تعريب سمير خير الله
تُراودُ الشُّكوكُ الجميعَ تقريبًا، في ظروفٍ مختلفة، فيما يتعلّقُ بالله والإيمان. إلّا أنّهُ يمكنُ مواجهةُ هذه الشّكوك بأفكارٍ مُعاكِسةٍ تؤكّدُ حقيقةَ الإعلانِ الإلهيِّ فيما يتعلّقُ بالبَشَرِ والعالم: نِظامُ وتَناغُمُ الكون، أُعجوبةُ الحياة، وجميعُ الأعاجيب الفائقة الطّبيعة والمُدهشة التي اجتَرحَها اللهُ وقِدّيسوه. وقبل كلِّ شيء، شهادةُ ضميرِ النّفوسِ الوديعةِ والطّاهرةِ.
إنّ أعمالَ الله، التي تشهدُ على وجودِه وعنايتِه، لها أوجُهٌ عدَة. فأحَدُها مُشرقٌ وبالتّالي فإنّه جليٌّ جدًّا. وآخرٌ ببساطةٍ خفيف ومكتوم. من ثمّ هناك الغامِضُ والذي يصعب تحديده. كما هناك المُظلِمُ وهو بالتّالي غيرُ منظور. هذا الوجهُ الأخيرُ يتعلّقُ بالشّكوك. لقد رتّبَ اللهُ الأمورَ بهذهِ الطّريقة، من أجل اختبارِ صِدق سَعي أرواحِنا في البحثِ عنه، كما ولاختبارِ تواضُعِنا. لأنّهُ كما تَعلمون، إنّ مقاربةَ ومعرفةَ اللهِ وأعمالِه، لا يمكن أن تتمّ إلّا من خلال التّواضع.
أنتَ تؤمنُ أنّهُ حيثُ يكونُ اللهُ وحقيقتُه - أي في كلِّ مكان- كلُّ شيءٍ ينبغي أن يكونَ مملوءًا بالنّور، مُدرَكًا بالحواس، مُلهِمًا أرواحنا بطريقةٍ شديدة، مُعلنًا ألوهيّته على الملأ. ألا تدركُ أنّكَ بتفكيركَ هذا، أنت تحاول أن تحدّد لله كيفيّة التّصرّف؟ أنا متأكّدٌ بأنّكَ ستوافق على أنَّ أمرًا كهذا، لا يمكنُ تصوُّرُه بالعقل، لأنّه إن حدث، فسيُزعزع التّرتيبَ الطّبيعيّ للأشياء حتّى الصّميم.
إنّ أعمالَ الله بِذاتِها إلهيّةٌ حقًّا، ولكنَّ ألوهيّتها مُكتَنَفةٌ بوشاحٍ غيرِ مَنظور. لماذا؟ لأنَّ اللهَ أرادَها هكذا، هذا كلُّ ما يمكنني قولُه. إنَّ أحكامَ الحكمةِ والمحبّةِ الإلهيّتَين لا يُسبَر غورهما. ولكن، لا شكَّ بأنَّ هناكَ جمالٌ يتعذَّرُ وَصفُه، ونورٌ غزيرٌ خلفَ الوِشاح الذي يَمنعُ غير المؤمنين من رؤيةِ الحقيقة. يقول القدّيس بولس: "لأَنَّ أُمُورَهُ غَيْرَ الْمَنْظُورَةِ تُرىَ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ، قُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةَ وَلاَهُوتَهُ. (رومية ١: ٢٠) ولكن من هم الذين يُدرِكونها؟ هم ذوو الإيمانِ والنّيّةِ الحسنة. بالطّبع لا نقصد هنا المؤمنين الشّكليّين فقط، بل أولئكَ الذين يحيَون كما يُرضي الله.
