القدّيس ثيوفانيس الحبيس
29 كانون الأوّل 1863، الأحد بعد ميلاد يسوع المسيح
تعريب: مارك البيطار
«إنّ الهدف من حريّة الإنسان ليس في الحرية نفسها، ولا هو في الإنسان، بل في الله. وإذ أعطى اللهُ الإنسانَ الحريّة، فقد مَنَحَهُ جزءًا من سلطته الإلهية، ولكن بِقَصد أن يقدّمها الإنسان نفسه طَوعًا كذبيحة لله، ذبيحة كاملة".
لقد تردّد على مَسمَعي أنّكم، كما يبدو، تعتبرون عِظاتي صارمةً للغاية، وتعتقدون أنّه لا ينبغي لأحد أن يفكّر بهذه الطريقة اليوم، وألّا يعيش بحسبها، وتاليًا يجب ألا يعلِّمَ أحدٌ بهذه الطريقة: «لقد تغيّرت الأزمنة».
كم كنتُ سعيدًا عند سَماع هذا. هذا يعني أنّكم تُصغون جيدًا لما أقوله، ولا تُصغون إليّ فحسب، ولكنّكم أيضًا على استعداد أن تلتزموا بما أقول. ماذا يمكن أن نأمل أكثر، نحن الذين نَعِظ بِحَسَب وبِقَدَر ما أُمِرنا؟
رغم كلّ هذا، لا يمكنني بأيّ شكل من الأشكال أن أوافقكم الرّأي. حتى أنّني أعتبر أنّه من واجِبي التَّعليق عليه وتصحيحه، لأنّه - بالرغم من أنّه ربما يتعارض مع رغبتكم وإيمانكم - فهو يأتي من أمر أثيمٍ، كما لو أنّ المسيحيّة يمكن أن تغيّر عقائدها وقوانينها وطقوسها الإلهيّة لِمُجاراة روح كلّ عصر والتَّكّيُّف مع الأذواق المُتَغَيِّرة لأبناء هذا القرن، كما لو أنّه يمكن لهذه الأذواق أن تضيف أو تُنقِص شيئًا.
نعم، الأمر ليس هكذا. يجب أن تبقى المسيحيّة ثابتة إلى الأبد، وألّا تكون خاضعةً لروح كلّ عصر أو تَستَرشِد بها بأيّة حال. بالعكس، إنّ قَصْدَ المسيحيّة هو أن تحكم وتُوَجِّه روح العصر لكلّ شخص يُطيع تعاليمها. ومن أجل إقناعكم، سوف أطرح عليكم بعض الخَواطِر كي تفكّروا بها.
لقد قال البعض إنّ تعليمي صارِمٌ. أوّلًا، وقبل أيّ شيء، تعليمي ليس من عندي، ولا ينبغي أن يكون هكذا. في هذه الرّتبة المقدّسة التي أخاطبكم من خلالها، لا ينبغي لأحد ولا يستطيع أن يبشّر بتعاليمه. إذا تجرّأتُ أنا أو أيّ شخص آخر على القيام بذلك، يمكنكم إبسالُنا وطَردُنا خارج الكنيسة.
نحن نبشّر بتعاليم الله، تعاليم ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح والرّسل القدّيسين والكنيسة المقدّسة، المُلهَمة من الرّوح القدس. في الوقت عينه، نتأكّد من بَذل كلّ ما بِوِسْعِنا للحفاظ على قُدسيّة هذه التّعاليم كاملة وسليمة في عقلكم وقلبكم. نقدّمُ كلّ فكر ونستخدم كلّ كلمة بعناية فائقة، حتى لا نشوّه هذا التّعليم العظيم والإلهيّ بأيّ شكل من الأشكال. لا أحد يستطيع أن يتصرّف بشكل مختلف.
«... إنّ رَفع الذهن نحو الله مرة واحدة، والسجود له وتمجيده، لهي أمور ذات قيمة، وتفوق كلّ كنوز العالم...» (القدّيس نيقوديموس الآثوسيّ والقدّيس ثيوفانيس الحبيس، الحرب اللّامنظورة: الفصل 20).
