الأحد 15 مارس 2020
ذكرى القديس غريغوريوس بالاماس
تعريب د. نبيل م. سمعان
في العالم الآن، هناك موضوع واحد فقط يغذي جميع المحادثات: الفيروس التاجي (كورونا فيروس) . فهو يجذب الانتباه إلى حد التعتيم وحجب مصائب درامية ، مثل الأزمة الاقتصادية الجديدة التي نغرق فيها عالمياً، أو غزو المهاجرين الذي يريد الرئيس التركي إطلاقه لمهاجمة أوروبا بشكل عام واليونان خصوصاً.
لا تخافوا، أنا لن أعيد الكلام نفسه، أو أعطيكم توصيات إضافية. بل على العكس، أود أن نخرج معاً من هذه الدائرة الجهنمية.
أقول جهنمية، أو بالأكثر شيطانية! لأني أرى الإصبع الشيطاني في ظاهرة الوباء التي تصل إلينا، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي نغرق فيها، فضلا عن المآسي الإنسانية، التي تهدف جميعها إلى رفض الثالوث، الآب والابن والروح القدس. معركة هائلة تنكشف أمام أعيننا! الأوقات صعبة، بالطبع، ولكن من الناحية الروحية فهي مثيرة: أحداث سفر الرؤيا تحصل أمام أعيننا. لا أستطيع أن أعيد قراءة الفصل 13 من كتاب سفر الرؤيا بأكمله، الذي يخبرنا فيه القديس يوحنا، عن التنين الذي يلاحق المرأة التي ولدت (التي هي والدة الإله والكنيسة معاً) والحرب التي يشنها رئيس الملائكة ميخائيل ضده. الوحش القذر يهاجم العالم اليوم بشدة، فإنه يتجول باحثا عن من يلتهمه وعن كيف يلتهمه: الاضطهاد، والحروب، والإبادة الجماعية، وقتل الرضع الجماعي (الإجهاض)، وتدمير المعابد، والسجن، وإسكات المستقمي الإيمان ، والتشجيع على الإرتداد (الإرتداد على المسيح، أي إنكاره). كل ما ذكره لنا الرب في إنجيل متى (24، 15) يحصل أمامنا: "فمتى رأيتم رجاسة الخراب... قائمة في المكان المقدس... سيكون ضيق شديد لم يكن مثله منذ أول العالم إلى الآن ولن يكون، ولو لم تقصر تلك الأيام، لما كان يخلص ذو جسد، لكن لأجل المختارين، ستقصر تلك الأيام". ولكن في إنجيل يوحنا (16، 33) نتذكر أنه قال لنا أيضا: " في العالم ستكونون في ضيق، ولكن ثقوا فإني قد غلبت العالم". كما أنه يبين لنا سفر رؤيا يوحنا النصر النهائي للمسيح على الوحش والأنبياء الكذبة في الفصل 19، كيف يكبل الشيطان مهزوماً بشكل قاطع. لذلك دعونا لا نفقد الشجاعة، هذه هي الأيام الأخيرة من عهد الشرير!
انظروا إلى نتيجة المناورة الشريرة للشيطان: إنها تكشف عن عدم إيمان كبير، ليس فقط لدول بأكملها، بل على كل الصعد والفئات! لو كان لدينا إيمان بالمسيح، لكنا أسرعنا في استدعائه، لكنا ركضنا للقائه مؤمنين بيقين أنه سيخلصنا، وسيشفينا. ولكن على العكس تماماً،، فإن جمهوريات كثيرة ملحدة، أو بوصف أدق، معادية للمسيحية تثير نفسياً المؤمنين لفصلهم عن كنائسهم وقديسيهم. حتى السلطات الكنسية نفسها تحذو حذو هذه الدول. إنها خيانة، إنه زمن الإرتداد والجحود! تذكرت أيام نيرو أو كاليغولا، الذين عبدوا العاهرة، الشيطان! بالمقابل، رفض المسيحيون وقتها عبادة غير عبادة الإله الثالوث، فذبحوا، واحترقوا، ونشروا، وصلبوا!
