القدّيس سيرافيم ساروف
تعريب: شادي مخّول
يفسّر القدّيس سيرافيم ساروف، في هذه الفقرة المُقتَبَسة من حواره مع نيقولاوس موتوفيلوف، مثل العذارى العشر:
في مَثَل العذارى الحكيمات والجاهلات، عندما نَفَد الزيت من الجاهلات قيل لهنَّ: «إذهبنَ إلى الباعة وابتعنَ لكنَّ». لكن عندما ابتعن الزّيت، كان باب الخدر قد أُقفِلَ ولم يتمكنَّ من الدخول. يقول البعض إنّ نقص الزّيت في مصابيح العذارى الجاهلات يرمز إلى نقص الأعمال الصالحة في حياتهنَّ، لكنّ هذا التّفسير ليس صحيحًا بما فيه الكفاية. لماذا يجب أن يفتقرنَ إلى الأعمال الصالحة إن كنَّ يُدعَون عذارى، حتى الجاهلات منهنَّ؟ البتوليّة هي الفضيلة الأسمى، حالةٌ ملائكيّة، ويمكنها أن تحلّ مكان جميع الأعمال الصالحة الأخرى.
أعتقد أنّ ما كنَّ يفتقِدْنَه هي نعمة روح الله الكليّ القداسة. مارست أولئك العذارى الفضائل لكن، بسبب جهلهنَّ الرّوحيّ، ظنَنَّ أنّ الحياة المسيحيّة ترتكز بكلّ بساطةٍ على ممارسة الأعمال الصالحة. فبإتمامهنَّ لعملٍ صالحٍ اعتقَدنَ أنهنَّ يَقُمنَ بعمل الله، لكنهنّ قليلًا ما اهتمَمنَ إن كنَّ قد اكتسبنَ نعمةَ روح الله. طُرق الحياة هذه، التي ترتكز ببساطةٍ على عمل الخير دون التفحّص بدقّةٍ ما إذا كانت تجلب نعمة روح الله، مذكورةٌ في الكتب الآبائيّة: «هناك طريقٌ آخر يُعتبر صالحًا في البداية، لكنّه ينتهي في أعماق الجحيم».
يقول القدّيس أنطونيوس الكبير عن هكذا عذارى، في رسائله إلى الرّهبان: «العديد من الرّهبان والعذارى لا يَفقَهون أنواع الإرادة المختلفة التي تعمل في الإنسان، كما لا يعرفون أنّنا متأثّرون بثلاثة إرادات: الأولى هي إرادة الله الكليّة الكمال والمخلِّصة؛ الثانية هي إرادتنا البشريّة الخاصّة التي إن لم تكن مُهلِكة، فهي ليست مُخَلِّصة؛ أمّا الإرادة الثالثة هي إرادة الشّيطان المُهلِكة بالكليّة». هذه الإرادة الثالثة التي للعدوّ تدفع الإنسان ليعمل أعمالًا غير صالحة، أو صالحة بدافع التكّبر، أو ببساطةٍ أن يعملها من أجل الفضيلة لا من أجل المسيح. الثانية، أي إرادتنا الشخصيّة، تدفعنا لعمل أي شيء بغية مُسايَرة أهوائنا. أو أنها تعلّمنا، كما يعلّم العدوّ، أن نعمل الخير من أجل الخير لا أن نهتمّ بالنّعمة التي ننالها منها. لكن الأولى، أي إرادة الله المُخَلِّصة، ترتكز على عمل الخير فقط من أجل اقتناء الرّوح القدس ككنزٍ أبديٍّ لا ينضُب ولا يُثَمَّن. إقتناء الرّوح القدس، إن جاز التعبير، هو الزيت الذي افتقرنَ إليه العذارى الجاهلات. لقد دُعينَ جاهلات فقط لأنهنَّ نَسينَ ثمرة الفضيلة الأساسيّة، أي نعمة الرّوح القدس التي بدونها لا يمكن لأحدٍ أن يخلص، «بالرّوح القدس كلّ نفس تحيا وتسمو بالطهر لامعة بوَحدانيّة الثالوثِ بحالٍ خفيّةٍ قدسيّة».
كان بإمكان الزيت الذي في مصابيح العذارى الحكيمات أن يُضيءَ لفترةٍ طويلة. لذا كنَّ أهلًا بأن يُقابِلنَ الخَتَن الآتي في نصف اللّيل، بمصابيحهنَّ المضيئة. لقد كنَّ أهلًا بأن يَدخلنَ معه إلى خدر الفَرَح. أمّا الجاهلات، إذ ذهبن إلى المتجرِ لكي يَبتعنَ المزيد من الزّيت بعد أن كانت مصابيحهنَّ تنطفئ، لم يتمكنَّ من العودة في الوقت المُحَدَّد إذ كان الباب قد أُغلِق. المتجرُ هو حياتنا. وباب الخدر الذي كان قد أُغلِقَ وقطع الطريق إلى الخدر هو الموت البشريّ. أمّا العذارى الحكيمات والجاهلات هنَّ النفوس المسيحيّة. الزيت ليس الأعمال الصالحة إنّما نعمة روح الله الكليّ القداسة التي تُقتَنى بالأعمال الصالحة، والتي تغيّر النفوس من حالةٍ إلى أُخرى، كمِن حالةٍ فاسدة إلى حالةِ عدم الفساد، من الموت الرّوحيّ إلى الحياة الرّوحيّة، من الظلمة إلى النّور، من كياننا المستقرّ (حيث الشهوات مقيّدة كحيواناتٍ صامتة ووحوشٍ جامحة) إلى هيكلٍ للقداسة، الخدر المنير للفرح الأبديّ في المسيح يسوع ربّنا، خالق نفوسنا ومخلِّصها وختنها.
المصدر: