القديس ثيوفان الحبيس
تعريب نادين جراد
ما زلتِ مضطربةً. قولي لي، من أين قد تأتي هذه المخاوف؟ إنَّ أمورَ حياتِكِ الخارجية تسير على ما يرام. أمّا في حياتكِ الداخلية، فقد عاينتِ ونظّمتِ كلّ شيء. لقد اتخذتِ قرارك. إذاً من أين هذا القلق؟ هوذا كلّه من العدوّ، لاسواه.
ماذا يمكن أن يحدثَ بعد؟ هل تفكرين ربّما أن تدبّري حياتك بنفسِكِ متَّكلةً على قدراتكِ الذاتية وجهودكِ؟ إن كنتِ كذلك، أنصحكِ على الفور بأن تفكّري ثانيةً أو لن يكون في وسعكِ أبداً أن تتحرَّري من الاضطرابِ والغضب.
راقبي نفسَكِ بَعد، تذكّري كلَّ ما كلّمتُكِ به وماذا اكتسبتِ في داخلكِ طوال مدّة مراسلاتنا. أخيرًا إمتحني ذاتكِ موجِّهةً إرادتكِ إلى تسليم حياتكِ بثباتٍ بين يدَيّ الله.
عندما تَعزَمين على ذلك، للحال صلّي بحرارةٍ إلى الرَّب. اهتفي له: «إني أُودِعُ حياتي بأمانةٍ بين يديك. إلهي كما أنتَ عالمٌ وكما تشاءُ، دبّرْ حياتي وكلّ صعوباتها وأمورها الغير مُرتَقَبة. من الآن فصاعدًا لن أعملَ بمشيئتي ولن أهتمَّ بما لنفسي قَطّ. اهتمامي الوحيد أن أعملَ ما يرضيكَ دومًا».
كلّميه هكذا وأيضًا أظهري له بأعمالِكِ أنّك أودعْتِ ذاتَكِ بالكليّةِ بين يديه، أنّ لا شيء يقلقكِ من بَعد وأنّك تتقبَّلين كلّ َأمرٍ، جيدًا كان أو سيئًا، بوداعةٍ ودون تذمّرٍ مؤمنةً بأنّه قد تمَّ بسماحٍ من الله. فَلْيكُن اهتمامُكِ الوحيد أن تثبُتي في حفظِ وصايا الربّ على الدوام.
لا بُدَّ أن تتبلورَ جميعُ مخاوفكِ فورَ تقييمكِ لأموركِ الداخليّة. أنتِ تهتمّين الآن بنفسكِ وتريدين أنْ تتضافرَ جميعُ أحوالكِ بما يتناسبُ وأهدافكِ المنشودة. وكما أنَّ ذلك لم يحصل طبعًا فأنتِ تضطربين وتستائين. «هذا لم يجرِ بالشكل ِالمتوخّى، لمْ يُنجَز أيُّ شيءٍ من ذاك». إلاّ أنّكِ إن أودعتِ كلَّ شيءٍ بثقةٍ إلى الربّ وأيْقنتِ أنَّ كلّ حدثٍ هو من الربّ ولأجل خلاصكِ، حينئذٍ لن تضطربي أبدًا، بل ستنظرين لتعايني ما أرسله الله لكِ وتعملين بمقتضاه. كلّ أمرٍ يتمّ في إطارِ وصيةٍ إلهيّةٍ معيّنة. لذا إعملي بموجب تلك الوصيّة مجاهدةً لأن ترضي الله بدلاً من إرضاء رغباتكِ الذاتية. حاولي أن تُدركي ما أقولُ واعملي به. لن تتمكّني حتمًا من القيام بذلك بين دقيقةٍ وأخرى، يحتاج هذا العمل إلى جهادٍ وصلاة.
سوف أسألُ الربَّ أن يُعتِقَكِ من هذه الكآبة التي لا تُحتمل على حدّ قولكِ، على أنْ يكون ذلك فقط مطابقًا لمشيئته الإلهية ومهمًّا لأجل خلاصك. سوف ينقذكِ بلا أيِّ شكّ في الوقت المناسب. تسلّحي بالإيمان وطول الأناة. نحن ندركُ كم سريعًا قد تتبدّل ظروفُ حياتنا. كلُّ شيءٍ يتغيّر باستمرار. كذلك ستتغيّر حالتُكِ النفسيّة. سوف يأتي اليومُ الذي تتحرّرين فيه من هذه التجربة، وتستنشقين الهواءَ مجدّدًا بسهولةٍ وتحلّقين كفراشةٍ تقودُ طريقَها فوق الأزهار. جُلَّ ما عليكِ عمله هو أن تثبتي أمام هذه الصعوبة الراهنة بصبرٍ ما دام الله يسمح بها.