حسنا، في زماننا الحالي، هل هي الدول التي تحول العالم والكنيسة؟ أم الروح القدس في الكنيسة هو من يجب أن ينير المؤمنين والبشر؟ العالم مقلوب رأساً على عقب اليوم! "لا عجب، فإن الشيطان نفسه يغير هيئته إلى هيئة ملاك نور" (2 كور 11، 14). نسمع اليوم: لا تذهب إلى الكنيسة، إنه أمر خطير؛ حذار من المناولة، لها مخاطر كبيرة؛ استبدلوا المشاركة بالصلوات والقداديس بالمشاهدة على شاشة الكومبيوتر أو التلفزيون؛ ننصحكم بعدم الذهاب إلى الكنيسة!!!. حسنا، لنفكر معاً، هل تعتقد أن صور الهامبرغر والشواء والأطعمة اللذيذة على شاشات الكومبيوتر والتلفيزيون تطعم أو تشبع أو تغذي البشر الذي يشاهدونها عن بعد؟ بالطبع لا! لذلك لا يمكن أن نعتقد أن المشهد المتلفز لليتورجيا أو القداس سوف يوحدنا مع المسيح، وسوف يظهر لنا مجده ومجد أبيه وندرك وحدة المحبة والإيمان بين أعضاء جسد المسيح فيقود ذلك إلى مملكة الآب التي وعدنا بها المسيح؟ أن نعتقد ذلك الضلال هو الإلحاد بعينه!!! لكن، هذا الإلحاد هو بالفعل الخطابات والإرشادات الرسمية، التي يتعبرها مسؤولو هذا القرن "التفكير الجيّد السليم المنطقي". بالمقابل، نشكر الله أنه هناك أصوات معارضة، وخاصة عند الرجال البسطاء الذين لديهم إيمان وتقوى مستقيمة وحرة، الفقراء بحسب لله، الفقراء بالروح. لذلك لدينا إيمان بأن الله سوف ينقذ العالم من الموت!
ولكن كم مرة في التاريخ حمى الله البشر من خلال الإيمان الذي كانوا يظهرونه؟ ،لأنه كما نعلم من الأناجيل، كان يطلب الرب يسوع دائماً قبل أن يتدخل لشفاء البشر فعل أو إعتراف إيمان "هل تعتقد أنني أستطيع شفاءك؟"، "اذهب، إيمانك خلصك".
...
يشهد عديد من الكهنة أنهم أعطوا المناولة المقدسة عن طريق "الملعقة الصغيرة" الليتورجية لمرضى خطيرين، مصابين بالإيدز (فقدان المناعة) أو التهاب الكبد"ب" المعدية ولم يمسوا بأذى أو عدوى. المناولة تعطي الحياة لأن المسيح مصدر الحياة، وليست مصدر المرض والموت، إذا تناولها المؤمن بتوبة، بتواضع، وبإيمان!
وبالإضافة إلى ذلك، فقد أعطى الرب يسوع للرجال المؤمنين وسائل مفيدة لإزالة الضيق والمرض الذي يصيبهم، ولكنه طلب منهم أن يؤمنوا بوسائله بشدة. أعطانا مثلا سر الزيت المقدس، الذي يدعى أيضا سر مسحة المرضى. وقد شفي العديد من المؤمنين من أمراضهم، وعاد الكثيرون إلى الحياة مع الله من خلاله. ننشد في الليتورجيا الإلهية: "لنطرح عنا كل اهتمام دنيوي لنستقبل ملك المجد". ألم يحن الوقت لإنهاء مخاوفنا العقلانية والعلمية نستبدلها بالثقة بالله؟وطننا الحقيقي ووجودنا الحقيقي ليسا على الأرض، بل في السماء منذ الآن، مع أن جسدنا على هذه الأرض. "لنطرح عنا كل اهتمام دنيوي لنستقبل ملك المجد" هنا والآن. علينا أن نؤمن بأن الله يريد خيرنا وأنه يستطيع أن يمنحنا إياه. بالطبع، آمنا أم لم نؤمن بالله، فإننا ولو لازمنا منزلنا، فنحن ليس لنا لنا ضمانة أننا لن نصاب بأي فيروس.
