بطرس الرسول وتجلّي المسيح

الميتروبوليت إيروثاوس فلاخوس

تعريب: نديم سلّوم

 

إنَّ النصوص النبويَّة والرسوليَّة ليست ثمرة نظريَّات وتأمُّلات فلسفيَّة بل ثمرة لاهوت الكَشف (الإلهيّ)؛ أي أنَّ كل من أنبياء العهد القديم ورُسل العهد الجديد رأوا مجد الله. بينما رأى الأنبياءُ اللهَ الكلمة قبل التجسُّد، رأى الرسلُ المسيحَ بعد تجسُّدهِ. بالتالي، هذه هي الخبرة التي دوَّنوها في كتاباتهم وقادوا المسيحيِّين بمحتوى هذا اللاهوت.

نرى هذا في القراءة الرسوليَّة التي نقرؤها اليوم في الكنيسة بمناسبة عيد تجلِّي المسيح. إنَّها مقطع من رسالة بطرس الرسول الجامعة الثانية التي يشير بها إلى خبرة التجلِّي التي مرَّ بها. من المعروف أنَّ بطرس الرسول كان أحد التلاميذ الثلاثة الذين كانوا مُستَحقِّين أن يتواجدوا في ثابور عندما تجلَّى المسيح أمام تلاميذه حيث لمع وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور.

 

من بين أمور أخرى، يقول بطرس الرسول إنَّه لم يعرف قوَّة المسيح ومجيئه عبر "خُرافات مصنَّعة" أي من خلال الخيال والأفكار، بل كان "مُعايِنًا لِعَظَمَتِه" (2بط1: 16). ثمَّ يشير إلى الحدث العظيم لتجلِّي المسيح عندما سمع صوت الآب يقول: "هذا هو ابني الحبيب الذي أنا سررتُ به". يقول إنَّه قد سمع هذا الصوت "عندما كُنَّا معه في الجبل المقدَّس" (2بط1: 17 – 18). هكذا فإنَّ ما يقوله هو ثمرة اللاهوت الموحى به وليس الفلسفة أو الأخلاق.

 

بهذه الخبرة يتوجَّه بطرس الرسول إلى المسيحيِّين حيث استُلهِمَت نصيحته من هذه الحقيقة العظيمة التي تمَّ الكشف عنها. لم يعلِّم المسيحيِّين بمنطقٍ بشريٍّ ولم يقدِّم لهم نصائح بشريَّة ولم ترتكز كلماته على تعليم إجتماعيّ وأخلاقيّ ليصبحوا أشخاصًا ومواطنين صالحين. هذا ما يظهر في النص الرسوليّ ذاته الذي نقرأه اليوم في القدَّاس الإلهيّ.

 

من بين أمورٍ أخرى يقول للمسيحيِّين: "اجتهدوا أن تجعلوا دعوتكم واختياركم ثابتيْن" (2بط1: 10)، أي أنَّ هناك حاجة إلى نشاط وجهد عظيمَيْن للمسيحيِّين لمعرفة دعوتهم واختيارهم والعيش بهما. دعا اللهُ الإنسانَ بعد خَلقِه مباشرةً أن يصبح على مثاله ويتَّحد به. هاتان هما الدعوة والاختيار العظيمَان. لهذا السبب يقول القديس باسيليوس الكبير إنَّ الإنسان مَدعوٌّ ليصبح إلهًا بالنعمة. عندما يرى الإنسان دعوته واختياره ويسعى لتحقيقهما، في المنهج التي تُعَلِّمُه الكنيسة الأرثوذكسيَّة، فإنَّه سيدخل بِسِعَةٍ "إلى ملكوت ربِّنا ومخلِّصنا يسوع المسيح الأبديّ" (2بط1: 11).

مِن هذا يبدو أيها الإخوة الأحبَّاء أنَّنا خُلِقنا لأمورٍ عظيمةٍ وساميةٍ، من أجل الخيرات الأبديَّة والتي لا تُنتَزَع منَّا. لم يخلقنا الله لنحظى بأوقاتٍ طيِّبةٍ في هذه الحياة ونعيش فقط حياةً بيولوجيَّةً واجتماعيَّةً وعائليَّةً. يجب أن يكون الله مركز حياتنا. يجب أن ندرك ذلك لأنَّ هذا فقط يمكن أن يغيِّر حياتنا وكل شيء نعيشه الآن سيكتسب مَنظورًا ومعنًى آخر.

 

https://www.johnsanidopoulos.com/2013/08/the-apostle-peter-and-transfiguration.html