إبقاء أولادنا مسيحيّين

٣١ أيّار ٢٠١٧

 

تعريب جنيفر سعد

 

لا شيء يساعد على تَعزيز التّواضع مثل الأُبُوّة والأُمومة. قد يأتينا أثاث جديد من مُنْتَجات أيكيا (Ikea) مع مجموعة من التّعليمات لأشخاص مثلي لا فكرة لديهم عن كيفيّة تركيب الأثاث، ولكن للأسف، الأطفال لا يولدون من الأمّ مع مجموعة من التّعليمات. سيقوم الوالِدان، عاجِلاً أم آجِلاً، بِشَدّ شعر رأسِهما يأسًا أو بِفَرْك يديهما قلقًا وهما يُجاهدان من أجل تربية أطفالهم وإبقائهم سُعَداء وآمنين. وغالبًا ما يمتلك الحكمةَ غيرُ المتزوِّجين والذين لا أولاد لهم ويقدّمون نصائح موثوقة حول كيفيّة تربية الأطفال، وأمّا الأهل الفِعليّون سيكتشفون أنّ ليس لديهم أدنى فكرة حقيقيّة عمّا يقومون به. نحن الأهل نرتجل، حتى لو كان علينا إخفاء هذه الحقيقة المُحْرِجة عن أطفالنا وتَرْك انطباع بأنّنا نعلم دائمًا بما يجب فِعْلُه، وأنّنا لا نخاف أبدًا أو أننا لسنا حائرين. كما قلتُ سابِقًا: الأبوّة والأمومة يُعَزِّزان التّواضُع.

 

إنّ العالم الذي يتربّى فيه الأطفال مخيفٌ وخطيرٌ. إنّها ليست مجرّد مسألة تعليم الأطفال على البقاء بعيدًا عن النار عندما تَطهو الأمُّ الطّعامَ أو عَدَم مُكالمة الغرباء. العالم مَليء بِمَخاطِر خَفِيّة، الأشياء التي لا يمكن فقط أن تُهلِك الصحّة أو الحياة، لكن يمكن أيضًا أن تُهلِك الرّوح. لا تُعلِن هذه المخاطر عن نفسها بأنّها خطيرة. تكون عادةً مَلفوفة في ورقة مُشرِقة ويُعْلَن عنها من قِبل وسائل الاعلان بطريقة رائعة لا تُصدَّق، ولكنّها سامّةٌ روحيًّا. لا يمكننا حماية أطفالنا من خلال الوقاية من هذه الأخطار، أو حَبْسِهم في أبراج عالية أو نَقْلِهم للعيش في الأديار في سِنّ السّادسة. ماذا يمكننا أن نفعل لِحِمايتهم من الأذى، لِمُساعدتهم بأن يَكْبُروا لمعرفة يسوع ومحبّتِه من كل قلبهم، والسّعي أوّلاً لملكوت الله وبِرّه؟ كيف يمكننا أن نُبْقيهم على الطريق الصّحيح المُؤَدّي الى الله؟

 

طبعًا لا شيء يَضْمَن ذلك، وأي شخصٍ يقول خِلاف ذلك يحاول أن يُقنعك بشيء ما وأن يَبيعَك كلامًا. يمكننا ان نفعل كل ما بِوِسْعِنا ونصلّي صلاة الأهل النّابِعة من القلب، لنكتشف في نهاية المَطاف أن أطفالنا يمتلكون نفس الإرادة الحرّة التي نملكها، ومع ذلك يمكننا أن نقرّر أن نذهب بِطَريقِهم في النّهاية. أظنّ أنّ هذا الأمر هو الأكثر حزنًا. الله يفهم هذا الألم. نحن أبناء الله، ونحن مُؤَخّرًا كنّا نَسير بطريقِنا الخاص. لا يمكننا إلّا أن نفعل ما يمكننا القيام به. والسؤال هو: ماذا يمكننا أن نفعل؟ كيف يمكننا أن نُبقي أطفالنا مسيحيّين؟ أقترح ثمانية وسائل.

