خَلِّص يا ربّ شعبًا يائسًا

الأب الراهب افتيميوس، قلاية القيامة – كابسالا

صفحة القديس غريغوريوس بالاماس

 

في أيامنا العَصيبة هذه التي نَمُرُّ بها وخلال أيّام الأسبوع العظيم المقدسة، من المفروض إلتزام الصمت والصلاة. لكن، وبسبب تَناقُل بعض الآراء المَنسوبة لي مُؤخَّرًا على الإنترنت، ومن أجل تِبيان الحقيقة، كي لا يشوبها أي ضرر، أورد التالي:

لم أُملِ على أحد بتخزين المؤن بسبب حرب وَشيكة، كما ولم أتنبّأ بنهاية خطر فايروس كورونا كما نشر البعض بطريقة غير مسؤولة لا تَمُتُّ للحقيقة بِصِلة. كما وبدون بَرَكتي، نشروا أحاديث وتناولوها من وُجُهات نظر غير دقيقة ومُتَضارِبة مُتَعلِّقة بموضوع فيروس كورونا، والتي تسبّبت بتساؤلات عِدّة.

يظهر رأيي بالأمور الحاصلة بشكل واضح، وهو رأي شخصي بَحت، خالٍ من أيّة نِيّة لِفَرضِه على الآخرين.

يُضاف الآن خطر الفايروس الذي أصبح كابوسًا بالنسبة إلى كلّ المشاكل المُضنية التي يعاني منها الناس. يعاني الناس من الخوف والرعب والحَجر اللاإرادي أكثر من الفيروس.

اتخذت الحكومة إجراءات وقائيّة، ولكن للكنيسة أسلحتها الخاصة لمواجهة الفايروس. نرى الكنيسة اليوم خاضعة أكثر من أي وقت سابق، مُستَضعَفة ومُقَيَّدة من السلطة، غير قادرة على منح الأسلحة لمؤمنيها.

قديمًا وفي حالات مشابهة لأوبئة مميتة، كان يتمّ تقديس المياه وتُقام الزِّيّاحات بالأيقونات المقدّسة وذخائر القديسين. لماذا لا تُتَمَّم هذه الأمور اليوم؟ "ها إنّ يد الربّ لم تُقَصِّر" (إش 1:59) عن أن تُعينَنا اليوم أيضًا.

في العقد الثالث من القرن العشرين، ضرب قريتي مرضٌ مُعدٍ توفي على إثره خمسون طفلًا صغيرًا خلال أيّام قليلة. لم تكفِ القبور لدفنهم. جاؤوا حينها بهامة القدّيس خرالمبس من دير القدّيس استفانوس في جبال الميتيورا[1] وعلى الفور كُبِحَ الوباء المميت.

منذ أن تَمّم الربّ العشاء السريّ وسلّم السرّ الكليّ القداسة، سرّ الشكر الإلهيّ، لم تتوقّف إلى يومنا هذا إقامة الليتورجيا الإلهيّة، الذي هو خلاص العالم.

لم يستطع، لا ذيوكليتيانوس[2]، ولا الأتراك، ولا الشيوعيون في روسيا، ولا الألمان خلال سنوات الإحتلال، أن يوقفوا القدّاس الإلهيّ ولا اشتراك المؤمنين في المناولة الإلهيّة.أمّا الآن وخَوفًا من الفايروس أغلقوا الكنائس وحُرِم المؤمنون من النعمة المخلِّصة التي للأسرار، والتي هم بِأمَسّ الحاجة لها.

في المقابل، وفي حين أنّ الجميع يصمت من الخوف هنا، تُقام في الكنائس الأرثوذكسية في صربيا، وبلغاريا، وجورجيا الخدم الإلهيّة دون انقطاع. الكنائس مفتوحة، يُقام القدّاس الإلهيّ ولا يخاف المؤمنون العدوى من المرض.

ما تفرضه الحكومة الحاليّة من إجراءات هو مخالفٌ للدستور، ومُجحَف، ومُبالَغ به وغير عادل بحقّ الأرثوذكس اليونان، وقد خلق مناخَ الذعر الذي تزيد وطأته وسائلُ الاعلام.

