اللاهوتيّ قسطنطين زلالاس
تعريب رولا الحاج
إخوتي وأخواتي في المسيح،
تعترف الليتورجيا الكنسيّة بتسعة نشائد مختلفة في العهد القديم، وواحدة في العهد الجديد. يعود النشيد الخامس إلى النبيّ أشعياء، حيث يلتمس النبيّ من الله عقابًا من أجل العدالة الإلهيّة. تَرِد خاتمة هذا النشيد في الإصحاح السادس والعشرين من سفر أشعياء، التي تَنُصّ على:
«هَلُمَّ يا شعبي ادْخُل مَخادِعك، وَأَغْلِقْ أبوابك خَلْفَكَ. اخْتَبئ نحو لُحَيْظَة حتّى يَعْبُر غضب الله. لأنّه هوذا الرّبُّ يَخْرُجُ من مكانه لِيُعاقب إثم سكّان الأرض فيهم، فَتَكشِف الأرض دِماءها ولا تُغطّي قَتْلاها في ما بعد».
هنا، إله إسرائيل يسبق ويحذّر شعبه من خلال النبيّ. المتكلّم هو أقنوم الكلمة (Logos) -المسيح- قبل تَجَسُّدِه. سأكرّر هذا على مدار الفصول، ليسمع الجميع، إلى أقاصي الأرض. الذي يتكلّم في العهد القديم هو الله الكلمة، الأقنوم الثاني من الثالوث القدوس، أي المسيح قبل التَّجَسُّد.
دنا إله إسرائيل من شعبه: أتى، وسار مع بني البشر. هنا في الآية العشرين من الإصحاح السادس والعشرين من سفر أشعياء، يأتي الله الكلمة بتحذيرٍ تاريخيّ مُسبَق لشعبه، عندما يكون الله جاهِزًا لِيُبيد الكفّار والأشرار. في أوقات مختلفة، يتدخّل الله في تاريخ البشرية، مثل أي طبيب صالح يستأصل جزءًا من الجسم البشريّ لضمان عافية المريض. طبعًا، محبّة الله غير مشروطة، وستفوق محبّتُه على عَدلِه عندما يتوب الناس عن خطاياهم. ولكن في ظلّ غياب التوبة، وإذا تعاظم إثم بعض الناس، فإنّ الله سيتدخّل جراحيًّا لِيَصون سلامة مؤمِنيه. طبعًا، رُبَّ مَن يزعم أن الله لا يعاقب أبدًا. وأنا أوافق إلى حدّ ما. فالله لا يعاقب بدافع الغضب، كما نفعل نحن في بعض الأحيان. لكن كما قلتُ، سيتدخّل جراحيًّا لينهي حياة أولئك الذين يُهَدِّدون مُخَطَّطه التدبيريّ الإلهيّ، أي الخلاص. لنأخذ على سبيل المثال، أنّ إحدى حيواناتكم الأليفة، تنقضّ فجأة على أحد أولادكم؛ ألا تُمسِكون بأي أداة مُتاحة لتضربوا الكلب، وتُنقذوا وَلَدَكم؟ فأنتم لا تعاقبون الكلب، بل تُنقِذون ببساطة وَلَدَكم.
إنّ قوى الله غير مخلوقة ولا مُتَناهية، ولا يَسَعُنا أن ندركها بالكامل بِعَقلنا البشريّ في هذه الحياة. ومع ذلك، لدينا عدد من التَّحذيرات التاريخيّة التي يجب أن تكون غاية في الأهميّة بالنسبة إلينا. لقد تحقّق ثلاثة منها في العهد القديم، وواحدة في العهد الجديد، وواحدة ستتحقّق في المستقبل. تشير الأخيرة إلى زمن مجيء المسيح الدجّال. إذًا، لدينا دليل: تحقّق أربعة من أصل خمسة، وواحدة ستتحقّق أيضًا. كما يقول بعض المُفَسِّرين المسيحيّين: من بين مئة نبوءة، إذا تحقّق تسعة وتسعين منها؛ فإذًا النبوءة مئة سوف تتحقّق أيضًا.
