بعض تعاليم القديس يوسف الهدوئي لتلميذه الشيّخ أفرام أريزونا

 أهمّية المرشد الروحي ودَورِه

تعريب جولي سعد

غالبًا ما كان الشيّخ يوسف يُحَدِّثنا بشكلٍ فرديّ ويُلَقِّننا أشياءً كثيرةً. ما سمعتُه وتعلّمتُه والأهمّ من ذلك ما عِشتُه بجانب شَيخي لمدّة اثنتي عشر سنة، سوف أعرضه ببساطةٍ ببعض الكلمات. كانت أولى تعاليم الشيّخ يوسف:

"هنا في الجبل المقدس، نرى أنّ بعض الرهبان يُحرِزون تَقَدُّمًا والبعض الآخر لا. لا تتفاجأ من ذلك. يأتي الإثنان إلى هنا بالتقوى ذاتها، بنكرانٍ للذات والحماس الذي كان عندنا كلّنا عندما أتينا إلى الرهبنة. تركنا كلّنا خلفنا أبينا وأُمّنا وعَمَلنا، إلخ. هذا ليس بإنجازٍ عظيم. الإنجاز العظيم هو إيجاد شيخ روحيّ حقيقيّ يرشدنا، يبنينا ويعلّمنا ما هي الرهبنة الحقيقيّة. الرهبان الذين لا يحرزون أيّ تَقَدُّم هم أولئكَ الذينَ لم يجدوا شيخًا روحيًّا حقيقيًّا".

هكذا، جَعَلَنا الشيّخ يوسف ندركُ بأنّ تعلُّمَ التلميذ وتَقَدُّمَه مرتبطان بإيجادهِ مرشدٍ روحيٍّ. فإن كان بِمُجَرَّد العيش بالبرية تُكتسب الصلاة القلبيّة فيمكن للجميع اقتناؤها. ولكن للأسف، الحقيقة هي أنّ عددًا ضئيلًا من الرهبان هم مجاهدون حقيقيون في الصلاة القلبيّة. لماذا؟ لأنّ البعض يفتقد إلى شيخٍ روحيّ له المقدرة على تعليمهم وإرشادهم. العيش في البرية يساعد ولكنّه ليس كلّ شيء.

حتّى إن وَجَدَ أحدٌ مرشدًا روحيًّا، وعاش في عمق البرية، عليه العمل أيضًا لِيَرِث النعمة من شيخه. على الرغم من هذا، هناك العديد من الآباء الآثوسيين العظماء الذين رقدوا في مطلع القرن العشرين دون وَرَثة. كان هناك الأب سابا المعترف والأب كالينيكوس الهدوئيّ والراهب الأعمى الذي كانت تنبعث من قلايته رائحة طيب عندما كان يُصلّي والشيخ دانيال الهدوئيّ، إلخ. بالرغم من ذلك كان لهم تلاميذ. ولكن تلاميذهم لم يرثوا النعمة من شيوخهم لأنّهم هم أنفسهم لم يعملوا بشكلٍ صحيح. قال أيضًا الشيخ يوسف:

"أنتم الشباب جئتم إلى هنا ووجدتم كلّ شيء مُعَدًّا لكم: وجدتم شيخًا روحيًا ومكانًا خاليًا من الشياطين؛ ووجدتم أيضًا برنامج صلوات ونُسك مُجَهَّز. لو أدركتم معنى المجيء إلى هنا وعدم إيجاد مرشد! قد كان يتوجّب عليكم البحث في كلّ مكان فقط لتجدوا شخصًا يستطيع إخباركم بعض الكلمات عن الصلاة والرهبنة بحسب خبرته الشخصيّة. كنتم محظوظين بإيجاد مرشد فور خروجكم من العالم".

بالتأكيد، قد وجدتُ شيخًا بحالةٍ روحيّة سامية، بنور جبل ثابور بالصلاة والثاوريا ومن خلال الرؤى. هذا هو نوع الشيخ الذي وجدته. وأنا مُلامٌ لأنّني لم أستطع أن أقترب على الأقل لحالةٍ مماثلة لحالته.  ولكن على الأقلّ أستطيع أن أنقل لكم ما تعلّمتُه منه - وليس من الكتب - ويمكنني أن أؤكد لكم بأنّ كلّ ما ورد في سِيَر حياة القدّيسين هو حقيقة، بعدما اختبرت أمورًا كهذه في شَيخي.

 

دور الشيّخ الروحي

منذ البداية، عمِلَ الشيخُ يوسف على قطع مشيئتي بهدف معالجة أنانيّتي. في بادئ الأمر، بدأت أفكار الكبرياء تقاوم إصلاحات الشيخ. وصلَتْ أنانيّتي إلى ذُروَتِها واعترضتُ: "لماذا يقول لي هذا؟" "لماذا يفعل ذلك بي؟" "لماذا يكلّمُني بشكلٍ هُجوميّ؟"

أدركتُ حالًا ماذا يحاول الشيطان أن يفعل بي. كان قد حاول تدمير علاقتي بالشيخ يوسف، مُعَلِّمي ومُرشِدي، وعند قيامه بهذا سوف يقطع زَوّادتي الروحيّة - نعمة الله- المَمنوحة للتلميذ بواسطة شَيخه الروحيّ.

أخبرتُ شيخي فورًا بأفكار الكبرياء التي تُراوِدُني، فقال لي:" أنظر يا بنيّ. أتيتَ إلى هنا لتخلّص نفسك، لتنكر ذاتكَ، لتقطعَ مشيئتكَ ولتتواضع. أتيتَ لتُدان ولا لِتُدين الشيخ أو الأخويّة".

 فقلتُ: "نعم، ياروندا".

"فهل تعلم ماهي النَّصيحة التي أعطانا إيّاها الآباء الآثوسيّون القدماء؟ هل تعلم ما هو تعليم الرهبنة الآثوسيّة؟ هذا هو: "هل أرضَيتَ شَيخك؟ فقد أرضيتَ الله. إن لم تُرضِهِ لن تُرضي الله". هذا لأنّك أنت لا ترى الله ولكن ترى شَيخَك، الذي يُمَثِّل الله. لذلك، كلّ ما تقوم به تجاهه يعود لله.

أكمل الشيّخ يوسف تعاليمه بهذه الكلمات المُستنيرة: "مَثَلًا، خذ أيقونة، إنّها مصنوعة باليد من خشبٍ وألوان. إنّها تُصَوِّر المسيح، والدة الإله أو بعض القديسين. كلّ ما نفعله لهذه الأيقونة - على الرغم من أنّها شيء ماديّ - يعود إلى مَن تُمَثِّل. هذا هو المكان الذي تعود إليه أعمال الوقار أو عَدَمها. بطريقةٍ مماثلة، الشيخ هو أيقونة الله وهو بِصورَتِه ومكانه. بالنسبة للتلميذ، الشيخ الروحيّ هو حتّى فوق الأسقف. بالنسبة لأناسٍ آخرين هو لا شيء ولكن بالنسبة لك، للتلميذ، هو كلّ شيء.

"ما يُرضي الشيخ ليس مُجَرَّد تنفيذ ما طُلِب من التلميذ القيام به؛ ولكن ما يُرضيه هو تَقَدُّم تلميذه روحيًّا. كلّما أحرز التلميذ تَقَدُّمًا كلّما أرضى روح شَيخه. ونتيجةً لذلك يبارك الربّ التلميذ".

 

 

Source: “My Elder Joseph the Hesychast” by Elder Ephraim Arizona, pages 321-324, Saint Anthony’s Greek Orthodox Monastery, (2013).