الشيخ أفرام الذي من جبل آثوس وأريزونا (الجزء الأوَّل)

الميتروبوليت إيروثيوس، مطران نافباكتوس

تعريب شادي مخّول

 

رقد الشيخ أفرام بالرّب يومَ السبت 7 كانون الأوّل 2019، وذلك في دير القدّيس أنطونيوس في أريزونا  - الولايات المتّحدة الأمريكيّة. أُقيمت رُتبة الدّفن في 11 كانون الأوّل 2019 في الدّير المذكور وسط عددٍ من أبنائه الرّوحيّين الذين كان قد أعاد وِلادتهم روحيًّا: كهنةٍ ورهبانٍ وعلمانيّين من كلّ الأعمار والفئات.

كُرِّمَ من البطريرك المسكونيّ برسالةٍ قرأها الأرشمندريت نيقوديموس رئيس دير فيلوثيو – الجبل المقدَّس، خلال خدمة الدَّفن، وبعد ذلك ألقى هذا الأخير كلمته الخاصّة. كما كان إلبيدوفوروس رئيس أساقفة أمريكا حاضرًا، وقد قدّم وصفًا عن شخصيّة الشيخ والعمل الذي أتَمَّه.

لقد تواصلتُ مع المغبوط الذكر الشيخ أفرام على مَرّ السنين بطُرقٍ عديدة ومختلفة، سأذكر في هذا المقال بعض أفكاري المتعلّقة به.

  1. هدوئيّ ومعلّم للهدوئيّة:

بدأ هذا النجم السّاطع بالشروق في الجبل المقدَّس في ستّينات القرن الماضي. وقد أُحصيَ بين أخويّة الشّيخ العظيم يوسف الهدوئيّ والكَهفيّ. منذ ذلك الحين تميّز بالبراءة الطّفوليّة والطّاعة المطلقة ما جعله يرتقي روحيًّا.

سمعتُ بالشّيخ أفرام عندما كنت بعد تلميذًا، أي بين العامين 1964 و1968. رقد أبوه الرّوحيّ الشيخ يوسف الكَهفيّ عام 1959، وأكمل الشيّخ أفرام، بصحبة أخويّة صغيرة، طريقة عيش شيخه في قلّاية بشارة والدة الإله في الإسقيط الجديد (Νέα Σκήτη).

صار الأرشمندريت سبيريدون كزينوس، الذي كان مديرًا للنَّزل في مدينة أغرينيو حيث أمضيتُ سنوات الدّراسة، راهبًا في الإسقيط الجديد في الجبل المقدَّس. لهذا السّبب اعتدتُ الذّهاب إلى هناك في تلك الأيّام، وقابلتُ الشّيخ أفرام والذين معه، كما قابلتُ البعض ممّن كانوا مع الشّيخ يوسف الهدوئيّ منهم الأب أثناسيوس أخ الشيخ يوسف، والشيخ يوسف (الفاتوبيذيّ لاحقًا)، والرّاهب ثيوفيلكتوس، وغيرهم. اتّبع الشّيخ أفرام الحياة الهدوئيّة بأمانةٍ كما عاشها الشيخ يوسف الهدوئيّ.

ذهبتُ مرّةً، عندما كنتُ طالبًا وعلمانيًّا في ستّينات القرن الماضي، إلى قلّايته لمقابلته والاستماع إلى حديثه عن الصلاة الذهنيّة التي كنت أتوق إلى تَعَلُّمِها. وبسبب عدم اعتيادي على برنامجهم قَصَدتُهم في الصباح عندما كان هو ورهبانه مُستَريحين بعد الخدمة التي كانوا يُقيمونها كلّ ليلةٍ بمسبحة الصّلاة والقدّاس الإلهيّ.

بما أنّهم لم يفتحوا الباب عندما قَرَعتُه، بقيتُ قابعًا لوقتٍ طويلٍ في الخارج عند باب القلّاية أصلّي. فتحوا الباب بعد حوالي ساعتين وقابلتُ الشّيخ للمرّة الأولى.