لكن ألا يذكّرنا هذا التحذير المُسبَق في نشيد أشعياء بالحرب؟ «هَلُمَّ يا شعبي ادْخُل مَخادِعك، وَأَغْلِقْ أبوابك خَلْفَكَ. اخْتَبئ نحو لُحَيْظَة حتّى يَعْبُر غضب الله». حسنًا، لعلّ بعضكم يظنّ: ألا يذكّرنا هذا بِحَربِنا العالميّة الحاليّة ضدّ هذا العامِل الميكروسكوبيّ غير المرئيّ المُسَّمى «فيروس كورونا»؟ طبعًا، نحن لا نُلَمِّح إلى أنّ الله له علاقة بهذا الشرّ، لكنّ الحقيقة هي أنّنا نواجه إغلاقًا وإيقافًا لأعمالنا، ونختبىء في غُرَفِنا، مثل أولئك الذين تعرّضوا لغارات جويّة من الطائرات العسكريّة في السنوات الأخيرة.
حدث أوّل تحذير مسبق تاريخيّ في زمن نوح. أمسى جيل نوح فاسدًا يتعذّر إصلاحه. احتاج الله إلى أن يتدخّل جراحيًّا ليخلّص الجنس البشريّ. كان الفُلْك الغرفة التي احتاجها نوح وعائلته ليختبئوا فيه، لأنّه سيعمّ الفيضان على كلّ ما في الأرض. انصبّ غضب الله ضدّ ذلك الجيل، لكن الله أراد أن يخلّص نوح من خلال سفينة- أي الفُلك. نقرأ في سفر التكوين في الإصحاح السادس: «لا يَدين روحي في الإنسان إلى الأبد، لِزَيَغانِه، هو بشر». لا يُشير الله إلى جسد الإنسان، لكن أمسى إرضاؤه لِجَسَدِه محور حياته. أمسى جسدانيًّا. ويقول الله «ستكون أيّامه مئة وعشرين سنة». وقال الربّ «أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلَقتُه، الإنسان مع بهائم ودبّابات وطيور السّماء، لأنّي حَزِنْتُ أنّي عَمِلْتُهُم». لا تنسوا أنّ الله يستخدم هنا، وفي مواضع أخرى في الكتاب المقدّس، تعابير ذات صفات بشريّة. هذا هو الله الكلمة يتكلّم، وهو ليس لديه إرادة إعتقاديّة (gnomic will). لا يحتاج المسيح أن يفكّر «ماذا سأفعل بعد ذلك؟» الله الكلمة، الخالق، لا يُخطئ: أراد الله ببساطة أن يُظهر خيبة أمله، وعِظَم الإثم في ذلك الجيل. لذلك قرّر الله الكلمة أن يمحو البشريّة. لكن ما الذي «غيّر رأيه؟»، لقد كان بِرّ نوح أو فضيلته. فالله أمَرَ نوح أن يبني الفُلك، وثمّة أمر جميل جدًا في نهاية البناء، بعد دخول نوح وجميع الحيوانات إلى الفُلك. لقد انتهى البناء كلّيًّا، ودخل الجميع: الله نفسه أَغلق باب الفُلك. يا لها من صورة جميلة! الخالق- المسيح قبل تجسّده يستخدم بعض القَطِران[1]، أو أيّ مادة من هذا القبيل ليغلق باب الفُلك من الخارج، مُظهِرًا رعايته المُفعَمة بالمحبّة والحماية. مِثل الأمّ التي تضع طفلها في السرير لينام وتُقَبِّله، ومن ثمّ تمشي على رؤوس أصابعها وتُغلق الباب حتّى يتمكّن طفلها الكريم من النوم. كان نوح بارًّا في جيله. ومع ذلك فقد سخر منه جيرانه بشدّة. لم يصدّقوه أبدًا أو لم يتَّعِظوا من عَمَلِه العظيم - الفُلك نفسه. ضحكوا عليه وقالوا: «لقد فَقَدَ نوح رشده، أصابه الخَرَف». ولأكثر من مئة عام تَسَأل الناس «ماذا تفعل يا نوح؟». فيقول لهم «إنّني أبني فُلكًا». فيُردِفون قائلين: «ولماذا تبني فُلكًا»، فيجيبهم: «لأنّ الله سيدمّر الأرض». الفُلك هو نموذج عن الكنيسة: إذا بقينا مُخلِصين للكنيسة، إذا بقينا داخل الكنيسة، فسوف نَخلُص. فقط إذا كنّا نعيش حياة الكنيسة فسنُنقَذ ونَخلُص من التسونامي اللاأخلاقيّ، والفساد في يومنا هذا.