شريعةٌ كهذه تدعو كلّ بشارة في الكنيسة أنّها «مُرسَلة من الله»، قد تأسّست عند إنشاء العالم، وتاليًا يجب أن تبقى صالحةً حتى نهاية العالم. لقد خَلُصَ النبيّ موسى، بعد تَسَلُّمِه الوصايا من الله نفسه، إلى شعب إسرائيل قائلاً: «لَا تَزِيدُوا عَلَى الكَلَامِ الذي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهِ وَلَا تُنَقّصُوا مِنْهُ، لِكَيْ تَحْفَظُوا وَصَايَا الرَّبّ إِلَهِكُمْ التي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهَا». (تثنية ٤: ٢).
شريعة الثَّبات هذه هي غير قابلة للتّغيير لدرجة أنّ الربّ والمخلّص نفسه، عندما كان يعلّم النّاس على الجبل، قال: «لا تَظُنُّوا أَنّي جِئْتُ لِأَنْقُضَ النَّامُوسِ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لِأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمّلَ. فَإِنّي الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الكُلُّ» (متى 5: 17-18).
وقبل أن يفسّر الوصايا بروح الإنجيل، ثَبَّتَ صِحّة تعليمه هذا مُضيفًا: فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هَذِهِ الوَصَايَا الصُّغْرَى وَعَلَّمَ النَّاسَ هَكَذَا، يُدْعَى أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ (متى 5: 19).
هذا يعني أن أيّ شخص يفسّر وصايا الله عن طريق الخطأ ويقلّل من صحّتها، سيكون مُبعَدًا عن الحياة الأبديّة. هذا ما قاله الربّ في بداية كِرازته. وأكّد الربّ الأمر نفسه للقدّيس يوحنّا اللاهوتيّ، الشاهد للرؤيا التي تفوق الوصف، وقد وصف له الدّينونة الأخيرة للعالم والكنيسة، مُشيرًا في سفر الرؤيا: «لِأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هَذَا الكِتَابِ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هَذَا، يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ المَكْتُوبَةَ فِي هَذَا الكِتَابِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هَذِهِ النُبُوَّةِ، يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الحَيَاةِ، وَمِنَ المَدِينَةِ المُقَدَّسَةِ، وَمِنَ المَكْتُوبِ فِي هَذَا الكِتَابِ» (رُؤيا 22: 18-19).
منذ مجيئه الأوّل إلى العالم حتى المجيء الثاني، أعطى المسيحُ الرّسلَ القدّيسين وخلفاءهم الوصيّة الآتية: «فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ ... وَعَمّدُوهُم بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ القُدُسِ. وَعَلّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتَكُمْ بِهِ» (متى 28: 19-20).
هذا يعني «عليكم أن تُعلّموا، ليس ما يتصوّره أيّ شخص آخر، ولكن ما أمرتُ أنا به، إلى حين انتهاء العالم». ويضيف: «وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ. آمين» (متى 28: 20).
تلقّى الرّسل هذه الشريعة وضَحّوا بحياتهم من أجل الحفاظ عليها. وأجابوا أولئك الذين أرادوا مَنعَهم من الوعظ بما كانوا يبشّرون به تحت تهديد العقاب والموت: «إِنْ كَانَ حَقًّا أَمَامَ اللهِ أَنْ نَسْمَعَ لَكُمْ أَكْثَرَ مِنَ اللهِ، فَاحْكُمُوا. لِأَنَّنَا نَحْنُ لَا يُمْكِنُنَا أَنْ لَا نَتَكَلَّمَ بِمَا رَأَيْنَا وَسَمِعْنَا» (أعمال الرسل 4: 19-20).
