الفُتور الرّوحي
القديس إغناطيوس بريانتشانينوف
تعريب: ماهر سلّوم
لقد أخبَرَتْنا الأناجيل اليوم[1] عن مآثر النّسوة القدّيسات اللواتي تَبِعنَ الإله-الإنسان خلال تَنَقُّلاتِه على الأرض. لقد شَهِدنَ آلامَه وكُنَّ موجوداتٍ عند دَفنِه الذي جرى عشيّة يوم الجمعة. فيما كان غضب اليهود يجري كَحِمَم بركان "إتنا"[2]، ليس على الرب فقط، بل على جميع المُقَرَّبين منه أيضًا؛ فيما أُجبِرَ الرسل القدّيسون على الإختباء أو مشاهدة الأحداث العجيبة فقط عن بُعد؛ فيما، وحده يوحنا التلميذ الحبيب الذي اتّكأ على صدر الرب، لم يرهب شيئًا وبقي قرب الرب طول الوقت، كان يوسف الرّامي، التلميذ سرًّا والذي أخفى مَكنونات قلبه بسبب اضطهاد السَّنهدرين (مجمع رؤساء اليهود)، قد تجاهل العوائق والتَّرَدُّد والقلق التي كانت تُقَيِّدُه حتى ذلك الوقت، وحضر أمام بيلاطس، البارد والقاسي، ليتوسّل جسد الذي أُعدِمَ خِزيًا. لقد حصل على جسد الرب ودَفَنَهُ بكل وقار وإجلال.
تُشير الأناجيل أن عمل يوسف كان عظيمًا وشُجاعًا، لقد كان هكذا حقًّا. بوجود السَّنهدرين الذي ارتكب قتلاً لله، في أورشليم ذاتها التي شاركت بهذا القتل، قام عضوٌ في السَّنهدرين بإنزال جسد الإله-الإنسان، المَقتول من قِبل أناسٍ، عن الخشبة وحَمَلَه إلى البستان الواقع قرب مداخل المدينة والأسوار. هناك، تحت الأشجار المُظَلِّلة، وضع، بمفرده وبصمتٍ، الجسدَ الذي اُفْتُدِيَتْ به جميع نفوس وأجساد البشريّة، في قبرٍ جديدٍ مَنحوت في صخرة، مع وَفرةٍ من الطّيوب والزّيوت، ولفّه، ككنزٍ ثمينٍ، بأكفان نقيّة مصنوعة من الكَتّان. شارك عضوٌ آخر من السَّنهدرين بِدَفن الرب. هذا كان نيقوديموس، الذي أتى إلى الرب ليلاً واعترف أن الرب هو مُرسَلٌ من الله. وإذ دحرج حجرًا عظيمًا على باب القبر – الباب الذي تُسَمّيه الأناجيل فُتحَة منخفضة للكهف - أنهى يوسف خدمته بطريقة مَرْضيّة ومضى. تتبّع السَّنهدرين حركات يوسف. حين رأوه قد مضى، أتوا بِحُرّاسٍ على القبر خاتمين الحجر الذي يغلق المدخل. لقد شهد على دفن السيّد أصدقاؤه وأعداؤه معًا. رغم أن بعض أعضاء السَّنهدرين اقترفوا شرًّا عظيمًا بغضبهم المَسعور، فقد جلبوا تضحية عظيمة من دون وَعيِهِم (أعمال 18:17): فمن خلال قَتلِهم الذّبيحة الكُلّية النقاوة، افتدوا سائر البشريّة وأنهوا الذّبائح المُتَعَدِّدة وغير المُثمِرة، وجعلوها تافهة بالإضافة إلى مؤسّستهم نفسها. أعضاء آخرون في السَّنهدرين، مُمَثِّلو شعب العهد القديم البارّ، قاموا بخدمة دفن السيّد بنفس ونِيّة مُرضِيَة لله، وأنهوا وخَتَموا أفعال التّقوى لأبناء العهد القديم بهذا العمل. تبدأ خدمة أبناء العهد الجديد المُمَيَّزة منذ هذه اللحظة.
