علينا ألاَّ نَيْأسَ أبداً، حتى لو ارْتَكَبْنا الخَطيئَةَ عدَّةَ مرّاتٍ

القديس بطرس الدمشقي

تعريب: مارك عوض

 

لا تيْأَسْ أبَدًا، حتّى لَوْ كُنتَ مُلَطَّخًا بالخطايا. بالتأكيد هُوَ أمرٌ مؤسِفٌ وسيّءٌ أنَّكَ وَقَعْتَ في الخَطيئَةِ... لكنْ، لماذا تَظلمُ اللهَ إذًا مُعتَبِرًا إيّاه، بسبب جَهْلِكَ، عاجزًا عن إصلاحِك؟ لقد خَلَقَ اللهُ الكوْنَ العظيمَ من أجلِكَ، ألا يكون قادرًا على أن يخلّص نفسك؟ وإنْ كنتَ تقول أن خَلْقَه للعالم بالإضافة إلى تجسُّدِهِ يجعلان دينونتك أعظم، فيجدُر بك أن تتوب! كما قَبِلَ تلْكَ الزانيةِ والابنَ الضّال سوف يقبل توبَتَكَ. لكنْ إنْ كانَتِ التوبَةُ صعبةً عليك واستمَرَّيْتَ في اقترافِ الآثامِ وأصبَحَتْ من عاداتِكَ، حتى لو كانت خارج إرادتك، فتواضَعْ كما فَعَلَ العشّارُ، وهذا كافٍ لخلاصَكَ. لأنَّ أولئِكَ الذينَ يُخطئونَ من دون أن يَتوبوا، ولكن في الوقت ذاته لا ييأسون، يَتوجَّب عليْهم أنْ يعتبِروا أنفُسَهُم أحقَر المخلوقاتِ، وألّا يتجرّؤوا على إدانة الآخرينَ أو لَومِهم. وسوف ينذهلون من رأفة اللهِ شاكِرين صَلاحَه. بهذه الطريقة، سيحصلون على بركاتٍ أخرى كثيرة، حتى لو كانوا خاضِعينَ للشيطانِ، من حيثُ أنَّهم يرتكبون الخطايا. فإنَّهم مع ذلكَ، يَعْصونَ العدوَّ عندما يحاولُ إيقاعَهُم في اليأسِ. وَلَهُم نصيبٌ في الله للأسباب التّالية: لِكَونِهم مُمْتَنّينَ وشاكرين وصابرين ويَخافونَ الله ولا يَدينون كيلا يُدانوا. هذه كلّها ميزات شديدة الأهمّية. كما يقولُ القدّيسُ يوحنَّا الذهبي الفمّ عن جهنّم: «إنَّ جهَنَّمَ مفيدةٌ لنا... تقريبًا مثل ملكوتِ السماوات، بحيث يوجد الكثير ممن يدخلونَ ملكوتَ السماوات بسبَبِها؛ في حينِ أنَّ قليلينَ فقط يدخلونَ الملكوت من أجله. وإذا دخلوا المَلَكوْتَ، فهذا بِفَضْلِ رأفة الله. إنَّ جهنَّمَ تَتَعَقَّبُنا بالخَوْفِ، والملكوت يُعانِقُنا بالحبِّ. ومن خلالهما، نحن نَخلُصُ بنعمةِ المسيح». [عظة في 1 تيموثاوس 15، PG LXII, 583].

 

إذا جاهد الذين يُهاجَمون بأهواءِ الجسد والنفس بصبرٍ؛ وإذا لم يُسَلِّموا إرادَتَهم الحُرَّةَ بسبب إهمالهم، وإذا لم يَيْأَسوا، فهم يَخلُصون. وَعَلَى الْمِنْوَال ذاته، أُولَئِكَ الَّذِينَ وَصَلُوا إلَى حَالَة اللاهوى وهدوء الْقَلْبِ وتحرّروا  مِنْ الْخَوْفِ، يسْقطون بِسُرْعَةٍ إذَا لَمْ يَعْتَرِفُوا بِنِعْمَةِ اللَّهِ بِاسْتِمْرَارٍ مِنْ خِلالِ عَدَم إدَانَةِ الْآخَرِين. فِي الْوَاقِعِ، إذَا تَجَرَّؤوا عَلَى إدانة أَيِّ شَخْصٍ، فَهُم يُثْبِتُون أَنَّهم اعتمدوا على قِواهُم الذّاتيّة فِي اكْتِسَابِ الفضائل، كَمَا يُؤَكِّد الْقِدِّيس مكسيموس. يَقُول الْقِدِّيس يوحَنَّا الدِّمَشْقِيّ إنّه إذا أوكِلَت المسؤوليّة على أُولَئِكَ الَّذِينَ لَا يَزَالُونَ خَاضِعِين لِلْأهواءِ، وَاَلَّذِينَ يفْتقرونَ إلَى نُورِ الْمَعْرِفَةِ الرُّوحِيَّة، فهم يكونون في خطرٍ كبيرٍ. أمّا أُولَئِكَ الَّذِينَ تَلَقّوا نِعْمَةَ اللاهوى وَالْمَعْرِفَةِ الرُّوحِيَّةِ مِنْ اللَّهِ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يُساعدونَ الْآخَرِين، فَهُم يُواجهونَ الْخَطَر ذاته.

