النبي يونان في كتابات آباء الكنيسة

تعريب: ماهر سلّوم

 

القديس ميثوديوس:

تحوي قصة يونان النبي سرّاً عظيماً. يبدو أن الحوت يُشير إلى الزمن الذي لا يهدأ ولا يتوقّف عن الإبحار ويجري دائماً مُستَهلِكاً جميع الأمور القصيرة والطويلة الأمد.

لكن يونان الذي هرب من حَضْرة الرب هو الإنسان الأول بِذاتِه الذي تَعدّى الناموس وهرب كيلا يُرى عُرياناً من عدم الموت، فهو فَقَدَ ثِقَتَه بالله بسبب خطيئته.

والسفينة التي رَكِبَها يونان والتي تقاذَفَتْها أمواج العاصفة تُشير إلى هذه الحياة الوقتيّة والصعبة. فنحن قد سُلِخنا وانصرفنا عن الحياة المباركة والآمِنة وسقطنا في حياة متقلقلة كمن ينتقل من اليابِسة إلى سفينة. فالسفينة بالنسبة إلى اليابِسة توازي الحياة الحاضرة بالنسبة إلى الحياة الأبديّة.

العاصفة التي هاجت على السفينة هي تجارب الحياة التي نواجه في هذا العالم كما في بحرٍ هائجٍ، والتي لا تمنعُنا من السَّفَر بسلام بدون ألم في بحر هادئ خالٍ من الشرور.

إلقاء يونان من السفينة في البحر يُشير إلى سقوط الإنسان الأول من الحياة إلى الموت، وقد نال هذا الحُكم بسبب ارتكابه المعصية وسَقَطَ من البِرّ: أنتَ تراب وإلى التراب تعود.

إبتلاع يونان من قبل الحوت البحري يشير إلى الزوال الحاصل بسبب مرور الوقت. فَجَوْفُ الحوت حيث مكث يونان بعد ابتلاعه هو باطن الأرض الذي يحوي كل شيء يأتي عليه الوقت والزمن.

بما أن يونان مكث ثلاثة أيام وثلاثة ليالٍ في جوف الحوت وخرج بعد ذلك سالِمًا، فجميعُنا، نحن الذين نقطع مراحل الحياة الحاضرة الثلاث على الأرض: البداية والمنتصف والنهاية، سوف نقوم أيضاً. فالزمن الحاضر يتألّف من ثلاثة مراحل: الماضي والمستقبل والحاضر. لذا، مكث الرب ثلاثة أيام في الأرض كي يعلّمَنا بوضوح أن قيامتَنا سوف تحصل بعد أن تتمّ هذه المراحل الزمنيّة. إن قيامتَنا ستكون بداية الدهر الآتي ونهاية هذا الدهر. في ذلك الدهر لا يوجد لا ماضٍ ولا مستقبل، يوجد الحاضر فقط.

علاوة على ذلك، إن مُكوثَ يونان في جوف الحوت البحري ثلاثة أيام وثلاثة ليالٍ لم يُؤَدِّ إلى زَوالِه وهلاك جسده كما هي حال الإنحلال الطبيعي للجسد التي يحصل في بطن الحوت بسبب حرارة السوائل فيه. هذا يدلّ ان أجسادَنا سوف تظهر غير مُنْحَلّة في النهاية. فلنفترضْ أن الله صنع صُوَراً له من ذهب أي من مادة روحانيّة أكثر صفاءً كما هي حال الملائكة؛ وصُوَراً أخرى من طين ونحاس كما هي حالنا نحن البشر. لقد مَزَج النفسَ المصنوعة على صورته بما هو أرضيّ. لأجل ذلك يجب علينا هنا أن نكرّم كل هذه الصُّوَر (أي البشر) على أنها صورة للملك فهي مصنوعة على صورة خالقها، فلا يمكننا إذن، نحن المصنوعون على صورة الله، أن نهلك بالكُلّية. لأجل ذلك انحدر الكلمة إلى عالَمِنا وتجسّد مُتَّخِذًا جسدًا مثلنا كي يُقيمَنا غير فاسِدين، نحن الذين انحلّت أجسادُنا مع الزمن، بما أنه صَنَعَنا على صورة إلهيّة. بهذا، إذ نلتمس التدبير الذي وَضَعَه رمزيًّا بواسطة يونان النبي، نرى جَلِيّاً أن قصّة يونان هي امتدادٌ لحياتِنا.

 

القديس كيرلّس الأورشليمي:

وعندما ندرس قصة النبي يونان، نجد الكثير من التشابه بينه وبين الرب يسوع. أُرسِلَ يسوع ليكرز بالتوبة؛ ويونان أُرسِلَ أيضاً؛ لكن يونان هرب غير عالمٍ بما سيحدث؛ بينما يسوع أتى طوعيّاً كي يعطينا توبة الخلاص. كان يونان نائماً في السفينة المُبحِرة في البحر العاصِف؛ يسوع كان نائماً أيضاً في سفينة (لوقا 23:8)، وبالعناية الإلهيّة، بدأت الأمواج تعلو كي تُظهِر قدرته. قيل ليونان: لِمَ أنت نائم؟ إنهض ونادِ إلهك كي يخلّصنا؛ لكن قيل للمعلّم: يا رب خلّصنا. في ذلك الوقت قالوا: “نادِ إلهك”، هنا يقولون: “خلِّصنا”. لكن يونان يقول: “خُذوني واطرحوني في البحر كي يهدأ البحر من أجلكم”؛ ويسوع بذاته انتهر الرياح والبحر فصار هدوءاً عظيماً. طُرِح يونان في جوف الحوت؛ لكن يسوع انحدر طوعيّاً إلي حيث يوجد حوت الموت الذي لا يُرى. لقد انحدر بملء إرادته كي يُخرِج من الموت أولئك الذين ابتلعَهُم بحسب ما كُتِبَ: “مِنْ يَدِ ٱلْهَاوِيَةِ أَفْدِيهِمْ. مِنَ ٱلْمَوْتِ أُخَلِّصُهُمْ.” (هوشع 14:13)

 

https://www.johnsanidopoulos.com/2009/09/prophet-jonah-in-writings-of-church.html