لا تَقِلّ شجاعة النسوة القدّيسات عن يوسف المُتَفاني. إذ كُنَّ حاضراتٍ عند الدّفن يوم الجمعة، لم يَجِدنَ الوقت مُوافِقًا يوم السبت – يوم الرّاحة – للإخلال بالسلام الذي كان يرقد به جسد المسيح في الظلام المقدَّس منفردًا في القبر. لقد تقصّدت النسوّة بِسَكبِهنّ الطّيب على جسد السيّد أن يُظهِرنَ غيرَتَهنّ الفائضة نحو السيّد. عندما عُدنَ من الدّفن يوم الجمعة، أحضرنَ فورًا كمّية وافرة من المواد المُطَيِّبة وانتظرنَ بزوغ النهار الذي بعد السّبت، الذي كان يُسَمّى حينها "الأسبوع" والذي نُسَمّيه الأحد. في ذلك اليوم، فَور شُروق الشمس، ذهبت النسوة التَّقِيّات إلى القبر. تذكَّرن في الطّريق أن القبرَ مُغلَقٌ بواسطة حجرٍ عظيمٍ. قَلِقنَ بسبب هذا الأمر وكُنَّ يَقُلنَ فيما بينهُنَّ: “مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا ٱلْحَجَرَ عَنْ بَابِ ٱلْقَبْرِ؟” (مرقس 16:2). كان الحجر عظيمًا جدًّا. وإذ وَصلنَ إلى القبر، رأينَ الحجر مُدَحرَجًا فاندَهَشنَ. لقد دحرج الحجرَ ملاكٌ مُنيرٌ وعظيمٌ: عند قيامة السيّد، انحدر الملاك من السماء إلى القبر، الذي حَوى من لا تستطيع السّموات أن تَحويه، فأرعدَ الحُرّاس وكسر الخُتوم ودحرج الحجر. جلس على الحجر مُنتَظِرًا وصول النسوة. عندما وصلنَ، أخبرهُنَّ بقيامة الرب قائلاً لهن أن يُعلِمن التلاميذ. بسبب غيرتهنَّ للإله-الإنسان وبسبب عَزمِهِنَّ على تكريم الجسد الكُلّي الطهارة الذي يحرسه العسكر ومن خلفهم السَّنهدرين الشديد الحقد، كانت النسوة القدّيسات أُوَلَ الناس الذين نالوا شهادة دقيقة وأكيدة لقيامة المسيح؛ لقد أصبحنَ أُوَلَ المُبَشِّرين بالقيامة، بما أنهنّ سَمِعنَها من شَفَتَي الملاك. إلهنا الكامل لا يُحابي: كل الناس مُتَساوون بالنسبة له، والذين يَسعَون نحوه، بالكثير من التَّفاني، يُجعَلون مستحقّين لعطايا إلهيّة جَزيلة خاصّة ولِبَهاءٍ روحيّ.
مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا ٱلْحَجَرَ عَنْ بَابِ ٱلْقَبْرِ؟ كلمات النسوة القدّيسات هذه لها مِعناها السِّرّي الخاص. إنها كلمات مُقَدِّسة لدرجة أن محبّتنا للقريب ورغبتنا بمنفعته الرّوحية لا تسمحان أن نبقى صامتين أمامها.
القبر هو قلبُنا. القلب كان هيكلاً في وقتٍ ما، لكنّه أصبح قبرًا. يدخل فيه المسيح بواسطة سر المعموديّة كي يسكن ويعمل فينا. حينئذٍ، يُكَرَّس القلب كهيكل لله. نحن نسلب من المسيح قُدرتَه على العمل فينا ونجدّد في ذواتنا "الإنسان العتيق" الذي ينجذب دائمًا لإرادتنا الساقطة ولفكرِنا المُسَمَّم بالباطِل. وبما أن المسيح حاضرٌ فينا بالمعمودّية، فهو يبقى ساكنًا فينا، لكن كَمَجروحٍ ومَذلولٍ بسبب سُلوكِنا. يُمسي هيكل الله، غير المصنوع بِيَدٍ، قبرًا ضيّقًا ومُظلِمًا، ذا مدخل مَسدودٍ بحجر عظيم. يحرس أعداء المسيح هذا القبر خاتمين مدخله بالحجر. يختمون حجر الكهف مِمّا يَزيد ثقل الحجر العظيم، ويمنع هذا الختم أي أحد من لَمس الحجر. يحرص أعداء المسيح أن يُحافظوا على هذا الفُتور الروحي الحاصل! لقد فكّروا مَلِيًّا وأقاموا كل هذه العوائق كي يُحبِطوا القيامة ويمنعوها ويجعلوها مُستَحيلة.