نعم الوباء موجود والوقاية الصِّحّية واجبة للحفاظ على صحّتنا وصحّة الآخرين. لكنّ الخوفَ يجب أن يختفي، لأنّ الإنسان في حالة الخوف لا يستطيع أن يفكّر وأن يتصرّف بطريقة عاقلة وبتمييز.

في حدث مُشابِه، عندما تمّ ضرب محطّة تشرنوبيل، تسلّط الرعب على الناس حينها وقاموا بفحص الخضار والفاكهة ليأكلوا تلك التي تحتوي على أقلّ نسبة من الإشعاعات النوويّة.

سُئِلَ البار باييسيوس عن رأيه، فقال: لِنَرسُم إشارة الصليب ونأكل بلا خوف، مُقَدِّمًا ذاته نموذجًا أوّلاً لذلك. لو كان حيًّا الآن، لكان من غير المعقول أن نراه بِكَمّامة أو قُفّازات، أو أن يحمل في جَيبِه المُعَقِّمات، أو أن يتجنّب الناس أو أن يكلّمهم عن بعد.

من المؤكد أنّه كان سيُهَدِّئ الناس وسَيُعينهم على إبعاد الخوف ولكن أكثر من كلّ هذا، كان سيحزن جدًّا لإغلاق الكنائس.

إنه ليس مُناسِبًا أن ينتاب المسيحيّين هذا الخوف. أن ينتابهم خوفٌ كهذا هو أمرٌ غير مناسب، فلهم الإله-الإنسان خير نموذج يُلهِمُهم، إضافة إلى شهداء إيماننا.

يترقّب كثيرون ويقلقون على فايروس كورونا بإيجاد اللقاح والذي سيكون مُلزِماً للكل. نحن نرفض التَّلقيح. من يخاف، فليخضع للقدْرِ الذي يشاء من اللقاحات، لكن عليه أن يعرف أنّه قد تَنجُم لديه مُضاعفات خطيرة وغير مُتَوَقَّعة، كَتِلك المُضادّة لإنفلونزا الطيور، التي تمّ بها تلقيح عددٍ من الأولاد، قبل سنوات قليلة، وأُصيب عدد كبير منهم بالشلل. أيضًا التَّصَلُّب اللُّوَيحي الذي أصاب العديدَ إثر تلقيحهم بلقاح التهاب الكبد الفيروسي ب (Hepatitis B vaccine). والأمر عينه يحصل أيضا عند استعمال لقاحات أخرى.

ما هي قدرة اللقاحات والأدوية على الوقاية، أمام قدرة الله على الوقاية؟

بهدف الوقاية من الكوليرا، أثناء رحلة له الى الخارج، قام المُلحِد كزانتزاكيس[3] بتلقيح نفسه ولكن رغم ذلك أصيب بالمرض.

نحن لدينا لقاحات سماويّة (عُلويّة) وأدوية عدم الموت، أعني الأسرار المقدّسة. لدينا أطِبّاء مُجرِّبين ومُتَخَصِّصين لمواجهة الفايروس، أعني القديس خرالمبس والقدّيس بيصاريون دوسيكون[4]، الشافِيَين من الطاعون وعدّة قديسين آخرين.

لكن الآن ومع هذه الضوابط القاسية يبقى الشعب بلا عون وبلا تعزية.

في حين أنّ الجميعَ يُصارِعون لمواجهة الفيروس، آخرون لديهم نوايا مخفية وأهداف تصبّ في مكان آخر.

يفيد أطباء وعلماء لامعون بأنّ ما يحصل هو امتحان "للخصوع"، لكيما يسوقون الأشخاص بأيديهم إلى حيث يريدون.