سوف أخبركم قصة قديس معاصر. في العام 1890 حين ولد شاب بجوار مدينة خانيا الكريتية (اليونان) وأصبح مصفف للشعر. لكنه أصيب بمرض البرص المعدي. ساعده كاهن أرثوذكسي إلى الوصول إلى جزيرة خيوس حيث كان البرص منتشراً. في خيوس، أصبح راهباً تحت اسم نكيفوروس، وعاش في طاعة مطلقة لأبيه الروحي. إنتشر البرص في جميع أنحاء جسده. كان يعمل في الحديقة، ويصلى كثيرا في الليل ساجداً. كما كان المرتل الأول في الكنيسة، وبما أن البرص أفقده بصره، فقد صار يرتل عن ظهر قلب. في العام 1957 انتقل إلى مستشفى في أثينا. لم يتذمر قط، بل على الرغم من أنه كان مغطى بالجروح وتحت ألم شديد، كان يعزي المرضى الآخرين. قوله الدائم كان "ليكن اسم الرب مباركاً". في 4 حزيران 1964، أسلم روحه إلى الله. ومنذ ذلك الحين، صنع معجزات كثيرة. تم إعلانه قديسا في الكنيسة في 3 كانون الأول 2012 تحت اسم القديس نيكيفوروس الأبرص.
أنظر كم الرب صالح وكم يقدم لنا الخير، حتى لو ضعف أحيانا إيماننا به. هو لا يتخل عنا أبداً في التجارب التي نواجهها. سأخبركم حادثة أخرى معاصرة حصلت في اليونان، هذا البلد الذي تعصف به التجارب: حكومة يهيمن عليها الإتحاد الأوروبي الملحد، غزو مهاجرين، بالإضافة إلى إقتصاد كارثي لسنوات، وزد على ذلك الفيروس الحالي. قبل بضعة أيام، ظهر القديس نيكيفوروس الأبرص لشخص ما في اليونان وقال له: "قل لكل الذين سيعانون من الفيروس التاجي (كورونا)، عندما يطلبوني بإيمان، سأشفيهم"! لذا، هل سنبقى خائفين؟ ألا يُظهر لنا الله أنه لا يتخلى عنا؟
كما أنه عرضنا لكم تكريم أيقونة القديس لوقا الطبيب الجراح وأسقف سيمفيروبول في القرم. القديس لوقا، الذي عاش تحت نير الشيوعيين في الإتحاد السوفياتي، اضطهد طوال حياته، إلى أن توفي عام 1961، وهو معاصر لقديسنا نيكيفوروس. إنه لا يزال حتى اليوم يطبب ويقيم عمليات جراحية للمؤمنين الذين يطلبون شفاعته. لدينا شهادة مباشرة من صديق للدير استفاد من تدخل القديس في مرضه. لذا،هل يجب أن نهرب من أمام وجه الله؟ هل نبتعد عن واهب الحياة؟ عندما نبتعد عن الحياة، أي المسيح، فقط حينها نقترب من المرض والموت. إذا اقتربنا من المسيح الذي في الكنيسة، من خلال الشركة والجماعة نحصل على مواهب الروح القدس، الروح المحيي. أذكر أن الكلمة اليونانية "Ekklesia" أي "الكنيسة" تعني "الجماعة" أو الإجتماع، وهي العلامة المرئية لجسد المسيح، ومكان تجلي النعمة الإلهية!
لذلك، على عكس ما يشاع، ينبغي أن نتوافد بشكل جماعي على الكنائس، لكي نناشد خالقنا وربنا حتى يساعدنا على التغلب على المحن التي تنتظرنا. سيفعل ذلك!
الله يعلم ما يفعله أو ما يسمح به. لا شيء يخفى عليه ولا شيء غريب منه. لذلك، كل ما يحدث، يقينين ومؤمنين، يخدم خلاص البشر، من أجل مجيء ملكوته، الذي هو "ليس من هذا العالم". حالة اليوم ليست استثناء. الله لا يرسل الشر أو المعاناة، ولكن الشرير يريد أن يدمر البشر من خلال فصلهم عن الله الذي يؤدي لموتهم. إن مقاومة الشر والمعاناة تتطلب مقاومة الشرير، كما نطلب في الصلاة الربانية، "لكن نجنا من الشرير". وهكذا فإن الخلاص من الشر مشروط بتوبتنا، وتصميمنا على أن نعلن أنفسنا لله، وأن نتبع ترتيب الخليقة كما نظمها الرب من أجل تقديسنا. كيف يمكن لعالم بعيد عن الله، حيث الملايين من الأبرياء تقتل، أن يدّعي المثل العليا؟ كيف يمكن لمثل هذا العالم أن يجلب السلام والسعادة؟ لهذا، هذا الوباء المنتشر ما هو إلاّ نتيجة لأفعالنا الشريرة، نتيجة تأليهنا لذواتنا، بحثنا عن السعادة فقط في "أمور هذا العالم"، متجاهلين سعادة الآخر. أزمتنا الحالية، التي ربما سببها بشري، هي فرصة أخيرة للعودة إلى الآب، بعد أن اشتهينا الأكل من الخرنوب الذي للخنازير، في ضلالنا وغربتنا، الذي بذرنا فيه ميراثنا!