لقد سلّم الرّسلُ هذه الشريعة الواضحة لخلفائهم وقَبِلوها، ولها تأثير أبديّ في كنيسة الله. الكنيسةُ هي عمودُ الحقّ وقاعدته بسبب هذه الشريعة. هل تروْن إذًا ثَباتَها المَنيع؟ مَن يَجرؤ بعد ذلك أن يزعزع أو يغيّر أيّ شيء في العقيدة والقوانين المسيحيّة؟
ثم اسمعوا إلى ما قيل للنبيّ حزقيال الذي كان في ذروة الصلاة مدّة سبعة أيام، وبعد سبعة أيّام سمع كلمة الرب: «يَا ابْنَ آدَمَ، قَدْ جَعَلْتُكَ رَقِيبًا لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ. فَاسْمَعِ الكَلِمَةَ مِنْ فَمِي وَأنْذِرْهُمْ مِنْ قِبَلِي» (حزقيال 3: 17). وأعلن للناس: إليكم الشريعة! إذا رأيتم شخصًا شريرًا يرتكب الإثم ولم تقولوا له: أترك إثمكَ وغَيِّر طريقك، «فَذَلِكَ الشِرَيرُ يَمُوتَ بِإِثْمِهِ، أَمَّا دَمُهُ فَمِنْ يَدِكَ أَطْلُبُهُ» (حزقيال 3: 18) . وبالعكس، «وَإِنْ أَنْذَرْتَ أَنْتَ الشِرّيرَ وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْ شَرّهِ وَلَا عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيئَةِ، فَإِنَّهُ يَمُوتُ بِإِثْمِهِ، أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ نَجَّيْتَ نَفْسَكَ. وَالبَارُّ إِنْ رَجَعَ عَنْ بِرّهِ وَعَمِلَ إِثْمًا وَجَعَلْتُ مُعْثِرَةَ أَمَامَهُ فَإِنَّهُ يَمُوتُ. لِأَنَّكَ لَمْ تُنْذِرْهُ، يَمُوتُ فِي خّطِيَّتِهِ وَلَا يُذْكَرُ بِرُّهُ الَّذِي عَمِلَهُ، أَمَّا دَمُهُ فَمِنْ يَدِكَ أَطْلُبُهُ. وَإِنْ أَنْذَرْتَ أَنْتَ البَارَّ، وَهُوَ لَمْ يُخْطِئْ، فَإِنَّهُ حَيَاةً يَحْيَا لِأَنَّهُ أُنْذِرَ، وَأَنْتَ تَكُونُ قَدْ نَجَّيْتَ نَفْسَكَ» (حزقيال 3: 19-21).
يا لها من شريعةٍ صارمةٍ! وعلى الرغم من أنها تُسمَع في ضمائر جميع الاكليروس أثناء انتخابهم وسِيامَتِهم، عندما توضع مهمّة صعبة على عاتِقِهم، أي تعليم رعيّة المسيح الذي عُهِدَت إليهم، كبيرةً كانت أو صغيرة، ليس فقط لإرشادهم ولكن أيضًا للحفاظ عليهم. كيف يمكن لأيّ شخص أن يَجرؤ أن يفسد شريعة المسيح، فيما ينطوي هذا على تدمير الرُّعاة والرعيّة معًا؟
إذا كانت القوّة الخلاصيّة لهذا التّعليم تتوقّف على رأينا به وموافقتنا عليه، فمن المنطقيّ أن يتخيّل شخصٌ ما إعادة بناء المسيحيّة وفقًا لضعف الإنسان أو ادّعاءات العصر، وتَكييفها وفقًا لرغبات قلبه الأثيمة. لكن قوّة الخلاص هذه التي توفّرها الشريعة المسيحيّة لا تعتمد علينا إطلاقًا، بل على إرادة الله، بحقيقة أنَّ الله نفسه قد حدّد طريق الخلاص بِدِقّة. ليس هناك طريقة أخرى من بعدها، ولا يمكن أن توجد. لذلك، كلّ من يعلّم بأيّة طريقة أخرى، ينحرف عن الطريق الصحيح ويُهلِك نفسه ويُهلِكُكم. أين المنطق في ذلك؟