عليكَ أن تكسرَ حبّةَ الجوزِ لكيما تعثُرَ على النّواةِ اللَّذيذةِ والمُغَذِّيةِ وتستمتعَ بها. لا يكشفُ اللهُ أسرارَهُ للجميع، ولا يطرحُ دُرَرَهُ أمام الخنازير. لهذا تحدّث للنّاسِ عن ملكوتِهِ بأمثال. من كان لديهم أساسٌ روحيّ، استطاعوا أن يفهموها، واستناروا بالحقيقة.
عندما تسقطُ البُذورُ في تربةٍ خَصبة، تظُنُّ أنّها تتعفّنُ وتَضيع. ولكن بالقوّةِ التي أمدَدها اللهُ بها، تنمو وتتكاثرُ وتُنتِجُ كمّيةً كبيرةً من الثِّمار. الأمر سيانٌ مع بذورِ الكلمةِ الإلهيّة. إنّها تُزرَعُ في قلوبِ الجميع، ولكنّها تنمو في تلكَ الخصبةِ فقط.
لا يتقلّصُ الإيمان إطلاقًا بسبب عدم إيمان جميع النّاس. لا تلتفِت إلى غير المؤمنين. أنظرْ إلى أولئكَ الذين يؤمنونَ حقًا وسترى ما يختبرونَ من فرحٍ عبرَ الإيمان. الإيمانُ المسيحيّ ليس نظامًا فلسفيًّا، بل وسيلةٌ يسعى بها المسيح، الله-الإنسان، أن يُقَوِّمنا نحن السّاقطين، بالرّوح القدس. أنظرْ إذًا إلى أيِّ شخصٍ يتبع خُطى المسيح. وسترى كيف ينمو تدريجيًّا، كيف ينضج روحيًّا و يغدو عظيمًا، مهما بدا عديمَ الأهميّةِ لبقيّةِ العالم.
كان القدّيس سيرافيم ساروفسكي نموذجًا عن الإنسانِ البسيطِ والأُمّيّ. وإلى أين وصل؟ بكلمةٍ واحدةٍ سدَّ أفواه غير المؤمنين المُتَعَلِّمين. "بَلِ اخْتَارَ اللهُ جُهَّالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الْحُكَمَاءَ. وَاخْتَارَ اللهُ ضُعَفَاءَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الأَقْوِيَاءَ. وَاخْتَارَ اللهُ أَدْنِيَاءَ الْعَالَمِ وَالْمُزْدَرَى وَغَيْرَ الْمَوْجُودِ لِيُبْطِلَ الْمَوْجُودَ" (كو ١ : ٢٧-٢۸). هكذا تُحَوِّل النِّعمةُ الإلهيّةُ كلَّ من يُسَلِّم ذاتهُ إليها.
الله يدعونا إذًا إلى الإيمان. إنّه يبتغي خلاصَنا. وسوف تَخلُص إن استمعتَ إلى صوتِهِ وتَبِعتَهُ بِثبات. فانزَع عنكَ أيّما شكّ، من أجلهِ هو الذي يحبّكَ كثيرًا. بهذه الطّريقة، ستقدّم له التّضحيةَ الأعظَم، والتي سيكافئك عليها أضعافًا وأضعافًا. الشّكوكُ أعشابٌ ضارّةٌ يزرعها العدو في حقلِ نفسكَ بين سواقي القمح. لما تسمح له أن يعيثَ بكَ دمارًا؟ ألقِ به خارجًا وادنُ من مُخَلِّصنا الذي يمدُّ يدهُ إليكَ بمحبّة. اتضع، لأنَّ الله، كما قلتُ لك، لا يكشفُ ذاتهُ إلاّ للمتواضعِ. صلِّ، لأن صلاتكَ تحيطُ بكَ وتحفَظُكَ من هجمات الشّرير. واتّخِذ قرارًا حازمًا: لا تقبل أبدًا أيّةَ أفكار شكّ. انزعها من ذِهنكَ فورَ ظهورها دون العبثِ معها مهما بدَت منطقيّة. بهذه الطّريقة، سوف تضعُ حدًّا لكلِّ مكائدِ العدو.
المصدر:
https://pemptousia.com/2020/07/how-should-we-react-to-doubts-about-faith/