الأرشمندريت أثناسيوس ميتيليناوس
تعريب: ماهر سلّوم
أبنائي الأعِزّاء، دَعونا نُجيب على بعض أسئلتكم:
“لقد ذكرتَ منذ مُدّة أن الشَّراهة هي أول الخطايا المُميتة السَّبع. ما هي الخطايا المُميتة السّت الأُخرى، وما مِعنى كل واحدة منها؟ مثلًا، هل الشَّراهة تعني مُتعة الأكل؟ ما مِعنى الشَّراهة بالضَّبط؟”
أبنائي الأعِزّاء، كما ربّما تعلمون، يُحَدِّد الآباء الخطايا السَّبع المُميتة التّالية. تُسَمّى "مُميتة” لأنّها تؤدّي إلى موت النّفس. بالتأكيد، كل خطيئة مستمرّة يمكن أن تكون مُميتة للنَّفس. حتّى أصغر الخطايا، التي لا تندرج بين الخطايا "المُميتة"، إن أعيد ارتكابُها بدون توبة، هي قادِرة أن تَقودَني إلى موت النّفس. لكنّ الخطايا التي تؤدّي حتمًا إلى موت النّفس هي ما يُسَمّى بالخطايا المُميتة.
بما أن الشّخص الذي طرح السّؤال يَبغي المعرفة، دَعوني أقول التّالي قبل أن أعَدِّد لكم ما هي الخطايا المُميتة السَّبع. ربّما تفترضون أن القتل، على سبيل المِثال، هو خطيئة مُميتة. أقول لكم، يا أبنائي، أن القتل ليس خطيئة مُميتة! القَتل ببساطة هو خطيئة كبيرة، لا خطيئة مُميتة. يمكن أن تتفاجأوا عندما تعرفون ما هي الخطايا المُميتة. وهي بالتَّسَلسُل الصحيح كالتّالي:
1. الشَّراهة (Γαστριμαργία)
2. الفُجور (Πορνεία): البِغاء، الخَلاعة، الزِّنى
3. الطَّمَع (Φιλαργυρία): البُخل، محبّة المال
4. الغضب (Ὀργή)
5. الحُزن (Λύπη): غريبة جدًّا! سوف أشرح الأمر لاحقًا.
6. اللامُبالاة (Ἀκηδία): هذه غريبة أيضًا
7. التكبُّر (Ὑπερηφανία): بعض الآباء يورِدون ثماني خطايا مُميتة ويقسمون آخر خطيئة إلى المجد الباطل (Κενοδοξία) والتّكبّر (Ὑπερηφανία). بالحقيقة إنهما الأمر ذاته، المجد الباطل هو الخطوة الأولى والتكبّر هو الخطوة الثّانية من الخطيئة ذاتها.
فلنتحدّث قليلًا عن هذه الخطايا.
الشَّراهة هي الشّهوة أن تكون مَعِدَتُنا مليئة بالكامِل. في اللغة اليونانيّة، كلمة الشَّراهة مُشتَقّة من كلمة (Gaster) التي تعني "المَعِدة”. يجب أن نُمَيِّز ما بين الشَّراهة ومُتعة الأكل بما يَلي. هناك أشخاص يريدون أن يملأوا مَعِدَتَهم ولا يَهمُّهم بماذا يَملَأونها. هناك أشخاص لا يَبتَغون أن تكون مَعِدَتَهم مَملوءة بالكامِل لكنّهم يشعرون بِمُتعة الطّعام في أفواهِهم. هذا ما نَعني بِمُتعة الأكل: إنه الرَّغبة بالشُّعور بِمُتعة الطّعام من خلال حاسّة الذَّوق. إذن، يمكن أن تلتقوا بأشخاصٍ يقولون: “لا أريد أن آكل كثيرًا، أريد قليلًا من الطّعام فقط، لكن يجب أن يكون مُمَيَّزًا”. هذه حال مُتعة الأكل. طبعًا إنها الخطيئة ذاتها، ما عدا الفَرق البَسيط الذي تحدّثتُ عنه. سوف أقول بِضع كلمات فقط عن كل خطيئة. الشَّراهة هي أن تأكل أكثر من حاجَتِك كي تبقى على قَيد الحياة. يمكن للشَّخص الشَّرِه في الأكل أن يصل إلى درجة أن يجعل الأكلَ غايةَ حياته. بكلام آخر: “لا أتناول الطّعام كي أبقى على قيد الحياة بل من أجل أن آكل.” بل أكثر من ذلك: أؤَلِّهُ بَطني. تمامًا كما قال بولس الرسول في رسالته إلى أهل فيليبي: “ٱلَّذِينَ إِلَهُهُمْ بَطْنُهُمْ” (فيليبي 19:3). بكلام آخر: “فلنأكل ونشرب، لأننا نموت غدًا.” أو كما نقرأ في الإصحاح الثّاني من حكمة سليمان: "فَتَعَالَوْا نَتَمَتَّعْ بِالطَّيِّبَاتِ الْحَاضِرَةِ… مَا دُمْنَا فِي الشَّبِيبَةِ، وَنَتَرَوَ مِنَ الْخَمْرِ الْفَاخِرَةِ” (حكمة 6:2). هذا ما يقول النّاس اليوم أيضًا، لا يوجد أي شيء آخر بالنسبة لهم. الحياة هي طعام وشراب فقط… يمكن لكم أن تُدرِكوا مدى المادّيّة هنا. إنه تأليه لِلذّة الطّعام والمَذاق، إلخ. إن الباب الذي يؤدّي إلى الخطايا المُميتة الباقية هو الشَّراهة بالدَّرَجة الأولى.