حدَث التَّحذير التاريخيّ الثاني في المُدُن الخَمس في سدوم وعمورة، بعض الوصف الكتابيّ صادم حقًّا في هذه الحادِثة. في ذلك الحين، زار الثالوث القدوس إبراهيم بِهَيئة ثلاثة ملائكة. وبعد ذلك، بَقِي ملاك واحد، والذي يمثّل الآب، مع إبراهيم، والآخران-الابن والروح القدس- ذهبا إلى سدوم، التي كانت تقع على عُلوّ أسفل بحوالي 4500 قدم بالقرب من البحر. كانت خطيئتهم فظيعة لدرجة أن الله «يبدو متفاجئًا» في تَصَرُّفِه معهم. تَعاظَم صراخ سدوم وعمورة لدرجة أنّ الله الكلمة كاد ألّا يُصَدِّق ما يقومون به. «تعاظمت الخطيئة لدرجة أنّني سأنزل وأرى إن كان ما قاموا به سيئًا بما أنّ الصراخ بلَغ إلى مَسامِعي». يتكلّم الله الكلمة مرّة أخرى بَشريًّا، مثل إنسان. فذهب الملاكان اللذان يُصَوِّران الابن والروح القدس (اللذان يرسِلُهُما الآب في العالم) لزيارة لوط، الذي كان مِضيافًا مثل عَمِّه، فأدخلَهُما إلى منزله. عندما رأى رجال سدوم هذين الغريبين يدخلان منزل لوط، ركضوا إلى باب منزله وطلبوا منه أن يُعطِيَهم هذَين الرجلَين كي يمارسوا اللِّواط معهما. أحاط رجال المدينة بالمنزل-من الشيوخ إلى الصغار، وفيما كانوا يتقدّمون ليكسروا باب لوط، ضربَهُم الملاكان بالعمى، وقالا للوط: «هيّا، لديك بِضع ساعات» وليس 120 عامًا مثل نوح. وعندما أخبَرت بنات لوط الشباب الذين كُنَّ مَخطوباتٍ لهم «تعالوا، اتْبَعونا». فأجابُوهُنَّ «كلّا كلّا فوالدكُنَّ يمزح كَمُهَرِّج». لم يُصدّقوا. ولما طلَع الفجر، أمسَك الملاكان بيد النساء، وللأسف، لم تتمكّن زوجة لوط من الهروب معهم، كما تعلَمون. تصوّروا، أنّكم تخسرون خلاصكم فيما الله يُمسِك بيدكم: هذا مثال كلاسيكيّ على الأهميّة القصوى لإرادة الإنسان الحرّة. قال لها الله «لا تنظُري إلى وراء» ولم تستطِع أن تُطيعَه؛ كما سنوضح في بضع دقائق. لذا أمسك الملاكان بيد البنات، وشرَعوا يركضون، ولوط نفسه كان مُتَوانِيًا- كان في حالة ذهول-لذلك قال الملاك «هيّا، فلنُمضِ». وبعد خروجهم من المدينة، أمطَر الربّ كبريتًا ونارًا من عند الربّ. اسمعوا هذا: «فَأَمْطَرَ الرَّبُّ على سدوم وعمورة كبريتًا ونارًا من عند الرَّبِّ». هنا، يوجد شخصان من الثالوث القدوس، لعلّهما الآب والابن، وهذا يُذَكِّرنا بآية أخرى جميلة في الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكي حيث الأقانيم الثلاثة من الثالوث القدوس كلّهم «والرَّبّ يَهْدِي قُلُوبَكُمْ إلى محبَّة الله، وإلى صَبْرِ المسيح» أي «والربّ (الروح القدس) يهدي قلوبَكم إلى محبّة الله (الآب) وإلى صبر المسيح». بالعودة إلى لوط وسدوم: ما هي عَرَبة الخلاص بالنسبة للوط وعائلته؟ إنّها واحدة: الهروب- انهضوا واهربوا لحياتكم. إذًا، كانت عَرَبة الخلاص بالنسبة لنوح السفينة، وبالنسبة للوط وعائلته الخروج إلى الجبال. أعطاهم الملاكان شروطًا ضروريّة لخلاصهم:
