حول الأزمة الإقتصاديّة العالميّة

القدّيس نيقولاي فيليمروفيتش

تعريب رولا الحاج

أنتَ تسألني، يا رجل الله، عن سبب الأزمة الحاليّة ومعناها. مَن أنا حتّى تسألني عن هذا السرّ العظيم؟ قال القدّيس غريغوريوس اللاهوتيّ: «تكلّم عندما يكون كلامك أعظم من الصمت». وعلى الرغم من أنّني أجد أنّ الصمت في الوقت الحاضر أسمى من أيّ كلمة، فسأكتب، بدافع محبّتي لك، ما أفكّر به حول هذا السؤال.

إنّ كلمة «أزمة» هي يونانيّة الأصل (κρίση)، وترجمتها تعني «دينونة»[1]. نقرأ في سفر المزامير «لذلك لا يقوم الأشرار في يوم الدّين» (مزمور1: 5). ثمّ لاحقًا «الرحمة والقضاء أُنشِد لك يا ربّ، وأترنَّم» (مزمور100: 1). يكتب سليمان الحكيم أنّ الدينونة سوف تأتي لكلّ إنسان من الربّ (أمثال29: 26). المخلّص نفسه قال «أنّ الآب لا يدينُ أحدًا، بل قد أعطى كلّ الدّينونة للابن» (يوحنّا5: 22). ويكتب بطرس الرسول «لأنّه الوقت لابتداء القضاء من بيت الله».

لنستبدل كلمة «دينونة» بكلمة «أزمة» ونقرأ: «الرحمة والأزمة أُنشِد»، «الأزمة ستأتي لكلّ إنسان من الربّ»، «أنّ الآب لا يدينُ أحدًا، بل قد أعطى كلّ الأزمة للابن»، «لأنّه الوقت لابتداء الأزمة من بيت الله».

في السابق، استخدم الأوروبيّون، عندما حلّت بهم بعض البَلايا، كلمة «دينونة» بدلًا من كلمة «أزمة». في هذه الأيام، تُستبدَل كلمة «دينونة» الواضحة بكلمة «أزمة» الأقلّ وضوحًا.

عندما يأتي جفاف يقول الناس إنّها «دينونة الله!».

عندما يأتي طوفان يقولون إنّها «دينونة الله!».

عندما تندلع حرب أو يتفشّى وباء يقولون إنّها «دينونة الله!».

وبالمِثل، غالبًا ما تكون الزلازل، والجراد، وتجارب أخرى «دينونة الله!»

لذلك، الأزمة هي نتيجة الجفاف والفيضانات والحروب والأوبئة. ويرى الناس الكارثة الماليّة والاقتصاديّة الحاليّة كَحُكمٍ من الله، لكنّهم يسمّونها «أزمة» بدلًا من «دينونة». بحيث ستتفاقم الكارثة بسبب قِلّة الإدراك! لأنّه عندما قيلَت كلمة دينونة بوضوح، كان السّبب الذي أدّى إلى البَلِيّة واضحًا، وكان الدَّيّان الذي سمح بها مَعلومًا، وكذلك الغاية التي بسببها سُمح بالبَلِيّة. ولكن بعد استبدال كلمة «دينونة» بكلمة «أزمة»، والتي هي غير واضحة بالنسبة لكثيرين، فلا يمكن لأحد أن يشرح ما سببُها، ومِمَّن ولِمَ أتت. وهذا هو الأمر الوحيد الذي تختلف فيه هذه الأزمة عن تلك التي تنجم عن الجفاف والفيضانات أو الحرب أو الوباء أو الجراد أو ضيق آخر.

أنتَ تسأل عن سبب الأزمة في يومنا هذا أو سبب حُكم الله؟ السبب هو نفسه دومًا. فسبب كلّ حالات الجفاف والفيضانات والأوبئة وغيرها من البلايا هو نفسه سبب الأزمة في يومنا هذا، ألا وهو الإبتعاد عن الله. أدّت خطيئة الابتعاد عن الله إلى هذه الأزمة أيضًا، وسمح بها الربّ ليوقظ الناس، ويُصَحِّيَهُم، حتّى يتوبوا ويعودوا إليه. فالأزمة هي مُتَكافئة مع الخطايا. وحقًا، استخدم الربّ الوسائل الحديثة ليعلّم الناس المُعاصِرين: أنّه ضرب المصارف والبورصة والنظام الماليّ بأكمله. قَلَب طاولات المُقرِضين تمامًا كما فعل مرّة في الهيكل في أورشليم. خلق حالة من الذعر غير مسبوقة بين التُّجّار والمُقرِضين. أجّجَ وأسقطَ وبَلبلَ وأربكَ وغَرَسَ الخوف. وهذا كلّه كي يستيقظ الحكماء الأوروبيّون والأمريكيّون المتفاخرون، ويتوبوا، ويتذكّروا الله. ولكي يتذكّر أولئك، الذين يَجِدون عزاءً في مَلاذ الراحة الماديّة، نفوسَهم، ويعترفوا بِتَجاوُزاتِهم، ويسجدوا أمام الله العليّ، الإله الحيّ.

إلى متى ستدوم الأزمة؟ ستدوم إلى أن يعترف المُذنِبون المتفاخرون بِغَلَبة الكليّ القدرة. وإلى أن يُدركَ الناسُ أنّه عليهم أن يُترجِموا كلمة «أزمة» غير الواضحة إلى لغتهم الأصليّة، ويهتفوا تائبين «دينونة الله!».

لذلك، أيّها الأب الجليل، ينبغي لك أيضًا أن تُسمّي «الأزمة» «دينونة الله»، وستُدرك كلّ شيء.

تحياتي لك وسلام الربّ معك!

 

المصدر:

https://blog.obitel-minsk.com/2020/01/st-nikolai-velimirovich-on-the-world-economic-crisis.html?fbclid=IwAR2iRI9RBhnORQIT0PL66It06No8X5NuhjnEK3tEzL_n2B0O4Ef4E8RFtpc

 

[1]. تَرِد كلمة "الدينونة” بِعِدّة طرق بحسب التّرجمة في الكتاب المقدّس: “الحُكم”، "القضاء”، "الدّين”، ألخ… ، وكلّها تحمل المعنى نفسه في سياق حديث القديس نيقولاي فليميروفيتش (المُعَرِّبة).