 

أوّلًا، تأكّدوا أنّكم تعرفون يسوع بِنَفسِكم. لا تستطيعون أن تُعطوا ما لا تَملِكون، وإن كُنتُم لا تعرفون يسوع المسيح الرّب والله والمخلّص، لا يمكنكم أن تُرشِدوا أطفالكم الى هذه المعرفة. المعرفة عن يسوع ليست كافية. معرفة اللّاهوت والقدرة على إقتباس الأقوال من الفيلوكاليا والآباء ليست كافية. حتّى الإلتزام في الكنيسة، حُضور الخَدَمات، إشعال  الشموع، والحصول على سرّ المعمودية ليست كافية إذا كنتم لا تعرفون يسوع وتَربُطُكم به علاقة شخصيّة. لقد عمل البعض من أهل كورنثوس بكلّ هذه الأمور، وبقي بولس الرّسول يوبّخهم قائلا ً: «لِأَنَّ قَوْمًا لَيْسَتْ لَهُمْ مَعْرِفَةٌ بِٱللهِ. أَقُولُ ذَلِكَ لِتَخْجِيلِكُمْ!» (1 كو 34:15). ما أقصده  من خلال «معرفة  يسوع» أن يكون هو الأكثر أهميّة في حياتكم. إذا لم يكن الأمر كذلك، فالأرثوذكسيّة ليست دينَكم بل هي هواية لكم، وتُشابِهون أهل كورنثوس إذ ليست لديكم أي معرفة بالله. إذا لم تتمَحْور حياتُكم تمامًا حول ابن الله، تحتاجون الى تغيير هذا الأمر، وتغييره بسرعةٍ. يمكنكم خِداع معظم النّاس في بعض الأحيان، ويمكنكم خِداع البعض أكثر من مرّة، ولكن لا يمكنكم خداع الله في أيّ وقتٍ من الأوقات، ولا يمكنكم حتى خداع أولادكم. سيعلمون إن كنتم حقًّا  تعرفون يسوع أو إن كنتم تُراوِغون.

 

ثانيًا، إجعلوا الصّلاة عملاً أولويًّا في حياتِكم. وهذا ينطوي على أكثر من مُجَرَّد تِلاوة «صلاة الشّكر» قبل تناول الطّعام، وحتى أكثر من تلاوة صلاة العائلة الإعتياديّة، على الرّغم من أنّه عليكم أن تفعلوا هذا طبعًا. بل ومن المهمّ أن نصلّي في الكثير من الأحيان، ذلك أن الأطفال يمكنهم أن يتجسّسوا عليكم في بعض الأحيان ويسمعون صلاتَكم في حين أنّكم لا تَدرون أنّهم يراقبونَكُم. هذا سَيُقنِعُهُم أكثر من أي شيء أنكم تقصدون التّواصل مع الله وأن الأمور الإيمانيّة التي تُخبِرونَهم بها ليست فقط لأنّ الأهل مضطرّون لقولها، ولكن عليهم أن يَكونوا واقعيّين وصادقين.            

 

ثالثًا، إجعلوا زاويةَ الصلاة مكانًا أساسيًّا في منزلكم. صلّوا هناك كعائلة كلّ يوم، وأشرِكوا أولادكم في هذا بقدر ما يستطيعون. في حالة الأطفال الأصغر سِنًّا، قد يقتصر هذا على تقبيل الأيقونات، ولكن على الجميع أن يُشارِكوا بطريقة أو بأخرى، المشاركة في الصّلوات وإضاءة الشّمعة. عندما يكون الأطفال صِغارًا، يجب أن تبقى أوقات الصّلاة قصيرة بما فيها الكفاية كيلا يتشتّت تركيزُهم. في عالم «Sesame Street» (أي عالم الأطفال) تبدو سِعة الإهتمام القصوى مُحَدَّدة بحوالي دقيقة ونصف، وهذا قد يكون صَعبًا. علينا أن نسعى جاهدين لإيجاد التّوازن بين تَجَنُّب الصّلاة غير الكافية لتُصبح حقيقيّة وتُشرك القلب، وبين الصّلاة الطّويلة حيث يغفل جميع الأطفال.

 

رابعًا، إبحثوا عن فُرَصٍ للشّفاعة. إذا قال الأطفال أن صديقًا لهم في المدرسة مريضٌ أو أنه تناول جرعة زائدة من المخدّرات، يجب أن نأخذ ذلك كدعوة من الله لعدم إلقاء المَواعِظ عليهم بل للصّلاة من أجل هذا الشّخص وجَمْع الأسرة في زاوية الأيقونات لفترة وَجيزة للصّلاة من أجل الشّخص المُحتاج. سوف يلاحظون تَفضيلَنا الصّلاة على المَواعِظ وسَيُقَدِّرون ذلك سِرًّا. يمكن اعتبار المَواعِظ والمحاضرات نِفاقًا في بعض الأوقات، ولكن الصّلاة ليست نِفاقًا أبدًا.