فبعد الشَّراهة مُباشَرةً يأتي الفُجور والخَلاعة والجِنس قبل الزّواج وعلاقات الحب الممنوعة وكل ما لا يسمح به الله. بِماذا يسمح الله؟ فقط الزّواج. العلاقات خارج الزّواج تُعتَبَر زِنى، إنها خطيئة مُميتة. أين أولئك الذين يؤيّدون العلاقات خارج الزّواج؟ أو النَّظَريّات الفرويديّة (نسبةً لفرويد Freud) ونَظَريّات شمولية تأثير الجنس؟ أين أولئك النّاس؟ انتبهوا يا أبنائي الأعِزّاء، أنتم تستمعون إلى كلمة الله ولا يجب أن تَنغَرّوا بما يقول أناسٌ آخرون هذه الأيّام. انتبهوا جيّدًا كيف تعيشون حياتكم، لا كأبناء الظّلمة بل كأبناء النور.
ثم يأتي الطَّمَع، أي محبّة المال. لا يعني الطَّمَع أو البُخل أن أكَدِّس الأموال للمُحافظة عليها، لكن ببساطة إنني أحبّ المال، لا يهمّ إذا كنتُ أكَدِّسُه أو أنفِقُه. عندما نتحدّث عن مُحِبَّ المال في هذه الأيام، فنحن نقصد الشَّخص البَخيل، فيما الكلمة تَعني محبّة الفِضّة باللغة اليونانيّة، الفِضّة كانت المال. إن كنتُ أكدّسه في البيت ولا أنفِقُه أو أنفقُه بالكامِل بعد أن تَكديسِه، أي أنني بَذَّرتُه سُدى، هما رَديفان للهوى ذاته المُسَمّى الطَّمَع. من المَعروف أن الفُجور غالِبًا ما يكون موجودًا في سنين الشّباب. بينما الطَّمَع يَسود في مُنتَصَف العُمر خاصّةً عند الكُهول. إسمعوا ما يقول القديس كاسيانوس الرّومي: “إن الذي لا يملك المال سوف يموت ميتةً رديئةً إذا وضع رجاءه في المال عوضًا عن الله.” لهذا السبب يقول القديس بولس إن الطَّمَع هو عبادة أوثان. علاوةً عن ذلك، الطَّمَع أو البُخل يُثير أهواءً أخرى.
الخطيئة المُميتة الرّابعة هي الغضب. ما الفرق ما بين الغضب (Ὀργή) والامتِعاض (θυμός)؟ الامتِعاض ينتهي بسهولة وبسرعة. أمّا الغضب فهو امتِعاض طويل الأمَد. مَثَلًا، أتذكّر تَصَرُّفًا قام به أحدٌ ما تجاهي، وأشعر دائمًا بالاستياء والامتِعاض نحوه، هذا هو الغضب. من دون شك، الامتعاض يقودُني إلى الغضب. لأجل هذا، لا يجب على الشخص الرّوحاني أن يشعر بالامتِعاض أبدًا، وإذا امتعضَ لسببٍ ما، فعليه أن يعترف ويَتوب بسرعة.