الحجر هو مرض النفس الذي بسببه تبقى سائر الأمراض الروحيّة الأخرى بلا شفاء، والذي يُسَمّيه الآباء القدّيسون اللاحِسّ[3]. كثيرون سيقولون، ما نوع الخطيئة هذه؟ لم نسمع بها قط. بحسب الآباء القدّيسين، اللاحِسّ هو فُتور المَشاعِر الرّوحية، إنه الموت غير المَنظور في النفس البشريّة بالنسبة إلى الأمور الروحية في حياة مُزدَهِرة من جهة الأمور المادّية. ابتداءً من مرض جسديّ مُزمِن، تُستَنفَذُ جميع القِوى وتضعف قُدُرات الجسد؛ عندئذٍ لا يستطيع المرض إيجاد أي طعام ويتوقّف عن تَعذيب بُنية الجسم. فيُترَك المريض وحيدًا ومُنهَكًا، كمائتٍ لا يستطيع القيام بأي حركة بسبب الضُّعف المُضني، الاعتلال الأبكم الرّهيب، الذي لا يتجلّى بأي ألم مُحَدَّد. يحدث الأمر ذاته للنفس البشريّة. فالتّواني المُزمِن، مع التَّشَتُّت المُتَواصل، والخطايا الإراديّة المُستَمِرّة ونسيان الله والأبديّة وعدم الإنتباه أو فقط الإنتباه السَّطحي لتعاليم الإنجيل تنزع من روحنا أي مَيل نحو الأمور الرّوحية وتجعلها فاتِرة. رغم استمرار وجودِ هذه الأمراض، فهي تتوارى من روحنا التي أضحت ميتة تجاهها، أي أن قوى الرّوح تكون موجّهة إلى ما هو مادّي ووَقتيّ وباطل وخاطئ.
كل مَن أراد تَفَحُّص حالة نفسه جَدِّيًّا وبدون تَحَيُّز، سوف يرى مرض اللاحِسّ في ذاته؛ سوف يرى أهمّيتَه الكبيرة وعِبْأه ونتائجه، ويجب أن يعترف أنه ظاهرة وشهادة فُتور نفسه. كم نشعر بالضّجر عندما نشاء دراسة كلمة الله! كل ما نقرأه يبدو صعب الفهم وغريبًا ولا يستحقّ انتباهنا. بأي سرعة نريد أن ننهي تلك القراءة! لماذا يحصل هذا؟ لأننا لا نشعر بأي انجذاب لكلمة الله. عندما ننهض للصلاة، كم نشعر بالبُرودة والجَفاف! كيف نُسرِع صلاتَنا الخاطِفة والكاملة التَّشَتُّت! لماذا؟ لأننا مُتَغَرِّبون عن الله: نؤمن بوجود الله بإيمان ميت؛ إنه غير موجود بسبب إحساسنا. لماذا نَسينا الحياة الأبديّة؟ هل نحن مُستَبعَدون أن نكون بين الذين يدخلون عالَمَ الأبديّةِ غير المحدود؟ ألا يقف الموت وجهًا لوجه أمامنا وأمام جميع البشر؟ لماذا كل هذا؟ لأننا لا نريد أن نفتكر في الحياة الأبديّة؛ لقد خسرنا اشتياقَنا الثمين لها، واكتسبنا إدراكًا خاطئًا لحياتِنا الأرضيّة. هذا الإدراك الخاطئ يجعلنا نعتقد أن حياتنا الأرضيّة هي غير مُتَناهية. نحن مَخدوعون بِشِدّة ومُشَتَّتون بهذا الإدراك الخاطئ لدرجة أننا نُطابِق جميع أفعالنا معه، جاعِلين كل طاقة نفسنا وجسدنا ذبيحةً للفساد، غير آبهين بما ينتظرنا في العالَم الآخر. بالنهاية، يجب أن نصير لا مَحالة سُكّانًا أبديّين في ذلك العالَم.