إلتماس شفاعة القديس نيكيفوروس الأبرص أو القديس لوقا الطبيب، مع العودة إلى الليتورجيا، نشهد فيهما سكب البهجة على الأرض، وعلينا، وفي داخلنا، مجد الله، فنواجه المرض والمعاناة والموت. إن سلاح الصلاة والصوم في الكنيسة ، وطلب المغفرة الإلهية، واعترافنا بالإيمان الحقيقي، بالتزامن مع إعترافنا بخطايانا، هي علاج لآفاتنا الجسدية والنفسية. دعونا لا نخاف، ولكن دعونا نركض إلى الرب!
على أية حال، فإن خلاصنا هو في الصعود إلى المستوى الآخر من الوجود، الدخول إلى ملكوت السماوات الذي يتم فيه الولادة الثانية. لذا، بالطبع لا نبغي الإستعجال في رقاد جسدنا الأرضي، ولكن عندما يحين الوقت فلا ينبغي أن يكون ذلك كارثة، بل تحريراً. في ذلك اليوم سوف نختبر فرحاً لا يوصف، الفرح الذي يعدنا به الإنجيل.
من ناحية أخرى، يتيح الله لنا اللجوء إلى شفاعة القديسين بصلاتنا، بإكرام وتقبيل أيقوناتهم المقدسة، وبإضائة الشموع أمامها، لأن نور القديسين هو شعاع لنور المسيح.
وأخيراً، يرفض الأساقفة الأرثوذكس في الجمهورية التشيكية، سلوفاكيا، جيورجيا، وكريت بشجاعة، وبإيمان، الامتثال للأوامر الملحدة بحظر مشاركة المؤمنين في الصلوات والليتورجيات. نحن نتضامن مع هذه الكنائس ونأمل أن يحذو الكثيرون حذوهم. هم مهددون بالسجن، ولكنهم مصممون على المخاطرة. إنهم شجعان؛ إنهم شجعان! إنهم يتحدون الجميع "من أجل المسيح".
ولا بد لي من أن أختتم بأنه، كمسألة احترازية عادلة وكطاعة، يجب علينا أيضا أن نتخذ تدابير النظافة التي أوصت بها السلطات، والتي لا أحتاج إلى أن أشرحها، لأن جميع أجهزة الراديو والتلفيزيون، وجميع الصحف، كل السلطات المدنية والدينية، كما السياسيين من الرجال والنساء يخبرون عنها. فهل نسمع بدورنا صوت القديسين والله - الكلمة!
لأنه له القدرة والمجد من جيل إلى جيل!
في هذه العظة، لا أشكك في حقيقة الوباء الذي نواجهه، ولا أعارض الحماية الصحية الموصى بها. وبالطبع، لا أحكم بأي شكل من الأشكال على أولئك الذين لا يستطيعون الذهاب إلى الكنيسة لأن صحتهم أو سنهم أو عجزهم لا يسمح لهم بذلك. أنا أحتجّ فقط على عدم إيمان أولئك الذين لا يسمحون لنا بحرية الضمير العثور على الراحة والخلاص في الأسرار المقدسة، والاحتفال المشترك بيوم الرب الذي هو مانح الحياة. وإذا لم يتم القضاء على الفيروس بحلول عيد الفصح، فكيف نحتفل بالقيامة، التي بدونها يكون إيماننا باطلا؟ نحن نتحدث عن الحجر لمدة 40 يوما، عيد الفصح في خمسة أسابيع: 35 يوما!