألَّا نشتهي حينًا نوعًا معيَّنًا من الطَّعام وحينًا آخر نشتهي نوعًا آخر». إنَّ المغالطة القائلة إنّ الصَّوم والطَّعام الصياميّ يضرّ الصحَّة الجسديَّة هي مغالطةٌ كبيرة. إنَّها لحقيقةٌ معلومة بأنَّ النساك عاشوا أيامًا مديدةً وكانوا أقلّ عرضة للإصابة بالأمراض. دانيال النبيّ والفتية الثلاثة البابليُّون هم مثالٌ لذلك. فعندما أمر الملك خصيَّه بأن يُقدِّم للفتية طعامًا من المائدة الملكيَّة وخمرةً جيّدةً ليشربوها، قال دانيال للخصيّ بأنَّهم لا يقبلون بالطعام وبالخمر الملكي، بل يكتفون ببعض الخضار ليأكلوها (لأنَّ دانيال لم يُرد أن يأكل الطَّعام المرشوش بدم الذبائح الوثنيَّة). لكنَّ الخصيَّ خاف من أن تخور قوَّة الفتية بسبب الطعام الصياميّ، وشارك خوفه هذا مع دانيال. فاقترحَ النبيّ على الخصيّ بأن يُجري اختبارًا ويُقنع ذاته بأنَّ الطعام الصياميّ لن يُضعفهم: عليه أن يُغذّي الفتية الآخرين الحاضرين على المائدة الملكيَّة من الطَّعام الموجود على مائدة الملك، وأن يُطعم الفتية الأربعة حبوبًا فقط لمدَّة عشرة أيام، وبعد ذلك فليُجري مقارنة. وبعد عشرة أيَّام، كانت وُجوه الفتية النساك الأربعة أكثر إشراقًا وأجسادهم أقوى من أجساد الفتية البابليّين الذين أكلوا من مائدة الملك وشربوا منها.
ترنيمة مديحٍ للنبي دانيال والفتية الثلاثة
إنَّ من يخاف الله الحقيقيّ، لا يخاف من أناسٍ أو شياطين.
الرَّبُّ يُكافئ الخدَّام الأمناء، ويحفظهم من كلّ شرّ.
وسط الأسود، حُفظَ دانيال سالمًا.
وسط أتُّون النار، حُفظَ الفتية الثلاثة أحياء.
وسط اللَّهيب مجَّدوا الله، مع ملاكٍ مُرسَلٍ من الله.
مثل نوح في العالم الشرّير،
مثل لوط في بريَّة سدوم،
ومثل يوسف في مصر الفاسدة،
هكذا دانيال في وسط بابل
بقيَ مؤمنًا وبارًّا
مع ثلاثة من أصدقائة الفتيان:
حنانيا وعزريا
والفتى المؤمن ميصائيل.
جاءَت العذابات ومَضت العذابات.
وقد مُجِّد الشُّهداء
في ملكوت المسيح الذي لا يزول.
طروباريَّة باللَّحن الثاني
عظيمةٌ هي تقويمات الإيمان. لأن الثلاثة الفتية القديسين قد ابتهجوا في ينبوع اللَّهيب كأنَّهم على ماء الرَّاحة. والنبيُّ دانيال ظهر راعيًا للسباع كأنَّها غنم. فبتوسّلاتهم أيها المسيح الإله ارحمنا.
قنداق باللَّحن الثالث
أيُّها المغبوط لما تنقَّى قلبك الطاهر بالرُّوح، صار إناءً للنبوَّة الباهرة الضياء، لأنَّك عاينت الأمور البعيدة كالحاضرة. ولمَّا طُرِحتَ في الجُبِّ ألجمت الأسود. فلذلك نكرّمكَ يا دانيال المجيد.
المصدر: