كونوا كالملائكة

الأب جورج كالتشو

تعريب فيرنا جدعون

 

سنعود ربّما بعد القيامة إلى حياتنا اليوميّة، وسنصرخ "اصلبهُ" مثل ما فعل اليهود الذين استقبلوا يسوع في أورشليم فارشين ثيابهم في الطّريق أمامه ومستقبلين إياه بأغصان النّخيل… هكذا سنتصرّف نحن لاحقًا… لكنّنا سنَحفَظُ في قلوبنا حنينًا إلى لحظات النّقاوة، إلى العلاقة مع الله، إلى الإنفصال عن خطايا هذا العالم. ما من شيءٍ أكثر سُموًّا في هذا العالم مثل الإنفصال عن العالم. يوم، يومان، أسبوع، أو أكثر...انقطعوا عن العالم من حينٍ لآخر...الأمرُ أشبه بنصف ساعةِ راحةٍ بعد تعبٍ جزيل.

 

إنّ درب المخلِّص نحو آلامه الطّوعيّة، هذه المقاساة، هو أمرٌ لطالما اختبرته كنيسة المسيح. لطالما اضطُهِدَت الكنيسة منذ البداية وحتّى يومنا هذا، لأنّها جسدٌ "غريب"  وسماويّ. هي مركز ملكوت الله في عالمٍ عِلمانيّ، ملحِد، تسيطر عليه الأهواء والغرائز بشكلٍ متزايد. أترون؟ كلّما ازدادت الحُرّيّات (الّتي فهموا معناها بشكلٍ خاطئ بالطّبع)، يطالبون بحريّة استخدام الكحول، حرّيّة الجنس، عبادة الأشخاص (الوثنية)، الإنحراف… يُجرَح هذا العالم وينزعج بسبب وجود جسدٍ غريبٍ ومقدَّسٍ، وجود كنيسة الله، وجود المسيح الذي يقدّم نفسه ذبيحةً في كلِّ أحدٍ وكلِّ عيدٍ، محوّلًا الخبز والخمر إلى جسدهِ ودمهِ.

 

خلال الفترة الّتي كانت تُدَمَّرُ فيها الكنائس (خلال الحكم الشّيوعي في رومانيا)، كانت الحجارةُ تصرخ. كانت الكنائس تُهدَم فيأتي المؤمنون في اللّيالي ليلتقطوا قطعة جصٍّ أو قرميدةٍ أو أي غرضٍ مقدَّس. جَمَعَ النّاس هذه الحجارة لأنّها كانت تتكلّم، كانت تصرخُ شاكيةً عن الإضطّهاد والظُّلم والمقدَّسات الّتي ألقاها خدّام الشّيطان أرضًا وداسوها بأرجلهم. لقد تنبأ المخلّص بأنّ الحجارة سوف تصرخ… وبالفعل، لقد صرخت وسوف تظلُّ تصرخ في المستقبل.

 

لقد تغيّرنا، لم نعُد مَن كنّا عليه في السّابق. لقد فهمنا اليوم سويّةً مع أولاد اليهود (متّى 21: 15) أنَّ المسيح مَلِكنا بالفعل، وأنّنا من دونه لا نقدر أن نفعل شيئًا (يوحنّا 15: 5)، وأنّنا بتبنّيه لنا، أصبحنا أولاد الله بالتّبنّي. توبوا وارجعوا عن ذنوبكم كلّها (حزقيال 18: 30).

ينبغي أن يكون أسبوع الآلام هذا، أسبوع آلامنا نحن، وتوبتنا وتندّمنا. أولئك الذين لم يصوموا، إحفظوا الصّوم هذا الأسبوع. أولئك الذين لم يُصلّوا، صلّوا الآن. مَن كان منكم عاجزًا عن المحبّة، اشرع بالمحبّة. سامحوا من أخطأ إليكم. أنتم يا من لم تكُن لكم القدرة يومًا على مسامحة أدنى الأخطاء حتّى… كنّا نُبدي ردّةَ فعلٍ سيّئة إذا ما قال لنا أحدهم شيئًا، وكأنّما شيطان الكبرياء الذي فينا قد جُرِحَ جُرحًا للموت. إلّا أنّ موته يتحقّق فعليًّا عبر الغفران الذي نقدّمه لِمَن جَرَحَنا وأهاننا وتطاول علينا… هذه هي الضربة القاضية الّتي نوجّهها ضدّ شيطان الكبرياء الذي فينا…

 

اجعلوا هذا الأسبوع أسبوعًا للتطهُّر، لحياةٍ ملائكيّة. كفّوا عن الأكل المفرط، عن شرب الخمر، عن التّدخين، عن كلّ الأهواء الّتي تسيطر عليكم. حاولوا أن تكونوا صالحين، حاولوا أن تُصلّوا… لو تأمّلتم بالمسيح خمسَ دقائقٍ فقط يوميًّا قبل الخلود إلى النّوم، ستعاينون البركة الّتي سوف تسكن قلوبكم، سوف تعاينون ما يأتي به إلى حياتكم حضور المسيح، والتّحوّل الرّوحيّ الذي يحصل فيكم، لن تعودوا كما كنتم قبلًا.

 

فليمنحنا الله، عبر التوجّع والآلام، أن ندفن ذواتنا مع المسيح، ونموت معه، لننهض معه قائمين من جديد في يوم الفصح العظيم.

 

المصدر:

 https://otelders.org/theology-and-spirituality/lets-like-angels-holy-week-fr-gheorghe-calciu/