فلننتبه جدًّا يا أحبّائي، لأنّ هذا نموذجًا لنهاية الأزمنة، ومفتاحًا للتحذير التاريخيّ الخامس خلال زمن المسيح الدجّال. سيتمّ تطبيق الشروط نفسها: الهروب، الهروب لحياتكم. أولئك الذين يبقون في المدينة لن يكون باستطاعتهم أن يأكلوا أو يشربوا من دون علامة أو ختم المسيح الدجّال. يرى بعض المفسّرين الكنسيّين في يومنا هذا أعمق بكثير، ويفهمون سدوم على أنّها مكان الخطيئة، أو نموذجًا للإثم. من الواضح أنّه لا يوجد خلاص في مدينة الإثم الباقية. ضواحي المدينة هي حافِز للخطيئة ومُسَبِّبة لها. إذا استمرّيتُ في مشاهدة مقاطع فيديو ذات محتوى جنسيّ على قناة اليوتيوب أو التلفاز أو الهواتف الذكيّة، فأنا في ضواحي الإثم. إذا لم أطلب مساعدة فوريّة، ولم ألجأ إلى أبي الروحيّ لكي يساعدني أن أهرب إلى الجبال، فسوف ينتهي بي الأمر في مدينة الإثم. لذا، لا يكفي أن أتجنّب الإثم، بل يجب أن أتجنّب حَوافِزه ومُسَبِّباته. سوف أخلص عندما أهرب إلى مكان عالٍ، إلى الجبال. بكلامٍ روحيّ، الخلاص غير ممكن في عالم الخطيئة. يقول لنا يوحنّا الإنجيليّ «لا تُحِبّوا العالم ولا الأشياء التي في العالم»، التي قد تُسبِّب لكم الخطيئة. نحن نحبّ كلّ الناس، ولكن ليس أسلوب حياتهم الآثمة. نحن نعيش في العالم، لكنّنا لَسنا من العالم. علينا أن نُنشىء لِذَواتنا منطقة آمِنة روحيًّا بِهُروبنا إلى مستوى أعلى، بأن نرتقي روحيًّا. نحن في مأمن من مدينة تسمّى سدوم عندما نصعد جبل ثابور باستمرار، عندما نسعى جاهدين أن نتغيّر من دون أن نأخذ إجازات روحيّة إن جاز التَّعبير. لحظة نقف فيها ونفكّر «حسنًا، أنا الآن في حالة جيّدة روحيًّا، سأذهب في رحلة بحريّة عالميّة لمدة ستة أشهر، لكي أستمتع»، حسنًا، ليس هناك ما يضمن أنّنا سنعود روحيًّا. إذًا، كانت هذه إحدى شروط الملاكَين: لا تنظُر إلى الوراء. نظرت زوجة لوط إلى الوراء، ولماذا تظنّون أنها قامت بذلك؟ لأنّها كانت مُتَعَلِّقة جدًّا بمنزلها وبأثاثِه. كانت روحُها مستعبَدة لأغراضها الماديّة، على عكس عَمِّها ابراهيم الذي لم يمتلك منزلًا قط، ولا أرضًا، ولهذا السبب تحديدًا: لكي يُبقي قلبه متحرّرًا وخاليًا من كلّ اهتمام وتَعَلُّق أرضيّ. إن لم نحارب هذا التعلّق [وكثيرون منّا قد يعانون من هذا التعلّق، (إنني أعاني منه شخصيًّا)]: ربّما نتوب، ولكن في مرحلة ما (في أوقات الفتور الروحيّ، والتجارب، والألم) تقدّم لنا الشياطين عزاءً بتَذكيرها إيّانا بِنَمَط حياتنا الأثيمة السابقة، كما حدث مع الاسرائيليّين في الصحراء. لقد سئموا من المنّ السماويّ، ورغبوا بالكُرّاث والبصل والسمك التي كانوا يأكلونها خلال سنوات عبوديّتهم في مصر. ولهذا السبب يُحذّرنا الربّ: «تذكّروا زوجة لوط، لا تنظروا إلى الوراء». وإذا لاحَظتُم، لم يُذكَر إسم زوجة لوط في الأسفار المقدسة لأنّ اسمها لم يُكتب في سفر الحياة.