عندما تضع سيّدةُ البيتِ قالبَ الحلوى في وسط النار، لا تخرجه إلى أن تتأكَّدَ من أنّه نضج. كذلك ربُّ البيتِ الذي هو ربُّ الكون قد وضعكِ في وسط نارٍ وهو يترككِ فيه إلى أن تصيري مُنقّاةً تمامًا. انتظري فقط إذًا واصبري. لن تبقَي في النار دقيقةً أطول مما تحتاجين إليه لكي تخلُصي. عندئذٍ يُريحُكِ الربُّ. إلا أنّكِ إن ابتعدتِ بنفسكِ تكونين حينها كقالب حلوى قد تُرِكَ نصفَ ناضج.
لا بدَّ أنْ أقول لكِ أيضًا،حسبَ ايماننا، إنّ هؤلاءَ الذين يصبرون على الشدائدِ دون تذمرٍ عالِمينَ أن ّالربَّ قد سمح بها لأجل خلاص نفوسهم، يشابهون الشهداء. تذكّري هذا دومًا فتتعَزّين.
صحيحٌ أنّه يستحيل لنا أن نعيشَ بلا عواطف أو مشاعرَ إلاّ أنّه لا ينبغي لنا أن نستسلمَ لها. لذلك يجِبُ عليكِ أن تضبطيها بطريقةٍ سليمةٍ وتوجِّهيها التوجيهَ الحسن. أنتِ امرأةٌ حسّاسةٌ وتتأثّرين بسرعة. فيطفحُ قلبُكِ وينصبُّ حينئذٍ إلى داخلِ ذهنكِ.
حاولي أن تقتني ضبطَ النفس. سبق أن كتبتُ ما يجبُ عليكِ فعله: فكّري مسبقًا ما قد تكون عاقبةُ كلّ انفعال. بعدئذٍ احرصي بدقّةٍ على أن تكشفي عن أيّ ِاضطرابٍ عاطفيّ في القلب، وأَحكمي السيطرةَ على قلبِكِ بالعقل بحزمٍ بالغ. ينبغي عليكِ أن تتدرّبي على ذلك، وبالتدريب سوف تقتنين تماماً ضبطَ النفس.
لكنْ كلّ شيءٍ يأتي من الله. فلنعُد إليه إذًا بالصلاة. مع ذلك تكتبين أنّك لا تصلّين. ما هذا كلّه؟ أربّما أصبحتِ ملحدةً؟ ماذا تعنين بأنّك لا تصلّين؟ ربما لستِ تتلين الصلواتِ المعروفة إلاّ أنّكِ تستطيعين أن تلتجئي إليه بكلماتكِ الخاصّةِ وتطلبي منه أنْ يعضُدَكِ: «أُنظرْ يا ربُّ ما يحلُّ بي. هذا الأمر، ذاك، والتالي... لستُ قادرةً على تدبّر أموري بنفسي. فساعدني أيها الربُّ الجزيل الرحمة». تكلّمي إليه عن كلّ حاجةٍ من حاجاتك حتى الغير مهمّة منها واطلبي منه المعونةَ دومًا. هذه هي أنقى وسيلة للصلاة.
لماذا تنصتين إليه، ذاك الذي يثنيكِ عن الصلاة؟ ألستِ تدركين أنّ هذا أيضًا هو عَمَلُ العدوّ؟ نعم هو كذلك بلا ريب. هو يهمس في أذنكِ: «لا تصلي». وإن استطاع أحيانًا أن يسودَ على جسدكِ بكامله يقودُكِ إلى النوم. كلّ هذه من مكائده. بينما يقوم الشرير بعمله محاولاً أن يصرفَكِ عن أعمال ِالصلاح ينبغي عليكِ أن تباشري بها وتواظبي على إتمامها حتى النهاية.
تسلّحي بالشجاعة كما قلتُ لكِ ولا تنصتي إلى العدوّ. لا تُبدي أيَّ اهتمامٍ قطّ بما يهمسه. وأيضًا إغضبي! إذا غضبتِ عليه فكما لو أنّك توجّهينَ ضربةً على صدره. عندئذٍ يتبدَّدُ كالدُّخان.
أرجو من كلّ قلبي أن تقتني السلامَ أخيرًا. ليكن الله هو معينك.
المصدر:
https://pemptousia.com/2019/10/spiritual-advice-on-courage-and-prayer/