ما من شيءٍ يُخيف الإنسان الذي يضع رجاءه على الله

القدّيس يوحنا أسقف شانغهاي وسان فرانسيسكو

تعريب: شادي مخّول

 

ملاحظة: أُرسِلَت لي هذه الرّسالة التي كتبها القديس يوحنا أسقف شانغهاي وسان فرانسيسكو، من قِبَل جورج أسقف أوستراليا (ROCOR[1]). لكلمات القدّيس يوحنا أهميّة خاصّة في ما يَخُصّ المشاكل التي نُواجِهُها اليوم. لقد عدَّلتُ ترجمة آيات الكتاب المقدّس بما يتناسب مع تلك المستخدَمة عادةً في كنيسة روسيا في بلاد الإنتشار[2].

يجب أن نعلم أنّ هذه الرّسالة قد كُتِبَت عندما كان اليابانيّون يقصفون مدينة شانغهاي. لقد بدأوا بغزو الصين في 7 تمّوز 1937. بدأوا بمعركةٍ ليحتلّوا شانغهاي في 13 آب، ولقد هزموا أخيرًا كلّ ما تبقّى من وسائل مقاومة في المدينة في 11 تشرين الثاني 1937. كُتِبَت هذه الرّسالة في 30 آب 1937 موَجَّهَةً لرعيّة اللّاجئين الرّوس، الذين هربوا من الإتحاد السوفياتي وحربه القاسية مع الجيش الأبيض، ليواجهوا حربًا أكثر رعبًا من تلك، عبر البرّ والبحر والجوّ.

 

«أَيْنَ أَذْهَبُ مِنْ رُوحِكَ؟ وَمِنْ وَجْهِكَ أَيْنَ أَهْرُبُ؟ إِنْ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَاوَاتِ فَأَنْتَ هُنَاكَ، وَإِنْ فَرَشْتُ فِي الْهَاوِيَةِ فَهَا أَنْتَ. إِنْ أَخَذْتُ جَنَاحَيِ الصُّبْحِ، وَسَكَنْتُ فِي أَقَاصِي الْبَحْرِ، فَهُنَاكَ أَيْضًا تَهْدِينِي يَدُكَ وَتُمْسِكُنِي يَمِينُكَ.» (مز139: 7، 10).

يجب أن تكون كلماتُ داوود المرنّم الإلهيّةُ والملهَمة في فكرنا خصوصًا في هذه الأيام التي يرتعش فيها العالم بكامله، والأخبار المستجدّة تأتي من كلّ صوبٍ حاملةً كلّ أنواع المِحَن والصَّدمات والمصائب.

قبل أن تتمكّن من التركيز على ما يحدث في بلدٍ ما، تُقاطِعكَ أحداثٌ أكثر تهديدًا حدثَت بغتَةً في مكانٍ آخَر. وقبلَ أن تتمكّن من فهم ما قد حصل يُباغتكَ خبرٌ آخَر ويُجبركَ على صرف انتباهك عن الأخبار السابقة، رغم أنّ تلك الأخبار لم تصل بأي شكل إلى خاتِمَتِها.

عبثًا يتشاور مُمَثِّلو الأمم بغية إيجاد حلٍّ لهذه المحنة. فيشجّعون بعضهم البعض والآخَرين، «قَائِلِينَ: سَلاَمٌ، سَلاَمٌ. وَلاَ سَلاَمَ.» (إرمياء 6: 14؛ 8: 11).

المصائب في الأراضي التي ينتشرون فيها لا نهاية لها، وهناك مصائب جديدة تحلّ بغتةً في الأماكن التي كانت تُعتَبَر آمنة وهادئة.

الذين يهربون من مشاكل مكانٍ ما، يجدون أنفسهم وسط مشاكل أُخرى في مكانٍ آخَر، وهي أكثر سوءًا. «كَمَا إِذَا هَرَبَ إِنْسَانٌ مِنْ أَمَامِ الأَسَدِ فَصَادَفَهُ الدُّبُّ، أَوْ دَخَلَ الْبَيْتَ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْحَائِطِ فَلَدَغَتْهُ الْحَيَّةُ!» (عاموص 5: 19). أو كما يقول نبيٌّ آخَر، «وَيَكُونُ أَنَّ الْهَارِبَ مِنْ صَوْتِ الرُّعْبِ يَسْقُطُ فِي الْحُفْرَةِ، وَالصَّاعِدَ مِنْ وَسَطِ الْحُفْرَةِ يُؤْخَذُ بِالْفَخِّ. لأَنَّ مَيَازِيبَ مِنَ الْعَلاَءِ انْفَتَحَتْ، وَأُسُسَ الأَرْضِ تَزَلْزَلَتْ.» (إشعياء 24: 18).

هذا ما نراه يحصل في أيّامِنا. يعمل إنسانٌ على تخطيط أعماله السلاميّة، ليقع فجأةً ضحيّةَ تحرّكٍ عسكريٍّ نشب في مكانٍ غير متوقَّع. والإنسانُ الذي ينجو من هذا التّحرُّك العسكريّ، يجد نفسه وسط أهوال الكوارث الطبيعيّة كالزلازل والأعاصير.

كثيرون يلقون حتفهم والبعض ينجون من الموت، بينما هناك من هم مستعدّون للمخاطرة بحياتهم  بدلًا من أن يبدّدوها في أماكن تُعتَبَر آمنة، لأنّهم يتوقّعون أن تحلّ  قريبًا كوارث أخرى على هذه الأماكن. يبدو أنّه في الآونة الأخيرة، ما من مكان على وجه الأرض يبقى فردوسًا سالمًا وهادئًا من مشاكل العالم.

كلّ شيءٍ أصبح مُعَقَّدًا: سياسيًّا وإقتصاديًّا وإجتماعيًّا. فكما يقول بولس الرّسول: «بِأَخْطَارِ سُيُول، بِأَخْطَارِ لُصُوصٍ، بِأَخْطَارٍ مِنْ جِنْسِي، بِأَخْطَارٍ مِنَ الأُمَمِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْمَدِينَةِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْبَرِّيَّةِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْبَحْرِ، بِأَخْطَارٍ مِنْ إِخْوَةٍ كَذَبَةٍ.» (2 كور 11: 26). وعن المخاطر التي تحدث في أيّامنا علينا أن نُضيفَ: «الخطَر من الهواء والخطر من السماء»، اللَّذين يُعتَبَران مُخيفَين بشكلٍ خاص.

لكن، كلّ هذه المخاطر التي عدَّدَها بولس الرَّسول، قد تحمَّلَها زعيمُ الرُّسلِ المجيد هذا، كان يحوي تعزيةً عظيمة. لقد عَلِمَ أنّه يتعذَّب من أجل المسيح وأنَّ المسيح سيكافِئُه على هذه المعاناة. «لأَنَّنِي عَالِمٌ بِمَنْ آمَنْتُ، وَمُوقِنٌ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ.» (2تيم 1: 12). كان يَعلَمُ أنّ الرَّبّ يستطيع أن يمنحه القوَّة اللّازمة ليتحمَّل تجاربَ أقصى، لذلك قال بجرأةٍ: «أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي» (فيليبي 4: 13).

هذه الكوارث التي نعاني منها الآن سيّئةٌ للغاية بالنسبة لنا، لأنّها حلَّت علينا بسبب عدم ثَباتِنا في الإيمان، ولأنّنا لا نتحمّلها من أجل المسيح. لهذا السَّبب، ليس لدينا أيّ أمل بِنَيْل أكاليل مقابلها.

والأسوأ من ذلك، والذي يتركنا عاجزين في جهودنا التي نبذلها لمواجهةِ مصائبنا، هو أنّنا لا نقوّي أنفسنا بقوّة المسيح. فنضع رجاءنا بالقوى والوسائل البشريّة لا بالله. ننسى كلمات الكتاب المقدَّس: «لاَ تَتَّكِلُوا عَلَى الرُّؤَسَاءِ، وَلاَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَيْثُ لاَ خَلاَصَ عِنْدَهُ. تَخْرُجُ رُوحُهُ فَيَعُودُ إِلَى تُرَابِهِ. فِي ذلِكَ الْيَوْمِ نَفْسِهِ تَهْلِكُ أَفْكَارُهُ. طُوبَى لِمَنْ إِلهُ يَعْقُوبَ مُعِينُهُ، وَرَجَاؤُهُ عَلَى الرَّبِّ إِلهِهِ» (مز 146: 3، 5). وأيضًا: «إِنْ لَمْ يَبْنِ الرَّبُّ الْبَيْتَ، فَبَاطِلاً يَتْعَبُ الْبَنَّاؤُونَ. إِنْ لَمْ يَحْفَظِ الرَّبُّ الْمَدِينَةَ، فَبَاطِلاً يَسْهَرُ الْحَارِسُ» (مز 127: 1).

دائمًا ما نحاول البحث عن قاعدةٍ ثابتةٍ غير الله. هكذا نعاني ممّا تنبّأ به النبيّ: «لِذلِكَ يَكُونُ لَكُمْ هذَا الإِثْمُ كَصَدْعٍ مُنْقَضٍّ نَاتِئٍ فِي جِدَارٍ مُرْتَفِعٍ، يَأْتِي هدُّهُ بَغْتَةً فِي لَحْظَةٍ» (إش 30: 13). الويل لمن يتّكئ على هذه الجدران! فكما يسحق الجدار المنهار المتكئين عليه، كذلك سيهلك أولئك الذين يضعون رجاءهم على الآمال الزائفة. سيكون رجاؤهم كدَعامةٍ من قصب. «عِنْدَ مَسْكِهِمْ بِكَ بِالْكَفِّ، انْكَسَرْتَ وَمَزَّقْتَ لَهُمْ كُلَّ كَتِفٍ، وَلَمَّا تَوَكَّأُوا عَلَيْكَ انْكَسَرْتَ وَقَلْقَلْتَ كُلَّ مُتُونِهِمْ.» (حزقيال 29: 7).

