الشمامسة السبعة
الأشمندريت غريغوريوس اسطفان
نقلا عن نشرة كنيستي، عدد 20
في 16 آيار 2021
الفصح هو عطيّة الله للإنسان، ليس عطيّة من شيء ماديّ أو حتّى معنويّ، إنّما عطيّة الله لذاته متجاوزًا كلّ النواميس الطبيعيّة وكلّ الشرائع المنطقيّة، وذلك لأجل تحقيق هدف واحد هو استعادة الإنسان إلى الحياة الأبديّة ليصير من جديد ابنًا لله ووارثًا لملكوته. لقد أعطانا المسيح في عهده الجديد الكثير من الأمثال عن صورة الأب الحقيقيّ والراعي الصالح أنّه أتى ليَخدم لا ليُخدم، وعبّر بسموّ عظيم عن هذه الحقيقة حين غسل أرجل تلاميذه في عشاءه الأخير معهم قبل ذبح الفصح. تتحدّث رسالة اليوم عن الخدّام الّذين طلب منهم المسيح أن يتمثّلوا به، وعن الحاجة في الكنيسة إلى خدمة المهملين والأرامل.
يُعطينا موضوع الشمامسة السبعة صورة مثاليّة عن المنتخبين لخدمة حاجات المؤمنين الأرضيّة. ويُحدّد ثلاثة أمور أساسيّة ينبغي توفّرها في المنتخبين (أع3:6): أن يكون "مشهودًا لهم" من جماعة المؤمنين، وهذا يعني أن يكونوا موضوع ثقة جماعة المؤمنين؛ فما من عمل ينجح ويُثمر إن لم يكن هناك ثقة بالمسؤولين الّذين يُتمّمون هذا العمل. ثانيًا، "مملوئين من الروح القدس"، وهذا يعني أنّ العمل هو إلهيّ، ينبغي أن يكون الله هو العامل من خلال هؤلاء الخدّام. ويُظهر أيضًا أنّ المكرّسين لخدمة الله ينبغي أن يُجاهدوا بالروح لتقديس ذواتهم. ثالثًا، مملوئين "حكمة"، وهذه تتعلّق بموهبة التمييز والتقوى، التي من دونها يحصل في الخدمة ما حصل من اهمال لفئة على حساب فئة أخرى. فكم يحتاج العمل في الكنيسة إلى حكمة لتدبير أمور الرعيّة بدقّة ترضيّ الربّ، ومن صبر وعدم قسوة لأجل احتمال وهن الضعفاء والمتذمّرين.
وهكذا كل خدمة في الكنيسة مهما كان نوعها هي عمل إلهيّ-بشريّ في الوقت ذاته؛ تباركه الكنيسة وتشهد عليه أنّه يُتمّم بحسب روح الله. فالإنجيل لا يتكلّم فقط عن أشخاص قادرين على الخدمة، إنّما أوضح ماذا تعني الخدمة في الكنيسة وصفات خدّامها. الكنيسة تميّز بين خدمة الروح وخدمة الجسد، بحسب ما أُعطي للمؤمنين من مواهب روحيّة. المهمّ أن يكون المحرّك لكل خدمة هو الروح القدس. مهما كان نوع المواهب الطبيعيّة، ينبغي أن تتحرّك بقوّة الروح القدس أي أن تصير روحيّة. إنّه عمل دنيويّ، لا فقط من دون ثمر روحيّ، إنّما قد يكون مملوء عثرات، أن نختار أشخاص نظنّ أنّ نجاحهم في أعمالهم الدنيويّة كافٍ لاختيارهم لخدمة حاجات الكنيسة الماديّة، دون النظر إلى حقيقة امتلاكهم حسّ روحيّ أم لا. وقد يحصل هذا الأمر أحيانًا كثيرة في اختيار أعضاء مجالس رعايانا الأرثوذكسيّة.
إنّ عمل الراعي الأساسيّ هو الصلاة وخدمة كلمة الله أي البشارة، "وأمّا نحن فنواظب على الصلاة وخدمة الكلمة" (أع4:6). الخدمة تنطلق من الداخل إلى الخارج؛ أي من الإيمان والنعمة ونقاوة القلب إلى محبّة الإنسان الآخر وخدمة حاجاته المختلفة. على الكاهن أن ينشغل قبل كل شيء بالعمل الروحيّ: أول هذا العمل هو الليتورجيا الإلهيّة، من خلالها يُمارس ويُفعّل موهبته الروحيّة والتعليميّة. حثّ رعيّته، عبر الوعظ بكلمة الله، على ممارسة الأسرار الخلاصيّة، خاصّة القدّاس الإلهيّ وممارسة سرّ التوبة والاعتراف المتواتر. "لا ينبغي أن نترك كلمة الله ونخدم الموائد"، تُظهر هذه الحقيقة كم هي مهمّة البشارة بكلمة الله في الكنيسة والتفرّغ لها، لكن أيضًا سرعة الرسل في معالجة هذا الموضوع واختيار شمامسة لخدمة حاجات المؤمنين الماديّة والجسديّة يُظهر أيضًا الأهميّة التي ينبغي أن توليها الكنيسة لهذا العمل.
أمر مميّز في هذا المقطع، كما يقول الذهبيّ الفم، أنّ الرسل لم يتصرّفوا من عندهم، لم يُقرّروا متّكلين على تمييزهم الخاصّ، بل في طاعة الكنيسة، استشاروا جمهور التلاميذ الآخرين. وهذا ما ينبغي أن تكون عليه طريقة عمل الأسقف في أبرشيّته والكاهن في رعيّته. بهذه الطريقة يتكامل جسد المسيح بمواهبه المختلفة.
هذا التكامل المواهبيّ تكفله نعمة الله، هذه النعمة تُعطى لمن يطلبها بالإيمان والصلاة المتواضعة. "فصلّوا ووضعوا عليهم الأياديّ" (أع6:6)، الله يعمل في البشر عبر التواضع والصلاة النقيّة. فالصلاة الحقيقيّة تعني تخلّي الإنسان عن فكره الخاصّ ومشيئته الذاتيّة وطلبه مشيئة الله. كيف يمكن للإنسان أن يعرف مشيئة الله من دون صوم وصلاة؛ ويمتلئ من الإيمان والقوّة من دون حياة العبادة والتقوى؛ كما وأن يمتلئ من الروح والحكمة من دون تواضع وتوبة. هكذا اختارت الكنيسة استفانوس، "رجُلاً مَملوًّا من الإيمان والرّوح القدس... مَملوًّا إيمانًا وقُوّةً، كان يصنع عجائِب وآياتٍ عظيمةً في الشّعب" (أع5:6، 8).