القديس يوحنا كرونشتادت
تعريب: فريق القديس غريغوريوس بالاماس
أَيُّهَا الإخوة والأخوات الأحبّاء! أودّ أن أحَدِّثَكُم الآن وأشرح قليلاً قراءات الرسالة والإنجيل لهذا اليوم. سمعنا مقطعًا من رسالة القديس بولس الرسول إلى العبرانيين يتعلّق بقوّة التنقية التي لدم المسيح مخلّصنا، الذي قدّم ذاته ذبيحة لله الآب من أجل خطايا الجميع (عبرانيين 9: 11- 14). لقد أصغَينا لمقطع من بشارة مرقس الإنجيلي عن الرب يسوع المسيح وكيف سبق وتنبّأ لِرُسُلِه الإثني عشر من ضِمنِهم يهوذا الخائن، كيف أنه هو ربّنا « يُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى الأُمَمِ فَيَهْزَأُونَ بِهِ وَيَجْلِدُونَهُ وَيَتْفُلُونَ عَلَيْهِ وَيَقْتُلُونَهُ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ» (مرقس10: 33-34). ثم سمعنا في الإنجيل طلب الرَّسولَين، الأخَوَين يوحنا ويعقوب، غير الملائم بالجلوس في الأماكن المتقدّمة حين يتمجّد يسوع المسيح، وكيف وَبَّخَهُما الرب بِلُطفٍ بِقَوله إنّ الطريق لمجده هي طريق الصليب، والمعاناة والموت؛ كما سمعنا أيضًا عن غَيظ التلاميذ الآخرين جراء غرور يوحنا ويعقوب، وأيضًا عن وصيّة الرب التي أعطاها للجميع بهذا الخُصوص: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ عَظِيماً يَكُونُ لَكُمْ خَادِماً وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ أَوَّلاً يَكُونُ لِلْجَمِيعِ عَبْداً. لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضاً لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (مرقس 10: 43-45).
لِنَعُد الآن إلى قراءة الرسالة. في رسالته إلى العبرانيين، يتكلّم بولس الرسول عن كيف أنّ «الْمَسِيحُ، وَهُوَ قَدْ جَاءَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ لِلْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ، فَبِالْمَسْكَنِ الأَعْظَمِ وَالأَكْمَلِ، غَيْرِ الْمَصْنُوعِ بِيَدٍ، أَيِ الَّذِي لَيْسَ مِنْ هذِهِ الْخَلِيقَةِ، وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُول، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيًّا. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ دَمُ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ وَرَمَادُ عِجْلَةٍ مَرْشُوشٌ عَلَى الْمُنَجَّسِينَ، يُقَدِّسُ إِلَى طَهَارَةِ الْجَسَدِ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ للهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ!» (عبرانيين 9: 11- 14). بالتالي، مغزى القراءة الرَّسوليّة هو: إذا كان رسم الدم في العهد القديم، دم الذبائح الحيوانيّة يقدّس المُنَجَّسين من أجل تَطهير أجسادهم، فكيف بالأحرى يطهّر دم المسيح ضمائرنا، نفوسنا وأجسادنا من كلّ خطيئة. يقول الرسول يوحنا اللاهوتي أيضًا «دَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ» (1يوحنا 1 :7). إذًاَ، لا ييأسَنَّ أحدٌ من الخطأة، مهما عَظُمَت خطيئته، لكن بالأحرى لِيَتَرَجَّ أن ينال المغفرة والتطهّر من كافة خطاياه، فإنّه لدينا المخلّص، الذي بنعمته، هو حاضرٌ معنا دائمًا في كنيسته خاصة بالأسرار المقدّسة، والذي يتنازل ليطهّرنا من كلّ خطيئة فقط إن آمنّا به وتُبْنا إليه بِصِدق وحَزم واشتركنا بإيمان ومحبّة بجسده ودمه الكليَّي الطهارة.
لنستذكر الآن القديسة مريم المصرية، التي كانت غارِقة في حمأة الشر، في أعماق الفسق، لكن التوبة، الإيمان، الجهادات النسكية بالصوم والصلاة، والإشتراك في أسرار المسيح المقدّسة طهَّرَتْها، جَعَلَتها قديسة ومُعادِلة للملائكة. لنُماثِلْ إيمانها، مُثابَرَتَها بالتوبة والصلاة وعشق الله، عَطَشَها لشركة جسد المسيح ودمه، والرب سيُطهّرنا من كلّ خطيئة فإنّ «مِنَ الرَّبِّ الرَّحْمَةَ وَمِنهُ النَّجَاْةُ الْكَثِيْرَة وَهُوَ يُنَجِّي إِسْرَائِيلَ مِنْ كُلِّ آثَامِهِ.» (مزمور 130: 7- 8).
في إنجيل اليوم، يُعلّمنا المسيح أنّه لا يجب علينا ابتغاء الأسبقيّة والتفوّق على الآخرين مُنقادين بالطُّموح والغُرور، بل بالأحرى أن نَجدَّ في سبيل الكرامة الوحيدة المرضيّة لله ألا وهي خدمة الآخرين من أجل الخلاص. كما فعل المسيح الإله نفسه الذي «لَم يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» و«وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ أَوَّلاً يَكُونُ لِلْجَمِيعِ عَبْداً.» (مرقس10: 45- 44). «إِحْمِلُوا بَعْضُكُمْ أَثْقَالَ بَعْضٍ، وَهكَذَا تَمِّمُوا نَامُوسَ الْمَسِيحِ.» (غلاطية 6: 2)، آمين.
المصدر
Season of Repentance: Lenten Homilies of Saint John of Kronstadt, pages 153-156.