لاحظوا كيف تمّ ذكر الحُكم الصارِم عندما حدث شيء مُماثل لِبَني إسرائيل خلال السنوات الصعبة من سَبْيِهِم. بعض الأنبياء، بدافع الشَّفَقة على المعاناة والمرضى، تحدّثوا إلى النّاس ليس كما أمرهم الرب، ولكن كما أمْلى عليهم قلبُهم. وقد أعطى الربُّ الأوامر التالية لحزقيال بما يتعلّق بهؤلاء الأنبياء: «وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَاجْعَلْ وَجْهَكَ ضِدَّ بَنَاتِ شَعْبِكَ اللَّوَاتِي يَتَنَبَّأْنَ مِنْ تِلْقَاءِ ذَوَاتِهِنَّ، وَتَنَبَّأْ عَلَيْهِنَّ، وَقُلْ: هٰكَذَا قَالَ السَّيّدُ الرَّبُّ: وَيْلٌ لِلَّوَاتِي يَخُطْنَ وَسَائِدَ لِكُلّ أَوْصَالِ الأَيْدِي، وَيَصْنَعْنَ مِخَدَّاتٍ لِرَأْسِ كُلّ قَامَةٍ لِاصْطيَادِ النُّفُوسِ» (حز 13: 17-18). وهذا يعني: ويلٌ لمن يأمرون بأيّ نوع من المعاملة الخاصة ويقترحون مثل هذا التَّراخي، وهكذا لا يشعر أحدٌ بأيّ استياء، سواء من أولئك الذين في القمّة أو الذين في الأسفل، ولا يهتمّون بما إذا كان هذا هو لخلاصهم أو هلاكهم، سواء كان ذلك مرضيًّا لله أو بَغيضًا. ويلٌ لهم، «لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هَا أَنَا ضِدُّ وَسَائِدِكُنَّ الَّتِي تَصْطَدْنَ بِهَا النُّفُوسَ كَالْفِرَاخِ، وَأُمَزِّقُهَا عَنْ أَذْرُعِكُنَّ، وَأُطْلِقُ النُّفُوسَ، النُّفُوسَ الَّتِي تَصْطَدْنَهَا كَالْفِرَاخِ وَأُمَزِّقُ مِخَدَّاتِكُنَّ وَأُنْقِذُ شَعْبِي مِنْ أَيْدِيكُنَّ، فَلاَ يَكُونُونَ بَعْدُ فِي أَيْدِيكُنَّ لِلصَّيْدِ، فَتَعْلَمْنَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ» (حز 13: 20-21). فمن تعاليمكم هذه سأُبيدكم أيها الفاسدون.
هذه فائدة هذا العلاج الخاص والمُتَساهِل، مثلما تريد أن تسمع من الواعِظين! عندما تضعون كلّ هذا بعمقٍ في قلبكم، تجدون أنّه ليس من الصواب أنّكم تريدون منّا تقديم أية تنازلات في العقيدة المسيحيّة، وأن تكون لديكم الرّغبة الخاطئة بأن نُسْعِدَكُم. بالعكس، أنتم مُلزَمون بأن تطلبوا منّا بإصرار أن نبقى مُخلِصين للعقيدة بقدرٍ كبيرٍ من الدِّقّة والحَزم.
هل سمعتم من قَبل عن مسألة بابا روما في شأن صُكوك الغفران؟ إليكم ما هي: المعاملة الخاصة والتسامح، الذي يُعطيها البابا تَحَدِّيًا لشريعة المسيح. وما هي النّتيجة من كلّ هذا؟ الغربُ فاسدٌ في الإيمان وفي أسلوب حياتهم، وهو الآن يضيع في عدم إيمانه وفي الحياة المُنغَمِسة بالتَّراخي وغير المقيّدة.
لقد غيّر البابا العديد من العقائد، وأفسد الأسرار كلّها، وأبطل القوانين المتعلّقة بتنظيم الكنيسة وتَصحيح الأخلاق. و بدأ كلّ شيء يتعارض مع إرادة الربّ، وأصبح أسوأ وأسوأ.
