(من أحاديث رعائية)
أثناسيوس، ميتروبوليت ليماسول
تعريب جنيفر سعد
للكنيسة طُرقها الخاصّة للتّغلّب على التّحدّياتِ
سنقوم بما هو ممكن بشريًّا، ونشكر كلّ الأطراف المسؤولة والعُلماء والسّياسيين والحكومة الّذين شرحوا لنا كيفيّة التّصرّف في هذا الوضع الصّعب. من دون تجاهل الواقع الصّعب وكوننا أبناء الكنيسة، لدينا بالتّأكيد طريقتنا الخاصة الّتي تساعدنا على تحليل التّجارب التي تُواجهنا في مسار حياتنا وتقييمها والاستفادة منها. لذلك دعونا نتعامل مع هذه التّجربة بحكمةٍ، مع مراعاة التّدابير الإجتماعيّة والعلميّة وغيرها، ولكن أوّلًا وقبل كلّ شيء بالثّقة بالله، ووالدة الإله، وقدّيسي كنيستنا. فالكنيسة دائمًا تعلّمنا وتدعونا للصّلاة في الأوقات الصّعبة.
الصّلاة وحدها بإمكانها تغيير مسار الأحداث
يمكن التّغلّب على هذا الوضع الحرج. يمكن التّغلّب عليه من خلال الصّلاة. نحتاج إلى أشخاص يستطيعون بقوّة صلاتهم أن يغيّروا حالة العالم، لأنه في النّهاية، الصّلاة وحدها بإمكانها تغيير مسار الأحداث. إنّ جميع التّدابير الأخرى هي عمل بشريّ. هي تدابير جيّدة ومُفيدة، إلّا أن الصّلاة بإمكانها حقًّا، في لحظة من الزّمن، أن تغيّر كلّ شيء وتُزيل التّجربة التّي، بالمناسبة، لها جانب إيجابيّ لأنّها تعلّمنا كثيرًا.
ماذا يعلّمنا الوباء؟
يبيّن لنا ضعفنا. يبيّن لنا فناء الأمور البشريّة. يعلّمنا أنّ كلّ ما نراه من حولنا هو زائلٌ. علينا أن نُدرك أنّ رغبتنا الأساسيّة يجب أن تكون ملكوت الله. كما يقول الرّب في الكتاب المقدّس: "أطلبوا أوّلًا ملكوت الله" (مت 33:6). كلّ شيء آخر سيُعطى لكم من ربّ المجد، المسيح. إنَّ ملكوت الله هو فعلًا ما نحتاج إليه. لذلك، تدعونا الكنيسة للجهاد في الصّلاة – إلى صلاة ناتجة عن توبة وتواضع.
فلنتُب إذًا عن خطايانا وعن خطايا العالم كلّه. فلنقدّم لله قوّة صلاة ساكنة في قلبٍ متواضعٍ وتائبٍ. حينئذٍ سيَرْأف بنا الرّب ويغيّر مجرى التّاريخ.
كلّ شيء يتغيّر إذا صلّينا. وإن لم نُصلِّ، نسير إذًا في طريق بشريّ غير معلومٍ كيف سيكون وإلى أين سيقودنا.
الكنائس مفتوحة. من يريد أن يأتي!
الكنائس في قبرص مازالت مفتوحة. لن تتوقّف الخدم الإلهيّة فيها، نحن وكهنتنا في الموضع الّذي وضعنا فيه الرّب. نقدّم كرعاة للكنيسة، صلوات وخدمات وسرّ الإفخارستيّا الإلهيّ للعالم بأسره. من يرغب بهذا فليأتِ! الّذين يشعرون بصعوبة، أو يفتقرون للقوّة أو أيّ شيء آخر، فليتصرّفوا وفقًا لفهمهم للوضع. لا يحقّ لنا أن ندين الآخرين. نصلّي من أجل كلّ العالم، من أجل نسل آدم، من أجل البشريّة جمعاء.
قد يسأل أحدهم: "ولكن ألن نمرض نحن الّذين نأتي الى الكنيسة؟ سنمرض ونموت". من قال لك إنّنا خالدون في هذا العالم؟ هل فعلًا احتجت لفايروس كورونا لتكتشف أننا سنموت؟ هل فعلًا احتجت لفايروس كورونا لتكتشف أننا سنمرض؟
هل تتذكّر ما قاله شهداء سبسطية الأربعون؟ لنفعل الصّالحات بالتّفاني! بما أنّنا سنموت بجميع الأحوال، فمن الأفضل أن نموت صادقين مع أنفسنا ومرضيّين الله. لنتذكّر الموت الّذي تكلّم عنه القدّيس نيوفيطوس النّاسك الذّي من بلادنا (قبرص) أنّ العيش بمخافة الله، النّاتج عن ذكر الموت، هو فضيلة أسمى من جميع الفضائل، لأنّه يذكّرنا بأنّنا سنرحل عن هذا العالم الفاني وسنقف أمام الرّب.
جميعنا متّجهون نحو الفصح
ماذا تقدّم لنا الكنيسة؟ الشّجاعة: انتصارٌ على الخوفِ من الموتِ. ينتظرنا الموت البيولوجيّ جميعًا، دون استثناء، ولكن ليس الموت الرّوحيّ: ذاك لا يهدّد الإنسان المؤمن بالله. قال الرّب: " مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ " (يو 47:6). أي من يؤمن بالله لن يرى الموت أبدًا؛ سيموت بيولوجيًّا وليس روحيًّا. لكن هذا ما يخيفنا - الموت الروحيّ، إنفصالنا الأبديّ عن المسيح. هذا يُرعبنا. نأمل ألّا يحدث هذا لنا، لأنّ الموت البيولوجيّ مؤقّت، أمّا الرّوحيّ فهذا انفصالٌ أبديّ! سنعبر جميعنا أبواب الموت البيولوجيّ، إن كنّا قدّيسين أو خطأة. كيفما كنّا، سنتوجّه نحو الفصح، الى قيامة المسيح، الذي وطئ الموت، الذي نسمع عنه في ليلة الفصح. لا تخافوا من الموت. خلّصنا الرّب بموته من هذا الخوف. لا يوجد المزيد من الموت. هناك حياة أبديّة، المسيح، وملكوت الله إلى أبد الآبدين.
سنتجاوز بهذا الإيمان التّجربة التي اُرسلت إلينا - بدون ذعر أو خوف أو أفكار بشريّة. سنذهب، طالبين محبّة ربنا يسوع المسيح للمساعدة.
محبّة الله تغلب الخوف
نحن نعلم أنّ حياتنا في هذا العالم لها "تاريخ انتهاء صلاحية". لكننا نعلم أيضًا أنّ الموت هو انتقال من الأشياء الزّائلة إلى الأشياء الأبديّة، إلى ملكوت الله الأبديّ. إنَّ أزمة اليوم هي تقييم لإيماننا وحياتنا وأفكارنا وجودة صِلَتنا بالله الآب.
تستمرّ الكنيسة بكونها الخادم المصلّي لله الحي، بغضّ النظر عن أي حسابات بشرية وطمع. إنّها تُعطي الأمل بأنّ الله فوق الكلّ – لا كي نتجاهل الجهود البشريّة، وإنّما كي نتغلّب على الخوف من الموت. نتغلّب عليه بالحبّ. يَطرح الحبُّ المثاليُّ الخوفَ إلى خارج. من يحبّ الله لا يخاف شيئا. لا تُزعجه أي تجربة في هذا العالم، لأنّ محبة الله تغلب الخوف وتعطي شعورًا بالحياة الأبديّة.
من دون نور المسيح، لا يُحتمل الظّلام
ستُقام، في أبرشيّتنا في الكاتدرائية وفي الكنائس الأخرى، خدمة سرّ تقديس الزّيت لشفاء النّفس والجسد كلّ يوم خميس إمّا قبل صلاة النّوم الكبرى أو بعدها. تعطينا الكنيسة الدواء للحياة الأبدية وسرّ تقديس الزّيت، مع الأدوية البيولوجيّة والكيميائية التي من صنع الإنسان، لإمداد نفوسنا وأجسادنا بالقوّة لنتجاوز ما يحدث لنا – سواء الحياة أو الموت – مع الحفاظ على هدوئنا الداخليّ.
الموت وُطئ بموت المسيح كما يقول الآباء القدّيسون. فلنضع رجاءنا في المسيح. لنهتف نحو والدة الاله والآباء القدّيسين ولنتقدّم بإيمانٍ وطمأنينة. وهكذا نُريح إخوتنا. فكّر بحجم اليأسِ، بالخوف، بانعدام الأمان، بالرّعب الذي يتربّص قلوب أولئك الّذين لم يستنيروا بنور المسيح! هذه مأساة حقيقية - حياة من دون الله! هذه مأساة - حياة من دون الكنيسة المقدَّسة! لا يمكن للإنسان أن يعيش من دون المسيح. من دون نور المسيح، الظلمة لا تُحتمل!
لذلك، نحن الذين نؤمن بالمسيح وندعو اسمه القدّوس، سنجلب الأمل والفرح والسّلام والهدوء والطّمأنينة والشّجاعة لقلوب إخوتنا، طالبين حضور ربّنا يسوع المسيح ومحبّته للمساعدة.