غبطة القديسين في السّموات وبدء ملكوت المسيح، الكنيسة السماويّة الظافرة

المتقدّم في الكهنة الأب مايكل بومازانسكي

تعريب شادي مخّول

 

قال المسيح لتلاميذه قبل صُعودِه إلى الآب: «فِي بَيْتِ أَبِي مَنَازِلُ كَثِيرَةٌ، وَإِلاَّ فَإِنِّي كُنْتُ قَدْ قُلْتُ لَكُمْ. أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا، وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَانًا آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ، حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا» (يوحنا 14: 2-3). وقد صلَّى المُخَلِّص أيضًا إلى الآب قائلًا: «أَيُّهَا الآبُ أُرِيدُ أَنَّ هؤُلاَءِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي الَّذِي أَعْطَيْتَنِي» (يوحنا 17: 24). ويُعبِّر التلاميذ عن رغبتهم بأن ينطلقوا ليكونوا مع المسيح (فيليبي 1: 23)، عالمين بأنَّهم يملكون «فِي السَّمَاوَاتِ بِنَاءٌ مِنَ اللهِ، بَيْتٌ غَيْرُ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، أَبَدِيٌّ» (2 كورنثوس 5: 1).

نجد في سفر الرؤيا صورةً لحياة القديسين في السموات. فالقدّيس يوحنا اللَّاهوتيّ شاهد حول عرش الله في السموات «أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ عَرْشًا» وأربعةً وعشرين شيخًا جالسين عليها مُتَسربِلين بثيابٍ بيضاء، وعلى رؤوسهم أكاليل من ذهب (رؤيا 4: 4). وقد رأى تحت المذبح «نُفُوسَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ، وَمِنْ أَجْلِ الشَّهَادَةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُمْ» (رؤيا 6: 9)؛ أيضًا لقد رأى مُجَدَّدًا جَمْعًا كَثِيرًا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّهُ، مِنْ كُلِّ الأُمَمِ وَالْقَبَائِلِ وَالشُّعُوبِ وَالأَلْسِنَةِ، وَاقِفُونَ أَمَامَ الْعَرْشِ وَأَمَامَ الْخَرُوفِ، وَهُمْ يَصْرُخُونَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ: «الْخَلاَصُ لإِلهِنَا الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَلِلْخَرُوفِ» (رؤيا 7: 9-10).

تُدعى منازل المسكن السماوي المُنيرة في الكتاب المقدَّس بـ«مدينة الله الحي» و«جبل صهيون» و«أورشليم السماويَّة» و«كنيسة الأبكار المكتوبين في السموات».

تاليًا قد فُتِحَت مملكة المسيح المَهيبة في السموات. وقد دخلت إليها نفوس كلّ أبرار العهد القديم وأتقيائه الذين تكلَّم عنهم الرَّسول قائلًا: «هؤُلاَءِ كُلُّهُمْ، مَشْهُودًا لَهُمْ بِالإِيمَانِ، لَمْ يَنَالُوا الْمَوْعِدَ (إلى أن تنازل ابن الله ليسكن في الأرض ويمنحنا الخلاص)، إِذْ سَبَقَ اللهُ فَنَظَرَ لَنَا شَيْئًا أَفْضَلَ، لِكَيْ لاَ يُكْمَلُوا بِدُونِنَا» أي أن يبلغوا إلى الفرح والغبطة في كنيسة المسيح السماويَّة الظافرة (عبرانيين 11: 39-40). وقد دخل إلى هذه المملكة في العهد الجديد أوّل الذين آمنوا بالمسيح، أي الرُّسل والشُّهداء الأوائل والمُعترِفون. وهكذا، إلى أن تحضر نهاية العالم سيكون المسكن السماوي - أورشليم العلويَّة وأهراء الله - قد امتلأ إلى أن يبلغ كَمالَه.

يُعلِّم القدّيس سمعان اللاهوتي الجديد ما يلي: «كان من المُناسِب أن يولد كلّ الذين سبق الله وعرفهم، وأن يمتلئ العالم العُلويّ الذي يفوق هذا العالم، أعني كنيسة المولودين أولًا، أورشليم السماويَّة؛ حينئذٍ سيتحقَّق مِلء جسد المسيح حاويًا كلّ من سبق أن أراد الله بأن يكونوا على صورة ابنه – هؤلاء هم أبناء النور والنهار. هؤلاء هم الذين سبق أن اكتَتَبَهُم الله وأحصاهُم من بين المُخَلَّصين، والذين سينضمّون إلى جسد المسيح ويتّحدون به؛ حينها ينتفي أيّ نُقصانٍ في أعضاء هذا الجسد. هكذا هو بالحقيقة، كما يكشف لنا بولس الرَّسول بقوله: «إِلَى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وحْدَةِ الإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ابْنِ اللهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِل. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ» (أفسس 4: 13). عندما سيجتمعون معًا وسيشكّلون ملء جسد المسيح، سيمتلئ العالم العلوي أيضًا، أورشليم السماويَّة أي كنيسة المولودين أوَّلًا، وستُسْتَعلَن الكنيسة، جسد المسيح الإله، ممتلئةً وكاملة» (العظة 45).

إنَّ غبطة نفوس الأبرار في السّموات، بحسب تعليم الكتاب المقدَّس، تتضمَّن:

أ) الرَّاحة من الأتعاب.

ب) عدم الاشتراك في الأحزان والمعاناة (أنظر رؤيا 13:14 و16:7).

ج) الاجتماع بالأجداد وبالقدّيسين وتاليًا الكينونة في شركةٍ تامَّةٍ معهم.

د) شركةٌ متبادلة بينه هؤلاء القديسين وبين آلاف الملائكة.

ه) المُثول أمام عرش الحمل، مُمَجِّدين وخادِمين إيّاه.

و) الشَّركة والمُلك مع المسيح.

ز) ملاقاة الله الكلّي القدرة وجهًا لوجه.   

 

المصدر:

Pomazansky, Protoprosbyter Michael. Orthodox Dogmatic Theology. Translated by Hieromonk Seraphim Rose. St. Herman of Alaska Brotherhood, 2009. Pages 225-227.