الجديد الوحيد تحت الشَّمس

الميتروبوليت إيروثيوس (فلاخوس)

تعريب شادي مخّول

 

يقول القديس يوحنا الدمشقي إنَّ المسيح وحده هو الجديد تحت الشَّمس. لنستوضح نُقطَتَين في هذا الموضوع.

أوَّلًا، المسيح هو وحده الإنسان الجديد في التاريخ بعد خلق العالم. خلق الله الأرواح العقليَّة، أي الملائكة، من ثمَّ خلق العالم الحِسّي وفي النهاية خلق الإنسان الذي هو خُلاصة كل الخليقة. منذ ذلك الحين كلُّ شيءٍ يتكرَّر، ما من شيءٍ آخر جديد. الجديد وحده تحت الشَّمس هو المسيح الإله-الإنسان، إذ إنَّ الطّبيعة الإلهيَّة اتّحدت بالطبيعة البشريَّة وصار الكلمة، الأقنوم الثاني في الثالوث القدُّوس، أقنومًا للطبيعة البشريَّة.

ثانيًا، إنَّ طريقة الحبل بالمسيح كانت شيئًا جديدًا بالنسبة للبشريَّة. فبعد سقطة آدم وحواء، ارتبط الحبل بكلّ شخصٍ وولادته باللَّذة والألم. كلُّ امرأةٍ تحبل بِلَذَّةٍ وتلد بمَخاضٍ وألم، هذا ما نتج عن السّقوط.

أمَّا الحبل بالمسيح وولادته فَتَجاوزا هذه العلاقة مع اللَّذة والألم. فوالدة الإله قد حَبِلَت من الرُّوح القدس من دون زرعٍ بالتّالي من دون لذَّة، لقد حملت دون مخاضٍ ووَلَدَت المسيح دونَ نَفاس وألم. لكن طبعًا، لقد ذاقت هذا الألم لاحقًا عندما كانت تحت الصَّليب، لأنَّها لم تختبره عند الولادة. على أيَّة حال، إنَّ الحبل بالمسيح وولادته دون مخاضٍ وألم، هو الجديد الظّاهر وسط البشريَّة.

هذا الجديد، بِتَعبيرَيه الفريدَين، يُمكن أن يَعيشَه نسبيًّا إنسانٌ اتَّحدَ بالمسيح. المسيح هو الإله-الإنسان، ومن خلال قِواه يُمكن للبشر أن يتألَّهوا، أن يبلغوا إلى الثاوريَّا، كما نرى في حياة القديسين. وُلِد المسيح دون أن يسبَّب لوالدة الإله أي ألمٍ وأي لذَّةٍ، والمسيحيُّون أيضًا يستطيعون أن يتخطَّوا تجارب اللَّذة والألم عبر قوى المسيح بالتآزر مع إرادتهم الحرَّة.

إن تأمَّلتُم المجتمع المعاصر، ستجدون أنَّ أغلب النَّاس يعيشون تحت عبوديَّة وَحشَين عظيمين هما اللَّذة والألم. نعني باللَّذة النَّعيم ومُجمَل حياة التلذُّذ التي يستمتع الإنسان المعاصر بِعَيشها، وبالألم نَعني الأذى والمرض والموت الذين يعانون منهم.

يكتب أحد الدارسين أنَّ التحليل النَّفسي هو ثمرة محاولة الغرب أن يفهم كيفيَّة اختبار الإنسان للَّذة والنَّعيم والمُتعة، بينما يختبر في الوقت عَينه الأذى والألم في الحياة. الجواب المُطلق لهذه المسألة تُعطينا إيّاه حكمةُ الآباء.

عندما خلق الله الإنسان، لم يكن للإنسانِ لذَّةٌ وألم بحسب تفسير القديس مكسيموس المُعترف، إنَّما هذه كانت نتائج السُّقوط. منذ ذلك الحين، وُجِدت علاقةٌ ما بين اللَّذة والألم. كل لذّة تستدعي الألم ومحاولة الإنسان للتَّغَلُّب على الألم تستدعي ألَمًا جديدًا فيؤول ذلك إلى حلقة مُفرَغة.

أحد الأمثلة هو مَيل الناس إلى المواد التي تُسبّب الإدمان، كالمخدِّرات. فالشَّباب يشعرون بالألم بسبب الحالة التي يواجهونها في بيئتهم، فيحاولون تَخَطّيها عبر لذَّةٍ وقتيَّةٍ من خلال مواد تُسَبِّب الإدمان، لكنَّ هذا يسبّب ألمًا جديدًا. لِذا، هذه كارثة في حياتهم ولا يمكنهم أن يتجاوزوا دائرة الألم واللَّذة المُفرَغة.

يُحدّد آباء الكنيسة الطَّريقة التي يُمكِنُنا أن نتخطّى من خلالها تلك العلاقة المزدوجة ما بين الألم واللَّذة. يُعلِّم القديس مكسيموس المعترف أنَّ الإنسان يواجه تَجرِبَتَين، واحدةٌ لا إراديَّة وأخرى طوعيَّة، بما أنَّه ما من أحدٍ يبتغي المرض والألم والموت. علينا أن نمتنع عن التجارب غير الإراديَّة وأن نَمقُت التجارب الإراديَّة، ولكن عندما تواجهنا، علينا أن نقبلها بإيمانٍ وصبرٍ لأنَّه هكذا تُشفى اللَّذة الإراديَّة. هكذا، القبول الإرادي بإيمانٍ للألم اللّاإرادي يشفي اللَّذة الإراديَّة.

بالتالي يُرينا عيد بشارة والدة الإله تَجَسُّد المسيح وبدء التّدبير الإلهي، لأنَّ المسيح هو الوحيد الجديد تحت الشَّمس، وما من جديدٍ بعد تَجَسُّد المسيح، فكلّ شيءٍ قديم. كلُّ من أراد أن يُصبح جديدًا عليه أن يكون مُتَّحِدًا بالمسيح الذي "يُعيد خلق المواطنين الأصليّين"، فهكذا نتجدَّد ونُعتَق من دائرة اللَّذة والألم المُفرَغة ونتألَّه.

دعونا نتضرَّع إلى والدة الإله بحرارةٍ لتمنحنا بَرَكَتَها.

      

https://www.johnsanidopoulos.com/2014/03/the-only-thing-new-under-sun.html