القديس كيرلّس الإسكندري (شرح انجيل يوحنا، مقدمة الكتاب السادس)
تعريب: جورج لقّيس
بينما كان اليهود يتهجّمون على المسيح ويَسعَون لِرَجْمِه بالحجارة، اختفى على الفور وخرج من الهيكل مُجتازًا في وَسَطِهم وذهب بعيدًا عن شر مُطارِديه. و«بينما كان مجتازًا» رأى إنسانًا «أعمى منذ ولادته» وجَعَلَهُ كَرَمزٍ إذ من الواضح أنه سوف يبتعد عن سلوك اليهود البَغيض، وسينصرف عن الجموع المُعادِية الله، ويفتقد الأمم، وينقل لهم جَزيل رحمته. وهو يُشَبِّهُهُم «بالمولود الأعمى»، و ذلك لأنهم كانوا في ضلال منذ بداية حياتهم وكانوا مَحرومين من معرفة الله الحقيقية، ولم يكن عندهم نور من الله، أي الاستنارة بواسطة الروح القدس.
ولذلك، فمن المناسب أن نلاحظ مرة أخرى إلى ماذا يُشير افتقاد المسيح للرجل الأعمى «بينما كان مجتازًا» ويبدو لي، أن مَجيئه الأول لم يكن للأمم بل لليهود وحدهم. (كما قال هو نفسه في موضع ما: «لَمْ أُرْسَلْ إِلاّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرائِيلَ الضالَة»(مت15: 24))، ومع ذلك نقل المسيح رحمته إلى الأمم بسبب عصيان إسرائيل. وهذا ما كان قد سبق وأُنْبئ به بواسطة موسى: «فَأنَا أُغِيرُهُمْ بماَ لَيْسَ شَعْبًا، بأُمَّةٍ غَبيَّةٍ أُغِيظُهُمْ»(تث21:32). لأن الأمَّة الغبيّة هي التي تعبد المخلوق دون الخالق، وتتغذّى من الجهل فقط كالوحوش غير العاقلة، وتهتمّ فقط بالأمور الأرضيّة. ولكن إسرائيل، الذي كان حكيمًا بسبب الناموس وفَطينًا بأنبيائه، قد أثار غضب الله، فالله يُغيظُهم الآن بِدَورِه، وأولئك الذين لم يكونوا حُكَماء سابِقًا (أي الأمم) قد أخذوا مكان هؤلاء (أي اليهود). لأنه بالإيمان صار المسيحُ لهم حكمةً وقداسةً وفداءً كما هو مكتوب أي أنه صار نورًا واستعادةً للبَصَرِ أيضًا.
المصدر
https://www.johnsanidopoulos.com/2017/05/what-healing-of-man-blind-from-birth-by.html