إلى وقت ليس ببعيد، كان يبدو هذا الأمر غريبًا وغير ممكن ولكنّه ليس بخيالٍ، فالناس تقوله عَلَنًا:"أظهر وباء كورونا وبشكل واضح الحاجة لقيادة عالميّة ديموقراطيّة" (يورغوس باباندرايو)[5]، كما ويقترحون "أن يكون لكلّ إنسان شَريحة رقمية (microchip) تحتوي على البيانات البيومتريّة المرتبطة بالفايروس أو أيّ إحصاءات وبائيّة أخرى". (إفانغلوس فينيزيلوس)[6]. يتكلّم هؤلاء جهارًا عن خَتم وعن ديكتاتورية عالميّة. لكن هل نحن نفهم؟ هل نعرف ماذا نفعل؟ بالرغم من كلّ ما كتبه وقاله البار باييسيوس عن هذا الموضوع.

هل من الممكن أن نثق بهؤلاء الأشخاص الذين جَعَلونا عَبيدًا لِمُقرِضين غرباء، والآن يقودوننا لعبوديّة ضدّ المسيح (المسيح الدَّجّال)؟

شدّد البار باييسيوس عندما سبق فتكلّم عن الصّعوبات المقبلة قائلاً: فقط ومن خلال حياة روحيّة جيّدة، نستطيع أن نَتخطّاها.

سمح الله بهذه التّجربة المَهولة بسبب خطايانا. لدينا حاجة لتوبة صادقة، وصبر لا ينفذ، ولصلاة غير منقطعة تُشَدِّد إيماننا.

نتمنّى أخويًّا قيامةً مجيدةً بأيّ ظرف كان.

الرب القائم، والمُحيي، والمنتصر على الموت يُعَزّينا ويُنيرُنا بنور قيامته جميعًا ويَهَب القوّة والثَّبات لشعبه لِنَصِل بنعمته إلى النجاة من الخطيئة ومن كلّ المصائب. آمين.

 

بنفسٍ مُتَأَلِّمة

ومحبة أخويّة صادقة

الأب الراهب افتيميوس

قلاية القيامة – كابسالا

الجبل المقدس

14 نيسان 2020

    المصدر:

https://www.romfea.gr/agioritika-nea/36487-gerontas-euthumios-kurie-soson-laon-apegnosmenon

 


[1] - استشهد القديس خرالمبوس في عهد الإمبراطور الروماني سبتيموس ساويروس (194-211م)، جمجمته الى اليوم محفوظة في دير القديس استفانوس في المتيورا في اليونان، فيما بقية أعضائه موزعة في أمكنة عدة بينها جبل آثوس وفلسطين وقبرص والجزر اليونانية وكريت وتركيا. وله في بلاد اليونان إكرام جزيل وتُنسَب إليه عجائب كثيرة.

 

[2] - ديوكلتيانوس كان امبراطور روماني حكم في الفترة من العام 284 حتى العام 305م. أصدر ديوكلتيانوس أربعة مراسيم بين سنتي 302 و305 م. تحث على اضطهاد المسيحيين، وقد شهدت هذه المراسيم حرق الأناجيل والكتب الدينية ومنع المسيحيين من التجمع وهدم الكنائس وقتل أكثر من ألف مسيحي وتحريم القيام بأي صلوات أو طقوس دينية، وقتل كل رجال الدين المسيحيين.

[3] - كاتب وفيلسوف يوناني ملحد، ولد عام 1883 وتوفى عام 1957، اشتهر بروايته "زوربا اليوناني". 

[4] - القديس بيصاريون دوسيكون (القرن 15-16)، خدم مرقص أسقف لاريسا لسنوات طويلة، تميز بتواضعه وطاعته، خلفه عند مماته. أسس دير دوسيكون. رقد بسلام في الرب.

[5] - رئيس سابق للحكومة اليونانية، تولى منصب رئاسة الوزراء في الفترة الممتدة بين العامين 2009 و2011.

[6] - سياسي يوناني، تولى منصب نائب رئيس الوزراء ووزير مالية اليونان سابقاً، وهو حالياً عضو البرلمان اليوناني عن الحركة الاشتراكية اليونانية (باسوك) عن الدائرة الانتخابية الأولى في تسالونيك.