لَا شَيْءَ يُفِيدُ الضَّعِيفَ مِثْل الاختلاء في الهُدوء؛ وكذلك أولَئكَ الذين ما يزالون خَاضِعِينَ لِلأَهواءِ وَيفتَقِرون إلَى الْمَعْرِفَةِ الرُّوحِيَّة يستَفيدون مِن الطَّاعَةِ وَالهُدُوء. لَا يُوجَدُ شَيْءٌ أَفْضَل مِنْ مَعْرِفَةِ ضَعْفِنا وَجَهلِنا؛ وَلَا أَسْوَأ مِنَ عَدَمِ الإقرار بهما. محبّة الفِضّة (الطَّمَع) هو أسخَف الأهواء، فالذين يَجنون الأموال ومن ثمّ يَطمُرونها في الأرض لَا يَرْبَحُون مِنْهَا شيئًا. لِهَذَا يَقُولُ الرَّبُّ: «لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ». وَيَقُولُ الرَّبُّ أَيْضًا: «لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضًا». الكِبْرِيَاء هو أبغَضُ الأهواء وهو «مَصْدَر كُلّ الشُّرور». إن ذِهنَنا (النّوس) يَنْجَذِبُ إلَى ما تَعَوَّدنا عليه، سَوَاءٌ كَانَتْ أمورًا أَرْضِيَّة أَو أَهْوَاء، أَو بَرَكَاتٍ سَمَاوِيَّة وأبدية. كَمَا يَقُولُ الْقِدِّيس باسيليوس الْكَبِير، إِنَّ الْعَادَةَ الْمُسْتَمِرَّة تَكْتَسِبُ كُلَّ قُوَّةِ الطَّبِيعَة.

يَجِبُ عَلَى الْأَشْخَاصِ الضُّعَفَاء خاصَّةً أَنْ يَنْتَبِهُوا لِتَوْجيهاتِ ضَمِيرِهِم حَتَّى يُحَرِّرُوا نفوسَهُم مِنْ كُلِّ تَوبيخ. وَإِلَّا فَإِنَّهُمْ فِي نِهَايَةِ حَيَاتِهِم قَد يَتُوبُون عبثًا وَيَحْزَنون إِلَى الأبَدِ. إذَا كُنْتَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُكابِدَ موتًا جسديًّا من أجل المسيح كالموت الذي كابَدَه هو، فَعَلَيْكَ عَلَى الْأَقَلِّ، أَنْ تَكُونَ عَلَى اسْتِعْدَادٍ لِتُكابِد مَوْتًا روحِيًّا. سَتَكُون عِنْدَئِذ شهيدًا مِنْ نَاحِيَةِ ضَميركَ، فَأَنْت لَا تَخْضَعُ لِلشَّيَاطِينِ الَّتِي تُهاجِمُك وَلَا لِأَهْدافِها، بَلْ تَغْلِبها كَمَا فَعَلَ الشُّهَدَاء وَالْآبَاء القِدِّيسونَ. فالشُّهَدَاء هم شُهَدَاء بالْجَسَدِ، أمّا الْآبَاء القِدِّيسونَ فَهُم شُهَداء بالرُّوحِ. مِنْ خِلَالِ إرغام نَفْسِك قليلًا تَهَزِم الْعَدُوّ؛ أمّا إذَا كُنْتَ مُهْمِلًا، ولو قليلًا، فَأَنْت مُمْتَلِئٌ بِالظُّلَمة وَهالِكٌ.

المرجع:

https://pemptousia.com/2020/10/we-should-not-despair-even-if-we-sin-many-times/