حدث التحذير التاريخيّ الثالث في العهد القديم أيضًا، بشكل خروج حِسيّ آخر. ذهب حفيد إبراهيم الثاني، يعقوب، إلى مصر بِرِفقة 75 شخصًا من أفراد عائلته. وبعد 430 عام، أصبحوا ما يقارب المليونين. عاشوا في ضاحية جاسان، وهي منطقة أعطاها فرعون لعائلة يوسف. لم يشأ يوسف أن تندمج عائلته مع المصريّين الوثنيّين. كانت هذه المسافة الآمنة أساسيّة لأسباب إيمانيّة. بعد 430 عام، أخبر موسى الفرعون أن الله يريد لشعبه أن يغادر مصر. وأرجو أن تتذكّروا هذا: في زمن الضربات العشرة التي شَلَّت المصريّين، لم يُصب حيوان واحد للاسرائليّين. ويوم الخروج من مصر، لم يمرض شخص واحد من أصل مليونين. حفِظَتهم نعمة الله، لم يحتاجوا إلى أي صيدليات، ولا إلى مستشفيات مُتَطَوِّرة. الضربة الأخيرة قتلت كلّ بِكْر في مصر ما عدا أبكار إسرائيل، لأنّهم اتّبعوا هذا الشرط الواحد: كان لكلّ عائلة اسرائيليّة حملًا صحيحًا ذكرًا ابن سنةٍ، يحتفظون به إلى اليوم الرابع عشر من الشهر، الذي كان شهر نيسان. ثمّ يذبَحُهُ كُلُّ جمهور جماعة إسرائيل في العشِيَّة. ثمّ يأخُذون من الدّم ويجعلُونَه على القائمَتَيْن والعَتَبَة العليا في بيوتِهم. الآن اسمعوا هذا العمل المُدهِش: كانوا يرفعون أيديهم ليمَسّوا العتبة أفقيًّا ومن ثمّ عموديًّا، صانعين علامة الصليب الكريم. كانت هذه علامة خلاصهم من ملاك الموت: دمّ الخروف. اسمعوا هذه الآية الجميلة في سفر الخروج 12: 13 «ويكون لكم الدمّ علامة على البيوت التي أنتم فيها، فأرى الدَّم- من المتكلّم هنا؟ إنّه حمل الله: المسيح قبل التجسّد- فأرى الدَّم وأَعْبُرُ عنكُم، فلا يكون عليكم ضربة للهلاك حين أَضرِب أرض مصر». إذًا، الله لا يعاقب أبدًا. حسنًا، أسمع هذا في كلّ مكان هذه الأيام، من الرهبان، واللاهوتيّين، والكهنة بأنّ الله لا يعاقب أبدًا. حسنًا، لا أعلم كيف أشرح هذا، في ذلك الحين: في ليلة واحدة، كان هناك شخص ميت في كل بيت في مصر، بِيَد الله، ألَمٌ يتعذّر تصوّره ويرثى له. في ساعة واحدة، أُحرقت مدينة سدوم بِرُمَّتِها. وفي غضون أيام، إذًا، كانت كلّ أجساد البشر في جيل نوح تطفو على المياه، طعامًا للغربان والنسور. ألا يُعاقب الله قط؟ حسنًا، سَمّوها ما شئتُم، لكن الله يُصدِر أحكامًا، ويزيل بواسطة عمليّة جراحيّة أيّ عامل بشريّ من شأنه أن يُعيق خُطّة خلاصه لشعبه. إنّ تدخل الله في تاريخ البشرية هو سرّ إلى حدّ ما، ويصعب علينا جدًّا أن نفهمه بالكامل الآن. كلّ حكمة الله هذه سوف تُبهِجُنا في ملكوته. لذا فإنّ إثم الأمم لا سيّما أولئك الذين يجعلون منها غايتهم لتدمير شعب الله أو كنيسة الله- يُشار إلى هذه الأمم كلّها بمصطلح «بابل»، سوف تُدان عبر التاريخ، ومعظمها سيزول: الكلدانيّون، الفلسطينيون[2]، الكنعانيّون، الموآبيّون، البابليّون، السكيثيّون – لقد أُزيلوا من خارطة الجغرافيا. فلنَعُد إلى الله الكلمة، الذي قال للاسرائيليّين إنّ دمّ الخروف سيخلّصهم من الموت. ما هذا؟ إنّه نموذج نبويّ لجسد الله ودمه الكريمَين، الكلمة الذي صار إنسانًا، في مِلء الزمان: «إن لم تأكُلوا جسد ابن الإنسان وتشرَبوا دَمَهُ، فلَيس لكم حياةٌ فيكم». إنّ دمَ الخروف-جسد ربّنا يسوع المسيح ودمه- هو أكثر خلاصًا من دم خروف اليهود. إنّ جسد المسيح ودمه الكريمَين يخلّصنا من الخطيئة، والموت، والفساد: فهو يغفر خطايانا من خلال سِرَّي الاعتراف المقدّس وتناول الأسرار الإلهيّة؛ فهو يخلّصنا من الموت، لأنّه وطئ الموت بالموت بقيامته، وقيامة الأموات-وبعد ذلك سنُمنَح حياة أبديّة غير فاسدة: جسد روحانيّ لا تَشوبُه شائبة، متّحدًا بنفوسنا، عند المجيء الثاني للمسيح، الدينونة الرهيبة وقيامة الأموات العامة.
حدث التحذير التاريخيّ الرابع في العهد الجديد حين نطق الله المتجسّد الكلمة، أكرّر، إبن الإنسان: شخص الثالوث القدوس نفسه الذي حَذَّر نوح ولوط وموسى. نقرأ عند لوقا الإنجيليّ: «ومَتَى رأيتُم أورشليم مُحاطة بجيوش، فحينئذ اعْلَموا أنّه قد اقترب خرابُها. حينئذٍ ليَهْرُب الذين في اليهوديَّة إلى الجبال». يُحذِّر الربّ كنيسة أورشليم وأسقفها- يعقوب أخ الربّ- من الدمار الوشيك لمدينة أورشليم في عام 70 ميلاديّ. كان هناك أكثر من خمسين ألف مسيحيّ في كنيسة أورشليم في ذلك الوقت، وكانوا بحاجة إلى أن يَخلُصوا. لذلك أعطاهم المسيح علامة، أو وسيلة الخلاص: مَتَى رأيتُم أورشليم مُحاطَة بجيوش؛ إذا كنتم على أسطُح المنازل أو في مزارعكم، وترَون أورشليم مُحاطة بالجيوش الرومان، حينئذ اعلَموا أنّه قد اقترب خرابها. وليهرب مسيحيّو اليهوديّة الى الجبال، والذين داخل أسوار المدينة فَليَفِرّوا خارجًا. لا تهدُروا وقتكم في حزم أمتِعَتِكم: لن يكون لديكم وقت. لماذا؟ لأنّه ما أن يُعلَن الخطر، ستُغلق أبواب المدينة، ولن يتمكّن أحد من الهروب أو الخروج بعد هذا الوقت. وقع الحصار حوالي شهر آب 70 ميلاديّ، وأباد الجوعُ والعطشُ سكّانَ المدينة. وعندما دخل الرومان، قتلوا الكلّ تقريبًا، بلا رحمة. خَلُص المسيحيّون لأنّهم آمنوا بكلام الربّ الذي قاله قبل 37 عام. أمّا بالنسبة لغير المؤمنين، والذين دبّروا صَلبَه، يقول الربّ «ويقعون بِفَم السيف، ويُسْبَوْن إلى جميع الأمم». وبيعَ الكثير منهم في أسواق العبيد، وتشتَّت اليهود في جميع أنحاء الأرض، وسقطت أورشليم بين يدَيّ
