المسكونيّة وكِذبة وِحدة «الكنائس»

إعداد وتعريب: إدي بطرس

 

الكنيسة هي واحدة. وهذه الوِحدة هي جوهر الكنيسة. الكنيسة هي الوِحدة والوِحدة في المسيح، «وَحْدَانِيَّةَ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلاَمِ» (أفسس 4: 3). وُجدت الكنيسة في العالم من أجل الوحدة - «ليكون الجميع واحدًا» (يو 17: 21). الكنيسة «جسد» واحد، أي جسد المسيح. «أَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضًا اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ» (1 كور 12: 13). و هذا يكون صحيحًا فقط في الكنيسة، وتكون هذه الوِحدة حقيقيّة وممكنة من خلال سرّ محبة المسيح، من خلال قوّة الرّوح المُحَوِّلة، على صورة الثّالوث القدّوس ومثاله.

 

لا يفكّر المسيحيون بشكل مختلف فحسب، بل يؤمنون أيضًا بشكل مختلف. الكنيسة ليست منقسِمة ولا تنقَسِم. بالمعنى الدقيق والصحيح، فإنّ كلمة «الكنيسة» ذاتها ليس لها صيغة جَمْع (كنائس)، إلا بالمعنى المجازي وغير الصحيح[1]. إنّ الذين يفصلون أنفسهم عن الكنيسة لا يكسرون وِحدتها بل، (...) هم أنفسهم يُقطَعون منها ويخسرون إمكانيّة الاتّحاد مع جسد المسيح الإلهيّ-الإنسانيّ. لهذا يقول القدّيس مكسيموس المُعترِف: «حريّ بنا أن نحفظ الدواء العظيم والأول لخلاصنا: أعني ميراث الإيمان الحسن، معترفين به بِدالّةٍ في النّفس والجسد كما علّمنا الآباء القدّيسون». (...) صحيح أنّ ثمّة أشخاصًا يتحدّثون اليوم عن وِحدة الكنيسة، لكن هذا التّعبير عديم القيمة لاهوتيًّا إذ لا نستطيع التحدّث عن وِحدة إلّا وِحدة الإيمان. لا نستطيع الكلام عن «كنائس» مُنفصلة و مجاهدة لبلوغ الحقّ والوِحدة، إنّما عن الكنيسة الّتي هي دائمًا مُتَّحِدة مع المسيح ولم تَفقد الحقّ يومًا، وعن أشخاص انفصلوا عنها. بعض الأشخاص الذين يتحدّثون عن وِحدة «الكنائس» يستعملون حتى التُّخمة صلاة المسيح الكهنوتيّة، الموجودة في إنجيل يوحنا، وخاصةً سؤال المسيح للآب بأن يكون تلاميذه واحدًا: «ليكونوا واحدًا» (يو 20: 17: 22). و لكن بقراءة النصّ بانتباه، يكتشف المرء أنّ المسيح لا يشير إلى وِحدة «للكنائس» سوف تَتِمّ في المستقبل، إنّما إلى وِحدة التلاميذ التي سوف تَتِمّ يوم العنصرة عندما نالوا الروح القدس[2].

 

كيف يمكن للمسيحيين أن يتّحدوا ويصبحوا واحدًا في المسيح؟ ما معنى هذا الاتّحاد، وأين الطّرق أو الطريق إلى الوِحدة؟ في التاريخ كانت هناك محاولات ليست بالقليلة، بل كثيرة جدًّا، لاستعادة الوِحدة المسيحيّة. هذه المحاولات باءت بالفشل. لا يمكن استنتاج تاريخ الانقسامات المسيحيّة أو بناءه على أساس مبدأ عدم التَّسامُح، ولا على أساس مبادئ التَّكَبُّر أو الرغبة في السلطة أو الشهوة أو الأنانيّة. طبعًا، إنّ الأهواء البشريّة ظاهِرةٌ بكامل فِعلِها في انقسامات المسيحيّة. لكن المصدر الأوليّ لهذه الانقسامات لم يكن الانحراف الأخلاقيّ أو الضعف البشريّ، بل الضَّلال. يمكن التعبير عن هذه الفكرة على النحو التالي. نعم، إنّ مصدر الخلافات هو فقدان المحبّة. لكن أولاً وقبل أيّ شيء، لا يتعلّق الأمر بفقدان المحبّة تجاه الإخوة، بل على وجه التحديد فقدان المحبة لله - تاليًا تتشوّش الرؤية الروحيّة للإنسان، فيعجز عن معرفة أبيه السماويّ. في الواقع، فقط أنقياء القلب يعاينون الله بِصَفاء قلوبهم. إنّ عدم معرفة الآب، يؤدّي إلى عدم معرفة الإخوة. بكلامٍ آخر، يَكمُن مصدر الانقسامات والانشقاقات بالدرجة الأولى في اختلاف الآراء حول الحقيقة.

 

إنّ انقسام العالم المسيحيّ له معنى عقائديّ في المقام الأول. إنّه دائمًا انقسامٌ في الإيمان وفي خِبرة الإيمان وليس فقط في الصيغة والعقيدة. وحدة الكنيسة هي أولًا وقبل أيّ شيء وحدة الحياة - أي وِحدة الأسرار وشركتها. لا يمكن تحقيق الوحدة الحقيقيّة إلاّ في الحقّ - أي مُجْمَل الإيمان غير القابل للتَّجزئة، في كَمال الأسرار. لا يمكن للوِحدة الحقيقيّة أن تكون إلّا هذه الوحدة في الأسرار، المُستَمَدّة في ملء واقعيّتها الكهنوتيّة والأسراريّة. فهذه هي وحدة الروح، وحدة الروح الحقيقيّة[3].

 

إنّ وِحدة الشعور الأخويّ، ليست بعدُ وِحدة الإيمان. هل يجوز لنا في الكنيسة أن نكتفي بما هو أقلّ من وحدة الإيمان هذه؟ لا يمكن أن تكون هناك شَرِكة، لأنّه لا يوجد إيمان مشترك[4]. لا تتجزَّأ حقیقة الكنیسة لأنّها المسیح نفسه. لكن عندما توجد اختلافات في العقائد لا یمكن أن یكون هناك وحدة في المسیح[5].

 

 

[1] The Collected Works of Fr. Georges Florovsky, Vol. 13 p. 14.

[2] Metropolitan Hierotheos of Nafpaktos, The Mind of the Orthodox Church, Definition and Characteristics of the Church, 3, a.

[3] The Collected Works of Fr. Georges Florovsky, Vol. 13 pp.15-17.

[4] Ibid. pp.149-150.

[5] Epistle of the Holy Synod of Mount Athos to the Patriarch of Constantinople, December 8, 1993.