لماذا يصدر مِنّا الكلام البَطّال والضحك الدَّنيء وإدانة قريبنا واحتقارنا له كما من نبعٍ دافِق؟ لماذا نقضي ساعات في لهو فارغ، لا نستطيع أن نروي ظَمَأنا منها، ونتنقّل دومًا من تسلية باطلة إلى أُخرى، لكننا لا نريد أن نحدّد قسطًا ضئيلاً من وقتنا كي نُراجِع خطايانا وننوح عليها؟ لأننا صِرنا في إلْفة مع الخطيئة، مع كل ما هو باطل، مع كل ما يجلب الخطيئة للإنسان ويحفظها فيه. لأننا خسرنا إلْفَتَنا مع كل الأعمال التي تجلب لنا الفضائل الإلهية وتزيدها وتحفظها فينا. اللاحِسّ مُتَجَذِّرٌ في النفس بسبب العالَم المُعادي لله، والملائكة الساقطة التي تُحارِب الله، بمؤازرة إرادتنا الحُرّة. ينمو اللاحِسّ ويستجمع قوّته بسبب حياة مَبنيّة على مبادئ هذا العالَم؛ وعندما نتبع فكرَنا وإرادتَنا السّاقطة، عندما نتخلّى عن خدمة الله ولأننا نخدمه بِتَهاوُنٍ. عندما يَركُد اللاحِسّ في النفس ويصير مُلكًا لها، يقوم العالَم ورُؤَساؤه بوضع الختم على الحجر. يتألّف هذا الختم من اجتماع النفس البشريّة مع الأرواح الساقطة، من إدراك الروح للجَسَدِيّات الآتية من الأروح الساقطة، ومن خُضوع الروح لتأثير هذه الأرواح الشَّديد وسيطرتها.
مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا ٱلْحَجَرَ عَنْ بَابِ ٱلْقَبْرِ؟ هذا سؤال مملوء بالأسى والحزن والإرتياب التي تشعر به النفس وقد توجّهت بها نحو السيد وتخلّت عن خدمة العالم والخطيئة. وإذ تُحَدِّق، يَظهر لها مرض اللاحِسّ بكل ضَخامتِه وعِبئه الرهيب. تشتاق النفس وتُصَلّي بِنَدَم، وتُزاوِل قراءة كلمة الله فوق أي قراءة أخرى، وتبقى على يَقين بخطيئتها مُغتَمَّة من أجلها باستمرار. باختصار، تشتاق أن تصبح جزءًا من الله وتكون له. تواجه مقاومة غير مُتَوَقَّعة في ذاتها غير معروفة للذين يخدمون العالَم: عدم إحساس القلب. إن القلب المُصاب بحياته المُتَهاوِنة السابقة كما بِجُرح مُميت لا يكتشف أي إشارة للحياة. يحاول الذِّهن عَبَثًا جَمعَ أفكاره عن الموت ودينونة الله وخطاياه المُتَعَدِّدة وعذابات الجحيم وحلاوة الفردوس؛ يحاول الذِّهن عَبَثًا قَرعَ الصَّدر بهذه الخواطِر – يبقى القلب فارغًا من أي مَشاعِر لها، كأن الجحيم والفردوس ودينونة الله والخطيئة وحالة السقوط والمَنون لا علاقة لها بالقلب. القلب غارق في سُبات عميق، في سُبات الموت؛ إنه نائمٌ، ثَمِلٌ بِسُمّ الخطيئة. مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا ٱلْحَجَرَ عَنْ بَابِ ٱلْقَبْرِ؟ هذا الحجر عظيم جدًّا.
بحسب تعاليم الآباء القدّيسين، من أجل التَّغَلُّب على اللاحِسّ، على الإنسان اتّخاذ إجراء ثابت وغير مُنقَطِع ضد ذلك اللاحِسّ؛ عليه أن يعيش حياة ثبات وتقوى وانتباه. حياة كهذه تُحاصِر حياة اللاحِسّ؛ لكن موت الروح البشريّة هذا لا يمكن إماتَتُه بِجُهود بشريّة وحدها – اللاحِسّ يَزول بفعل النعمة الإلهيّة. ينحدر ملاك الرب، بأمر الله، ليساعد النفس المضطربة والمُجاهِدة، يُدحرِج حجر القساوة عن القلب، يملأ القلب بالنَّدَم، ويعلن للنفس القيامة التي هي النتيجة الطبيعيّة للنَّدَم[4]. النّدم هو أول إشارة لقلب يحيا مُجَدَّدًا في سبيل الله والحياة الأبديّة. ما هو النّدم؟ النّدم هو شعور الإنسان بالرّحمة والرّأفة تجاه ذاته، تجاه حالته المُذْرِية والساقطة، حالة الموت الأبدي. يخبرنا الكتاب المقدّس عن أهل أورشليم الذين وصلوا إلى هذا الشّعور بسبب بشارة بطرس الرّسول ومالو إلى قُبول المسيحيّة و"نُخِسُوا فِي قُلُوبِهِمْ" (أعمال 37:2)[5].
