القديس أندراوس الكريتي
تعريب: نديم سلّوم
هلمَّ نذهب معًا للقاء المسيح على جبل الزيتون. يعود اليوم من بيت عنيا ويدخل بمشيئته الحُرّة إلى آلامه المقدَّسة والمباركة ليتمِّم سرَّ خلاصنا. يأتي الآن الذي انحدر من السماء ليقيمنا من أعماق الخطيئة وينهضنا بنفسه، كما قيل في الكتاب المقدس إنَّه فوق كلِّ سيادة وقوة وسلطان وكلِّ اسمٍ يُسمَّى، بمشيئته الخاصة والحُرّة ليكمِّل مسيرته إلى أورشليم. يأتي من دون أُبَّهة أو مُباهاة كما يقول إشعياء النبي: "لا يصيح ولا يرفع ولا يُسمَع في الشارع صوته".
هلمَّ نسرع لمرافقته بينما هو مسرعٌ إلى آلامه ونحاكي أولئك الذين التقوا به حينها، ليس من خلال إلقاء الثياب وأغصان الزيتون وسعف النخل في دربه بل من خلال القيام بكل ما نستطيع في إخضاع أنفسنا أمامه عبْرَ التواضع والعيش كما يشاء هو. عندها يمكننا استقبال الكلمة الآتي ويصبح الله الذي لا يحويه مكان في داخلنا.
دخل المسيح بتواضعه الأماكن المظلمة في عالَمِنا الساقط وقد سُرَّ أن يتواضع من أجلنا ويأتي ويسكن بيننا ويشاركنا في طبيعتنا بُغية رَفعِنا إليه من جديد. بالرغم أنَّه قيل لنا إنه صعد الآن إلى السماوات – والدليل على ذلك قوّته وألوهيته – فإنَّ محبَّته للإنسان لن تتوقف أبدًا حتَّى يرفع طبيعتنا الأرضيَّة من مجدٍ إلى مجدٍ، ويجعلها واحدة معه في السماء.
هلمَّ نبسط أمامه، لا الثياب أو أغصان الزيتون الميِّتة التي تُبهج العين لبضع ساعات ثمَّ تذبل، بل أنفسنا، مُتَسَربِلين بنعمته، أو بالأحرى لابِسينه بالكامل. نحن الذين اعتمدنا بالمسيح يجب أن نكون الثياب التي نبسطها أمامه. الآن بعدما تمَّ غسل لطخات خطايانا القرمزيَّة من خلال المياه الخلاصيَّة للمعمودية وأصبحنا بِيضًا كالصوف الناصع، هلمَّ نقدِّم لقاهر الموت، لا سعف النخل، بل الجوائز الحقيقيَّة لانتصاره. دعوا أرواحنا تكون بَديلاً عن السعف المرحِّبة بينما ننشد مع الأطفال الترنيمة المقدسة: "مبارك الآتي باسم الرب. مبارك ملك إسرائيل".
...
هلمَّ نقول للمسيح: "مبارك الآتي باسم الرب، ملك إسرائيل". هلمَّ نرفع أمامه كالنخل الكلمات الأخيرة المنقوشة فوق صليبه. هلمَّ نظهر له الإجلال ليس بأغصان الزيتون بل بأعمال الرحمة العظيمة تجاه بعضنا. هلمَّ ننشر أفكار قلوبنا ورغباته مثل الثياب تحت أقدامه، حتَّى يُدخِلنا إلى كيانه ويجذب كل كياننا إليه ويضع نفسه فينا. هلمَّ نقول مع النبي زكريا هذه الكلمات إلى صهيون: "ابتهجي جدًّا يا ابنة صهيون. هوذا ملكك يأتي إليك. هو عادلٌ ومنصورٌ وديعٌ".
يأتي الذي هو حاضر في كلِّ مكان والمالئ الكل؛ يأتي ليتمِّم من أجلك عمله الخلاصي الشامل. يأتي الذي كان يدعو الخطأة وليس الأبرار إلى التوبة. يأتي ليعيد دعوة الذي ضَلُّوا في الخطيئة. لا تخافوا: "الله في وسطها فلن تتزعزع".
استقبلوه بِأيادٍ مفتوحة وممدودة لأنَّه قد جَبَلَكم بِيَدِه. استقبلوه فهو الذي وضع أساساتكم على راحَتَي يديه. استقبلوه لأنَّه أخذ على عاتقه كل ما يخصُّنا ما عدا الخطيئة ليحرق ما لنا (أي خطايانا) بما له (أي نعمته). إفرحي يا أمَّنا صهيون ولا تخافي. "عَيِّدي أعيادك". مَجِّديه لأجل رحمته التي أُسبِغَت علينا بواسطتك. افرحي يا ابنة أورشليم، أنشدِي وارتكضي فرحًا. "استنيري، استنيري"، هكذا نصرخ إليكِ كما أعلن إشعياء الإلهي، لأنَّ نورَكِ حلّ علينا ومجد الربِّ أشرقَ عليكِ.
ما هو نوع هذا النور؟ إنَّه الذي "ينير كلَّ إنسان آتيًا إلى العالم". إنَّه النور الأزلي والسَّرمدي الذي أُعلِن في الزمن وتجلَّى في الجسد بالرغم أنَّه أخفى طبيعته وأشرق حول الرعاة وأرشد المجوس. إنَّه النور الذي كان في العالم منذ بدايته ومن خلاله خُلِقَ العالم لكن العالم لم يعرفه. هذا هو النور الذي أتى وشعبه لم يستقبله.
وما هو "مجد الرب" هذا؟ من الواضح أنَّه الصليب الذي تمجَّد عليه المسيح شعاع مجد الآب، كما قال عندما أتى إلى آلامه: "الآن تمجَّد ابن الإنسان وتمجَّد الله فيه... ويُمجِّده سريعًا". المجد الذي يتكلَّم عنه هنا هو ارتفاعه على الصليب، لأنَّ مجد المسيح وغبطته هو صليبه كما قال بوضوحٍ: "وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إليَّ الجميع".
https://www.johnsanidopoulos.com/2017/04/oration-for-palm-sunday-st-andrew-of.html