ها قد بلغنا الآن التحذير التاريخيّ الخامس، الذي سيحدث خلال المجيء الأخير للمسيح الدجّال، لأنّه كما تعلمون، لدينا مُسَحاء دَجّالون كُثر عبر التاريخ، وفق القديّس يوحنّا الإنجيليّ. إذًا، هذا هو المسيح الدجّال الأخير. نقرأ في سفر الرؤيا الإصحاح 12: 6: «والمرأة هربَت إلى البرّيّة، حيث لها موضِع مُعَدّ من الله لكي يَعُولُوها هناك ألفًا ومئتين وستِّين يومًا». المرأة هي الكنيسة، وأعضاء الكنيسة المؤمنين طبعًا. وقد أعدّ الله طريقة لإعالة المؤمنين، في حين أنّه سوف يُنزِل الضَّربات الرهيبة على المسيح الدجّال وأتباعه، تمامًا كما في مصر، ونرى الكثير من هذه الضربات في سفر الرؤيا: ثلاث مجموعات سُباعيّة من هذه الضربات في سفر الرؤيا هي نموذج مُعَدَّل للضربات التي حدثت في مصر ضدّ الفرعون.
ولهذا السبب إنّه في غاية الأهميّة أن نولي انتباهًا إلى هذه النَّماذج والسوابق التاريخّية، لأنّنا هنا سنجد تعزية كبيرة، وأجوبة عديدة: كيف سَيُعيلُنا الله في زمن المسيح الدجّال؟ سيجد طريقة؛ لا نعرف كيف بعد. لكنّه ألَم يجد طريقة للعبرانيّين في الصحراء لمدة 40 عامًا؟ أرسل لهم المنّ من السماء لمدّة أربعين سنة. وخلال تلك السنوات الأربعين، لم تَبلَ ملابسهم أبدًا، ولا أحذيتهم - وذلك كلّه لمدة 40 عامًا. ففترة المسيح الدجّال أقصر بكثير: ثلاث سنوات ونصف السنة. لذا، دَعونا لا نتساءل: «كيف يمكن لله أن يُطعم المؤمنين؟ لقد قام بذلك مرات عديدة من قبل. لدينا كلّ هذه السوابق التاريخيّة حيث نرى عناية الله الرائعة لشعبه - لكلّ الذين يتوبون، ويرهبون اسمه ويحبّونه.
دعونا نَقِف حسنًا أيّها الإخوة والأخوات. دعونا نمضي وقتًا كثيرًا في دراسة كلمة الله، لا سيّما في الوقت الحاضر؛ ونصلّي أكثر. دعونا لا نهدر وقتنا الثمين على وسائل التواصل الاجتماعيّ المشكوك فيها اليوم، حيث يمكن خِداعُنا بسهولة بكلّ هذه الرسائل المُتَعَدِّدة الآراء التي يتمّ تَداوُلُها يوميًّا.
المصدر: http://apantaortodoxias.blogspot.com/2020/03/gods-five-historical-warningsby-elder.html
[1] القَطِران هو مادة سوداء سائلة لزجة القِوام، تُستخرج من بعض المواد العضويّة مثل النّفط، والخشب، والفحم، والخّث بالتّقطير الإتلافي. ويُستخدم القطران لرصف الطّرق، ولحفظ الخشب من التّسوّس، وحماية الحديد من الصدأ. يُسمّى القطران بالإنجليزيّة (Tar). ويعرفه البعض باسم الزفت بالإنجليزيّة (pitch). وهو بالفعل شكل من أشكال القطران، إلا أنّ قِوامه أكثر صلابة (المعرّبة).
[2] المقصود بالفلسطينيين هنا الشعوب المَذكورة في سفر القضاة من الكتاب المقدَّس، وليس شعب دولة فلسطين الحالي (المُعَرِّبة)