القلب والله

القديس ثيوفان الحبيس

تعريب جولي سعد

 

الله حاضِرٌ في كلّ مكان. عندما يجد الله قلبًا لا يُعارِضُه، قلبًا متواضعًا، يَدخُله ويَملَؤُه فرحًا. فالقلب المليء بالفرح الذي يسكنه الله، عظيمٌ لدرجة أنّه يلتصق به ولا يريد أبدًا أن ينفصل عنه. لا يقترب الله من قلبٍ مليءٍ بالأنانية. فمثل هذا القلب حزينٌ جدًا، يذبل ويذوب بِبُطءٍ، لأنّه مُنغَمِسٌ بالجهل والحزن والظُّلمة.

لا يهمّ كم نحن خَطَأة، بِمُجَرَّد أن نعود إلى الله بتوبة ورغبة، يُفتح باب القلب له. تَنضب روحُنا النَّجِسة وتُفسِح مجالًا للنّقاوة وللفضيلة وللمُخَلِّص نفسه ولِزائر الروح العظيم جالِب الفرح والنور والرحمة. هذه الحالة المباركة هي عَطِيّة من الله، ولَسنا نحن من أحرَزْناها بأنفسنا. وبما أنّها عَطِيّة، فَعَلَيْنا بتواضع أن نشكر المُعطي.

التواضع! أساس الفضائل كلّها والمُتَطَلَّب الأساسي لإنتاج الثمار الروحيّة. هل تقتني التواضع؟ فإذًا أنت تملك الله، لديك كلّ شيء! لا تقتني التواضع؟ فأنت تخسر كلّ شيء! احفظ إذًا شعور التواضع في قلبك. علاقتُنا الطبيعيّة مع الله تتطلّب قلبًا مُتَّقدًا، مُنسَحقًا ومُكَرَّسًا له بالكُليّة؛ قلبًا يصرخ سِرّيًّا في كلّ لحظة: "ياربّ أنت تعلم كلّ شيء، خَلِّصْني!" إذا وضعنا أنفسنا بين يديه، سيقوم بما هو أفضل لِخلاصِنا، بحسب مشيئته وحكمته الإلهيّة.

إنّ واجب الصلاة غير المُنقَطِعة هو ليس فقط للهدوئيين، بل هو لكلّ المسيحيين الذين أمَرَهُم الرب من خلال رُسُلِه المُكَرَّمين "أن يُصَلّوا بلا انقطاع". هناك مراحل عديدة للصلاة قبل أن تصبح غير مُنقَطِعة. جميع هذه المراحل هي من عمل يديّ الله، فهو ينظر إلى أعماق قلوبنا جميعًا بدون تمييز سواء كنّا رهبانًا أو عِلمانيّين. وكُلّما مالَ قلب أيٍّ كان له، يقترب منه بمحبّة ويَتَّحِد به.

 

كيف تُحفَظ مخافة الله في القلب

تولد مَخافة الله من الإيمان وهو شرط للتقدُّم الروحيّ. عندما تَستَقِرّ مَخافة الله في القلب تصبح كَرَبَّة منزل صالحة تُحَوِّل كلّ شيء نحو الصَّلاح. هل نخاف الله؟ إذا كُنّا نَخافُه، فلنَشكُرْه لأنّه مَنَحَنا هذه المَخافة ولنُحافِظ عليها كَما نُحافِظ على كنزٍ ثمين. وإذا لم نمتلك مَخافة الله، فَلنَعمَل ما بِوِسْعِنا لاقتنائها. مع العلم أنّ سبب افتقارنا لها هو إهمالنا وعدم اهتمامنا.

تولَد التوبة والنّدم على الخطايا من مخافة الله. نرجو أن لا يغيب هذا الشعور، الذي هو باب الخلاص، عن قلوبنا. فإذا أرَدْنا أن نحافظ على هذه المَخافة فينا، يجب أن نحفظ ذِكر الموت والدّينونة دائمًا في فِكرنا، مع الإحساس والشعور الدائم بحضور الله: الله معنا دائمًا وفي داخلنا، يرى ويسمع ويعرف كلّ شيء، حتى أكثر أفكارنا المَخفِيّة.

عندما نقتني في داخلنا هذه الثلاثة: مخافة الله وذكر الموت والإحساس الدائم بوجود الله، تنبثق الصلاة بطريقةٍ تِلقائيّة فيصبح أملُ الخلاص راسِخًا فينا. ليست مَخافة الله التي تحفظ أملَ الخلاص فينا بل تَذَكُّر يوم الدّينونة الرهيب. إن هذا التَّذَكُّر يجب ألّا يوَلّد كآبةً بل يجب أن يُنتِج جهادًا روحيًّا وتوبة.

دعونا نحاول أن نبقى غير مُلَطَّخين بِدَنَس الخطيئة. وإذا ارتكبنا خطيئةً، فَلنُنَقِّ أنفسنا بالإعتراف. لِنَثِق برحمة الله ولن نَيْأس. على أيّ حال دَيّانُنا رحومٌ ويُحِبُّنا. فهو لن يبحث عن شيء لِيَدينَنا عليه. بل بالعكس سيحاول البحث عن أدنى سبب لِتَبرئتِنا.

 

الله والضمير

إذا قرّرتَ، من كلّ قلبك، أن تُطيع الله دائمًا وأن تُرضيه بطريقة حياتك وتلجأ إليه وحده  في كلّ شدّة، بإيمانٍ وتَفانٍ، فيمكنك أن تتيّقن بأنّ كلّ ما في حياتك، روحانيًّا كان أو ماديًّا سَيَؤول إلى النجاح. إنّه لأمرٌ رائع أن تدرك أنّه من دون الله لا يَسَعُك القيام بأيّ شيء، وبعد أن تتوّصل إلى إدراك ذلك يمكنك أن تلجأ إلى مساعدته بثقة كاملة. على الضمير أن يوجّه النفس بشكل صحيح وأن يعلّمها عمل البِرّ في كلّ موقف. ومع ذلك لا يمكنه القيام بذلك إن لم تكن النفس مُتَطَهِّرة ومستنيرة.


فلنُنَقِّ نفوسنا من خلال الجهادات النسكيّة وتطبيق الوصايا الإلهية، التي تحرّر القلب من الأهواء ولنَستَنِر بالنور الإلهيّ من خلال دراسة الكتاب المقدس. من خلال ذلك سوف نَستَخلِص قواعد حكيمة نوجّه بها ضمائرنا في إرادة الله المقدسة.

 

https://pemptousia.com/2020/01/the-heart-and-god/

Source: agiazoni.gr