لِمَاذا لا تَحدُثُ العَجَائبُ للجَميعِ

نكتاريوس متروبوليت آرغوس

ترجمة هادي طنُّوس

 

غَالبًا يبقَى الرّبُّ صَامِتًا بِدَافِعِ المَحَبَةِ. ولَكن السّؤال: لِمَاذا لا تَحدُثُ العَجَائبُ للجَميعِ؟ كم مِن المَرضَى مَع أقرِبَائِهم يَتَوسَّلونَ بِإيمانٍ إلَى اللهِ وقدِّيسيهِ طَالِبِينَ الشِفاءَ! ولكنَّنَا لا نرى دائمًا العجائب تحصل معهم؟ لماذا؟

لا يُوجَد جَوابٌ مُحَدَّدٌ لِهَذا السُّؤَال. فَطُرُقُ اللهِ يَعذُرُ فَهمُها.

 

 "لِأَنَّهُ مَنْ يَعرِفُ فِكْرَ ٱلرَّبِّ؟" (ا كورنثوس ٢: ١٦) يَسأل القديس بولس الرسول.

الرَّبُّ وَحدَهُ قَادِرٌ عَلى إعطَاءِ الجَوابِ المُحَددِ لِهَذا السُّؤَالِ. فَمِنَ الصعبِ جِدًّا عَلينا أَن نَشرَحَ العِنَايةَ الإلَهِيةَ ومَشِيئةَ الله وَصَمتَهُ. لا يُمكِنُنَا القَول إنَّ "إِيمَانَ هَذَا أقوَى مِن إيمانِ ذَاكَ" أو إنَّ "الرَّبَّ يُحِبُّ هَذَا أَكثَرَ مِن ذَاكَ". فَالكُليُّ القُدرَةَ نَفسُهُ يَقُولُ عَلى لِسَانِ إشِعيَاءَ النَبِيُّ "لِأَنَّهُ كَمَا عَلَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ عَنِ ٱلْأَرْضِ، هَكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ."(إشِعيَاء ٥٥:٩)

 

يَبقَى مِنَ الضَرُورِي التَنوِيه إلَى أنَّ الرَّبَّ غَالبًا يبقَى صَامِتًا بِدَافِعِ المَحَبَّةِ. يَسمَحُ الله لِلإنسَانِ أنْ يَمُرَّ بتَجَارُبَ قَاسِيةٍ مَن أجلِ خَلَاصِهِ. فَالرَبُّ العَالِمُ كُلَّ شَيءٍ يَرَى بِوضُوحٍ كَامِلٍ كَيفَ سَتَقُودُ التَجارُبُ والمَرَضُ والألمُ الإنسَانَ إلَى الخَلاصِ.

 

عِلمًا أَنَّ القدِّيسَ بَولسَ قَد شَفَى المَرضَى وأجرَى المُعجِزاتِ إلَّا أنَّهُ أُصِيبَ بِمَرَضٍ مُزمِنٍ خَطِيرٍ،"شَوْكَةً فِي ٱلْجَسَدِ" (راجع ٢ كورنثوس ١٢: ٧). تَوَسَّل إلَى الرَّبِّ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ليشفِيَهُ لَكنَّ الرَّبَّ لَم يَستَجِبْ لِطَلَبِهِ، مُجِيبًا إيَاهُ: "تَكْفِيكَ نِعْمَتِي لأنَّ قُوَّتِي فِي ٱلضَّعْفِ تُكْمَلُ" )٢ كورنثوس ١٢: ٩(. بِمَا مَعنَاه "تَكْفِيكَ نِعْمَتِي" لأنَّ قُوَّتَهُ تَظهَرُ كَامِلَة فِي ضُعفِنَا.

 

كثِيرُونَ هُم القدِيسُونَ الَّذِينَ أَجرَوا العَجَائِبَ لأُنَاسٍ يُعَانُونَ مِن أمرَاضٍ مُختَلِفَةٍ وتَجَارُبٍ أُخرَى. ولَكِنَّهُم لَم يَطلُبُوا مِن الله أن يَشفِيَهُم بَل أن يُعطِيَهُم الصَّبرَ. القدِيسان المُعَاصِران بُورفِيريُوس وباييسيوس وَصَلَا إلى الطَلَب مِنَ اللهِ أنْ يُرسِلَ لَهُما مَرَضَ السَّرَطَانِ. وَعِندَمَا أُصِيبَا بِهَذَا المَرض مَجَّدَا اللهَ بِفَرَحٍ. قَالَ القدِيسُ بَاييسيوس: "تَعَلَّمتُ مِنَ المَرضِ مَا لَم تُعطِينِي إِيَّاهُ سنِينٌ مِنَ العَملِ النُسكيّ".

 

عِلمًا أَنَّ هَذَا لا يَعنِي أنَّهُ يَجِبُ عَلِينَا الامتِنَاع عَن طَلَبِ التَدَخُّلِ الإلَهِيِّ. وإلاَّ سَنَكُون قَد رَفَضنَا وَصِيَّتَهُ حِينَ قَال "إِسْأَلُوا تُعْطَوْا أُطْلُبُوا تَجِدُوا. إِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ." (متى ٧: ٧) وَنَكُون قَد شْكَكنَا بِالعَطِيَّةِ والنِّعمَةِ التِي أعطَاها لقدِّيسِيهِ: "مَنْ يُؤْمِنْ بِي فَٱلْأَعْمَالُ ٱلَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا يَعْمَلُهَا هُوَ أَيْضًا، وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَ" (يوحنا ١٤: ١٢)

 

عَمَلُنا هُوَ الصَلَاة والقَلب المُنسَحِق، أي السّمَاحُ للرَّبِّ فِي الدُّخُولِ إلى قُلُوبِنَا وحَيَاتِنَا. فَهُوَ لا يَستَطِيعُ الدُّخُولَ إن لَم نَقبَلهُ بإرَادَتِنَا. هُوَ دَائِمًا يَنتَظِرُ بِتَواَضُع ويَحتَرِمُ حُرِّيَتَنا. الرَّبُّ يَقرَعُ قُلُوبَنَا وَلَكن لا يَدخُلهَا عُنوَةً.

عَلينَا أن نَتَجَاوبَ مَعَهُ، ونُشَارِكَهُ طَلَبَاتِنَا، لا بِوَقَاحَةِ الأطفال لَكن بِهُدُوءٍ وتَوَاضُعٍ. حِينَ نَطلُبُ مِنَ اللهِ، عَلِينَا الاستعدَاد لقُبُولِ مَشِيئَتِهِ ولا نَصُرُّ عَلى رَغبَتِنَا.

"وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ... فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ" (متى ٢٦: ٣٩،٤٢)

 

https://orthochristian.com/137636.html#