لم يكن جسد الرب بحاجة الى الطّيب الزّكي التي أتت به حاملات الطّيب. لقد كان للقيامة الأسبَقِيّة على الدَّهن بالطّيب. لكن، بإبتاعِهِنَّ الطّيب اللائق ووصولِهنّ المُبكِر مع شُروق الشمس إلى القبر المُعطي الحياة، ازدرائهنّ بالخوف من غضب السّنهدرين ومن الحُرّاس العساكر الذين يَضبُطون القبرَ والمَدفونَ فيه، أظهرت النسوة القدّيسات إهتمامهنّ الصادق بالسيد. كانت هَدِيّتُهنّ غير ضروريّة وتمّ تَعويضُها مئة ضعفٍ بظهور الملاك الذي كان غير منظور لهنّ حتى ذلك الوقت، وبالبُشرى التي كانت حقيقيّة تمامًا – أن الإله-الإنسان قد قام وأقام معه البشريّة.
ليس الله بحاجة لِتَكريس حياتنا وكل قِوانا وقُدُراتِنا لخدمته، بل نحن بحاجة لهذا التَّكريس. نحن نأتي بحياتنا وخِدمتنا كالطّيب إلى قبر السيد. سوف نبتاع الطّيب اللائق – أي نَوايانا الحَسَنة. سوف نرفض أعمال الخطيئة منذ شبابنا حتى الآن، وبدلاً عنها سوف نبتاع الطّيب – أي نَوايانا الحَسَنة. من المُستَحيل الجَمع ما بين خدمة الخطيئة وخدمة الله: فالأخيرة تُزيل الأولى. لن نسمح للخطيئة أن تجعل علاقتَنا بالله وبكل الأمورِ الإلهيّةِ فاترةً! لن نسمح للخطيئة أن تترك فينا سِماتِها أو أن تسيطر علينا بالقوّة.
كل مَن يلتحق في خدمة الله منذ أول شبابه ويبقى في الخدمة بِثَباتٍ يُخضِع ذاته لقوّة الروح القدس الأزليّة، ويضع في ذاته السِّمات المقدَّسة المملوءة نعمةً والصّادِرة من الرّوح، ويَحوز في وقت موافق على معرفة فاعِلة لقيامة المسيح، وتحيا روحُه بالمسيح، ويصير مُختارًا من الله أن يكون مُبَشِّرًا بالقيامة لإخوته وأخواتِه. كل من أصبح عبدًا للخطيئة من خلال جهله أو مَيلِه للخطيئة، والذي دخل في لقاء مع الأرواح السّاقِطة، قد أضحى واحدًا منها وخسر في روحه العلاقة مع الله والإلهيّات – فليَشفِ نفسَه بالتوبة. لا نؤجِّلَنَّ شفاءنا من يوم ليوم، كيلا يختَطِفنا الموت على غَفلةٍ، كيلا نحصل عاجِزين عن الدّخول إلى مَساكِن الرّاحة الأبديّة والتَّعييد، كيلا نُطرَد خارِجًا ونُلقى كالعشب اليابِس بنيران الجحيم التي لا تنطفئ لكنها لا تُفني. إن الشّفاء من الأمراض المُزمِنة لا يحصل بسرعة وبشكل مُلائم كما يتخيّل الجهل. هناك سبب لماذا تَمنحُنا رحمة الله الوقت للتّوبة؛ هناك سببٌ لماذا يتوسّل جميعُ القدّيسين اللهَ كي يعطيهم الوقت للتّوبة. الوقت لازم لِمَحو آثار الخطايا؛ الوقت لازم لنا كي نتّسِم بعلامات الروح القدس؛ الوقت لازم كي نتطهّر من الدّنس؛ الوقت لازم كي نتسربل بلِباس الفضيلة، كي نتزيّن بالمَزايا الإلهيّة التي تُزَيِّن سُكّان السماء.قام المسيح بالإنسان الحاضر للقيامة، وأصبح القبر – القلب – هيكل الله مُجَدَّدًا. قُمْ يَارَبُّ! خَلِّصْنِي يَا إِلَهِي! (مزمور 7:3)؛ إن خَلاصي يَكمُن في قيامتك العجيبة واللازِمة. آمين.
http://http://orthochristian.com/53230.html