خامِسًا، الحُزن، لكن عن أي حُزنٍ نتحدّث؟ هناك نوعان من الحُزن يا أبنائي الأعِزّاء. هناك حُزن إلهيّ وحُزن دُنيَويّ. الحُزن الإلهي هو عندما أشعر بالأسى على خطاياي وأحزن بسببها. أنا مُبارَك في هذه الحال، إذ إن الرب يقول: “طُوبَى لِلْحَزَانَى، لِأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ” (متّى 4:5). هذا النّوع من الحُزن هو مُرَحَّبٌ به ومُبارَك. لكن النّوع الآخر من الحُزن، الحُزن الدُّنيويّ هو الذي قال عنه القديس بولس إنه يؤدّي إلى الموت. كيف يكون هذا الحُزن؟ عندما لا أستطيع أن أتعزّى بعد موت شخصٍ حبيبٍ، بعد موت أبي أو أمّي أو ابني، أو عندما أغتَمُّ لأنني بِعتُ قطعة أرضٍ وإني آسِفٌ على القيام بذلك، أو لأنني خسرتُ مبلغًا من المال، وبشكل عام، أن أبقى حزينًا على الأمور المادّيّة وغير قادِرٍ على تَخَطّيها. هذا النّوع من الحُزن هو دُنيويّ ويقود النّفس إلى الموت. أذكر أُمًّا قُتِلَ ابنُها خلال الحرب العالميّة الثّانية بين اليونان والطُّليان، كنتُ صغيرًا حينذاك لكنّني أتذكّر لأنني كنتُ أعمل عندهم. كان الصّبي عائدًا من مدرسته، وصَدَمَتهُ سيّارة فمات. لم تجد أمُّه التَّعزية أبدًا. عندما كنتُ أزورهم، كانت تجلس في غرفة مُظلِمة، كانت النّوافِذ مُغلَقة دائمًا في غرفتها، وكانت تجلس على أريكَتِها وتبكي بشكل متواصل ولا تتفوّه بأي كلمة. بعد وقت قليل أصيبَت بمرض السّرطان وماتت. هناك العديد من الأشياء المَعروفة وغير المَعروفة التي ربّما سبّبت لها السّرطان، لكن الحالة النفسيّة لكل شخص يمكن أن تكون مُسَبِّبًا للسرطان، مَثَلاً عندما يكون الشخص حزينًا أو مُغتَمًّا. كما ترَون، لقد أدّت هذه الخطيئة إلى الموت الجسديّ والرّوحي معًا. يقول القدّيس كاسيانوس إن شيطان الحزن قوي جدًّا. أعرف شخصًا التقيتُ به منذ 27 عامًا. كان حزينًا جدًّا، كان يشعر دائمًا بحزن شديد يُقَيِّد نفسه، ولم يستطع حتى اليوم أن يتخلّص من هذا الحزن. وكان يقول دومًا: “شيطان الحزن يُعَذِّبُني”، إنه أمر رهيب.
ثم تأتي اللامُبالاة (التّواني، الكَسَل، عدم الاكتراث للأمور الرّوحية)، ما هي اللامُبالاة؟ إنها الكَسَل والفُتور الرّوحي. مَثَلًا، تنصح شخصًا ما بدراسة كلمة الله فيقول: “ربما غدًا”، أو تنصح أحدًا ما بأن يعيش حياة التّقوى فيُجيب: “لا أستطيع الآن، سأفعل هذا عندما أشيخ”. أبنائي الأعزّاء، شيطان اللامُبالاة شديد الذّكاء. يجد دومًا وسيلةً لإيقاعِنا في الفُتور الرّوحي.
أخيرًا، وعلى رأس الخطايا السَّبع المُميتة يأتي المجد الباطل والتكبّر. هذا ما يتَّصِف به الشيطان نفسه، هذا ما جعله يسقط وما جعله شيطانًا. لأجل هذا، علينا أن نكون حَذِرين جدًّا لأن التكبّر هو الحافِز على جميع الخطايا المُميتة التي ذكرناها. يمكننا القول إنّ التكبّر هو حَصيلة جميع الخطايا المُميتة الأخرى.
إذن، أنتم تدركون الآن أنه يجب أن تكونوا حَذِرين جدًّا كيلا تقعوا في فِخاخ هذه الخطايا المُميتة.