يختلف الموضوع كليًّا مع الذين يطلبون معونة الله. «اَللهُ لَنَا مَلْجَأٌ وَقُوَّةٌ. عَوْنًا فِي الضِّيْقَاتِ وُجِدَ شَدِيدًا. لِذلِكَ لاَ نَخْشَى وَلَوْ تَزَحْزَحَتِ الأَرْضُ، وَلَوِ انْقَلَبَتِ الْجِبَالُ إِلَى قَلْبِ الْبِحَارِ.» (مز 46: 1، 2).

ما من شيءٍ يُخيف الإنسان المُتَّكِل على الله. فهو لا يخاف من فاعلي الشَّرّ. «اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟ الرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي، مِمَّنْ أَرْتَعِبُ؟» (مز 27: 1). مرعبات الحرب لا تُخيفه. «إِنْ نَزَلَ عَلَيَّ جَيْشٌ لاَ يَخَافُ قَلْبِي. إِنْ قَامَتْ عَلَيَّ حَرْبٌ فَفِي ذلِكَ أَنَا مُطْمَئِنٌّ.» (مز 27: 3). هو هادئٌ عندما يقطن البيت. «اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ الْعَلِيِّ، فِي ظِلِّ الْقَدِيرِ يَبِيتُ» (مز 91: 1). هو مستعدٌّ ليعبر البحر. «فِي الْبَحْرِ طَرِيقُكَ، وَسُبُلُكَ فِي الْمِيَاهِ الْكَثِيرَةِ» (مز 77: 19). يحلِّقُ بجناحيه بجرأةٍ طائرًا في السماء إلى الأراضي البعيدة، وقائلًا: «هُنَاكَ أَيْضًا تَهْدِينِي يَدُكَ وَتُمْسِكُنِي يَمِينُكَ» (مز 139: 10). هو يعلم أنّه إن أراد الله أن يحمي حياته، «يَسْقُطُ عَنْ جَانِبِكَ أَلْفٌ، وَرِبْوَاتٌ عَنْ يَمِينِكَ. إِلَيْكَ لاَ يَقْرُبُ» (مز 91: 7).

حتى الموت لا يُخيفُه، لأنّه بالنسبة لمن حياته في المسيح، الموت هو ربحٌ (فيليبي 1: 21). «مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضِيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:«إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ». وَلكِنَّنَا فِي هذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا. فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ، وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ، وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً، وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ، وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.» (رو 8: 35، 39). «فَإِذْ لَنَا هذِهِ الْمَوَاعِيدُ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ لِنُطَهِّرْ ذَوَاتِنَا مِنْ كُلِّ دَنَسِ الْجَسَدِ وَالرُّوحِ، مُكَمِّلِينَ الْقَدَاسَةَ فِي خَوْفِ اللهِ.» (2 كور 7: 1).

هذا ما يقوله الرَّب: «حَلَّ قُيُودِ الشَّرِّ. فَكَّ عُقَدِ النِّيرِ، وَإِطْلاَقَ الْمَسْحُوقِينَ أَحْرَارًا، وَقَطْعَ كُلِّ نِيرٍ. أَلَيْسَ أَنْ تَكْسِرَ لِلْجَائِعِ خُبْزَكَ، وَأَنْ تُدْخِلَ الْمَسَاكِينَ التَّائِهِينَ إِلَى بَيْتِكَ؟ إِذَا رَأَيْتَ عُرْيَانًا أَنْ تَكْسُوهُ، وَأَنْ لاَ تَتَغَاضَى عَنْ لَحْمِكَ. «حِينَئِذٍ يَنْفَجِرُ مِثْلَ الصُّبْحِ نُورُكَ، وَتَنْبُتُ صِحَّتُكَ سَرِيعًا، وَيَسِيرُ بِرُّكَ أَمَامَكَ، وَمَجْدُ الرَّبِّ يَجْمَعُ سَاقَتَكَ. حِينَئِذٍ تَدْعُو فَيُجِيبُ الرَّبُّ. تَسْتَغِيثُ فَيَقُولُ: هأَنَذَا.» (إش 58: 6، 9).

يا ربّ، عَلِمّْني أن أصنع مشيئَتَك واستمع لي في أي يومٍ أدعوك.

لتكن يا ربّ رحمتك علينا كمثل اتكالنا عليك.

 

الحقير يوحنا، أسقف شنغهاي

30 آب، 1937

 

http://www.sfsobor.com/index.php?option=com_content&view=article&id=801%3Ast-john-maximovitch-nothing-is-fearful-for-the-person-whose-hope-is-in-god&catid=1%3Alatest-news&Itemid=59&lang=en

 

 

[1] Russian Orthodox Church Outside of Russia. (الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة خارج روسيا)

[2]  لقد استخدمنا في ترجمتنا إلى اللّغة العربيّة، ترجمة فان دايك للكتاب المقدَّس.