كان وجهه سَلاميًّا وطفوليًّا ومُشِعًّا، وكان حديثُه لطيفًا. سألته عن صلاة يسوع، لا أذكر ما قاله لي لكنّه كان يردّد عبارتَيّ ἀδολεσχῶ وἀδολεσχία، التَّحاور والتأمّل، بمعنى أنّه يجب أن نتحاور بشكلٍ مستمرّ مع الله. قصد بذلك الصلاة الذهنيّة.

أثّرت بي هذه الكلمات، وهي التي نجدها في مزامير داوود: "في حقوقكَ تأمّلتُ"(مز118: 48). حقوق الله هي وصاياه التي يجب أن نُطبِّقَها. إحدى هذه الوصايا هي اليقظة والصلاة.

أُضيفُ هنا أنّني وجدت كتاب (Ἀδολεσχία Φιλόθεος Adoleschia Philotheos) «الحديث الوَرِع» لإفجانيوس فولغاريس، الذي هو تفسير للأسفار الموسويّة الخمسة. غير أنّ الشيخ أفرام استخدم هذه الكلمة بمعنى الصلاة غير المنقطعة، الهذيذ المستمرّ للصلاة «ربّي يسوع المسيح ارحمني».

عندما شُرطِنتُ إكليريكيًّا في بداية سبيعنات القرن الماضي، اعتدتُ الذهاب باستمرارٍ إلى الجبل المقدَّس، حينها انتقل هو والذين معه إلى دير فيلوثيو وأصبح رئيسًا للدير. وكان من الطبيعيّ أن أزور هذا الدّير المقدَّس. هناك يُشاهَد الرّهبان اليافِعون، الذين إلى جانب الخِدَم المقدَّسة، كانوا منشغلين بالصلاة الذهنيّة. كانت خَلِيّةً روحيّة لأنّه، في كلّ مكانٍ، كانت تُسمَع صلاة يسوع التي يردّدها الرّهبان هَمْسًا أثناء العمل والذهاب والإياب. لكن يمكن للمرء أن يشعر بها بعمقٍ في جوّ الكنيسة أثناء الخدم المقدَّسة والقدّاس الإلهيّ. لأنّ القدّاس الإلهيّ يكتسب شعورًا روحيًّا آخرَ عندما يخدمه كهنةٌ هدوئيّون، ويشارك به رهبانٌ هدوئيّون.

من الجوّ الروحيّ الذي في دير فيلوثيو امتلأت ثلاثة أديار أُخرى بالرهبان مُجَدّدًا: دير كاراكالّو، ودير كسيروبوتامو، ودير كونستامونيتو.

عندما كنت أذهب إلى دير فيلوثيو، اعتدتُ التكلّم مع رئيس الدّير الأب أفرام حول بعض المواضيع التي كانت تَهُمُّني. في ذلك الوقت كانت لديّ رغبة عميقة أن أتعلَّم عن العلاقة الوثيقة بين الهدوئيّة المقدَّسة والقدّاس الإلهيّ والرِّعاية.

أولًا، حدَّثَني عن الهدوئيّة المقدَّسة وعن الصلاة الذهنيّة وأساليبها. في الواقع، لقد اختَصَر الهدوئيّة المُمارَسة كما عاشها شيخه يوسف الهدوئيّ، وكما تسلّمها هو ومارَسَها وسَلَّمَها بدوره إلى أبنائه الرّوحيّين. هذا إرثٌ روحيّ.

ثانيًا، لطالما حدَّثني عن رقاد شيخه يوسف الهدوئيّ. أذكُر جملة "لم أرَ أبدًا مِيتةً أكثرَ بَسالةً من مِيتة شيخي". طريقة كلامه كانت تُشير إلى بداية سرّ. لقد كُتِبَت هذه الأمور، لكن طريقة روايته لها لا تتكرّر، أي بصوته العذب وطريقة إلقائه البطيئة، والجوّ الوَرِع الذي يسيطر على الدّير خاصّةً بعد صلاة النوم.

 

المصدر:

https://www.johnsanidopoulos.com/2019/12/elder-ephraim-hagiorite-of-arizona-1-of.html