ثم جاء لوثر، وهو رجل ذكيّ ولكنّه عنيد. قال: «البابا غيّر كلّ شيء كما أراد، لماذا لا أفعل الشيء نفسه؟» بدأ بتعديل وإعادة تعديل كلّ شيء على طريقته الخاصة، وبهذه الطريقة أسّس الإيمان اللوثريّ الجديد، الذي يشبه قليلًا ما أمر به الربّ وسَلَّمَهُ لنا الرسل، وبعد ذلك جاء العقلانيّون. وقالوا بدورهم: «لقد أسّس لوثر لنفسه إيمانًا جديدًا، يفترض أنّه يستند إلى الإنجيل، على الرغم من أنّه في الواقع قائم على طريقة تفكيره الخاصة. لماذا إذًا لا نؤلّف العقائد بناءً على طريقة تفكيرنا الخاصّة، مُتَجاهِلين الإنجيل بالكامل؟» ثم بدأوا بالتفكير المنطقيّ (أو العقلانيّ) والتكهّن بالله والعالم والإنسان، كلّ على طريقته الخاصة. وقد خلطوا بين العديد من المذاهب، لدرجة أنّ المرء قد يُصاب بالدّوار بمجرّد عَدِّها.
لدى الغربيّين الآن وُجُهات النظر التالية: صَدِّق ما تفكّر أنّه الأفضل، وعِش كما تريد، وأشبِع نفسك بكلّ ما يُرضيك. هذا هو السبب في أنّهم لا يعترفون بأيّ شريعة أو قَيد ولا يلتزمون بكلمة الله. طريقُهم رحبٌ، كلّ العقبات قد أُزيلَت. لكنّ الطريق الرحب يؤدّي إلى الهلاك، حسب قول الربّ. هذا ما أسفَرَ عنه التَّساهُل في التعليم! أنقِذْنا ياربّ من هذا الطريق الرحب! ولكن من الأفضل أن نحبّ كلّ الصعوبات التي وضعها الربّ لخلاصنا. لِنحبَّ العقائد المسيحيّة ونُخضِع ذِهنَنا لها، وندفع ذهننا إلى عدم التفكير بطريقة أخرى. لِنحبَّ الأخلاق المسيحيّة ونَغرُس إرادتنا فيها، ونَحُثّ إرادتنا على رفع نير الربّ الخفيف بتواضع وصبر. دعونا نحبّ جميع الطقوس والخدمات المسيحيّة التي ترشدنا وتَشفينا وتقدّسنا. دعونا نُشَدِّد قَلبنا بها، ونشجّع قلبنا على نقل رغباته من الأرضيّات القابِلة الفساد، إلى السماويّات غير القابِلة للفساد.
دعونا نحصر أنفسنا كما لو كنّا في قفص. أو الأفضل، دعونا نَجُرّ أنفسنا كما لو كُنّا نَمُرّ في مَمَرٍّ ضَيِّق. فليكن ضيّقًا، حتى لا يستطيع أحد أن ينحرف لا إلى اليسار ولا اليمين. ولكن بلا شكّ، بهذا الطريق الضيّق سنحصل على ملكوت السموات في المقابل. لأنّ هذه المملكة، كما تعلمون، هي ملكوت الربّ. وضعَ الربُّ هذا الطريق الضيّق وقال، «اِتبع هذا الطريق بالضبط وستحصل على ملكوت السماء». فهل يمكن لأيّ شخص أن يشكّ فيما إذا كان المسافر سيصل إلى وُجهَتِه؟ وأيّ عقل يمكن أن يرغب بإلغاء جميع الوصايا، وهو يعلم أنّه سوف يفقد طريقه على الفور ويَضِلّ؟
حالَما تفهمون تمامًا هذا الشّرح والإثبات، لا تقلقوا إذا كان هناك شيء ما في تعليمنا يبدو صارمًا. الشيء الوحيد الذي يجب أن تسعوا من أجله هو أن تتأكّدوا أنّه من الرب. وبعد أن تتأكّدوا أنّه من الربّ، اِقبلوه من كلّ قلبكم، مهما كان صارمًا ومُلزِمًا. ولا تتجنّبوا فقط طلب المعاملة الخاصّة والتساهل في العقيدة والأخلاق، بل اهربوا أيضًا من كلّ هذا، كما لو أنّكم تهربون من نار جهنّم. أولئك الذين لا يستطيعون الهرب من هذا هم أولئك الذين يفكّرون في مثل هذه الأشياء ومعهم يستدرجون أولئك الضعفاء روحيًّا ليتبعوها. آمين.
http://http://full-of-grace-and-truth.blogspot.com/2014/08/st-theophan-recluse-on-why-orthodox.html