 

خامسًا، كونوا صادِقين في الإجابة عن الأسئلة. أتذكّر عندما كانت إبنتي الكبرى صغيرةً جدًّا. عندما كنتُ أضعُها في السّرير في احدى اللّيالي سألتْني لماذا نحن الأرثوذكسيّين نؤمن بقيامة المسيح. فأجبتُ بإعطائها الدّليل بأن الرّسل قالوا أنّهم رأوه وأكلوا معه بعد رقاده ولم يكن لديهم أيّ سبب للكذب، حتّى أنّ أعداءه لا يمكن أن ينكروا أن القبر كان فارغًا؛ واهتداء القديس بولس المفاجئ لا يمكن تفسيره بدون قيامة الرب. كان رَدُّها مُثيرًا للإهتمام: قالت أنّ كلامي أشْعَرَها بالإرتياح. كانت خائفة من أن أقول لها أنّه عليها أن تُصَدِّق ذلك فقط لأنه واردٌ في الكتاب المقدّس. أعتقد أن معظم الأطفال هم كذلك، وسوف يؤمنون إذا أعطيتُموهم أسبابًا منطقيّة للإعتقاد بها. إن القول ببساطة: «يجب أن تؤمن بهذا لأنه موجود في الكتاب المقدّس» أو «يجب أن تؤمن بهذا لأن هذه هي عقيدة كنيستنا» لن تُوَضِّح الأمور. لقد وَلَّتِ الأيّام عندما كان الإيمان مقبول من دون نقاش. الآن كل شيء هو مَوضع تساؤل، ويجب أن نكون قادرين على التَّوَصُّل إلى بعض الإجابات الجيّدة.

 

سادسًا، يجب أن تشاركوا في حياة أطفالكم. إسألوهم عن أصدقائهم، وعَمّا يقرأون أو يشاهدون على شاشة التّلفاز، وما يشاهدون على الانترنت، وأين يذهبون بعد دوام المدرسة، ومع من يتحدّثون على الهاتف. راقبوا ماذا يتصفّحون على الانترنت. لا تأتوهم مثل «المحقّق الكبير»، كما لو كنتم تَستَجوِبونَهم. كونوا الأشخاص الذين يرغبون بالمعرفة لأنكم تُحِبّونهم. في النهاية، أنتم تسألون شريك حياتِكُم، «كيف كان يومك؟» لا للإستجواب، ولكن لأنكم مُهْتَمّون. أَظْهِروا هذا الإهتمام بأولادكم أيضًا.

 

سابعًا، إفرحوا بالرّبّ. وعدَ المسيحُ تلاميذَه أنّ سيكون لهم الحياة والفرح (يو 10:10، 22:16)، ونحن بحاجة الى إظهار ذلك في حياتنا. يجدر القول أنّ هذا لا يعني أن نُبالِغ في الفرح، وألّا نعيش تجارب الحزن والقلق والأسى. إذا كان ايمانُنا لا يؤدّي الى درجة من الفرح على الأقلِّ في حياتنا، سيكون إقناعُ أي شخص آخر أقلَّ احتمالًا بأنه يجب أن يمتلك الفرح أيضًا. إذا كانت مسيحيّتُنا تجعلُنا حزانى ستكون كِرازَتُنا بها ضعيفةً. في النّهاية، هناك في العالم ما يكفي من مُسَبِّبات للكآبة قد تَدفعُنا لليأس من دون مساعدة دينٍ يَزيدُ الطّين بلّة.        

 

أخيرًا، صلّوا بِحرارةٍ من أجلِهم كلّ يوم. وينبغي ألّا نفقد الأمل إذا حَصَلتْ عوائق، وينبغي ألّا نستسلم. نحن نحبّ أطفالنا، ولكن الله يُحِبُّهم أكثر. ليس الله غير مَعْنيٍّ بالجهاد من أجل حياتهم وروحهم. فَلْنُقَدِّم لأولادنا هذا الحبّ من دون توقّف، ونسأل الله أن يعتني بهم، وأن يعمل في قلبِهم اليافع، ويَضُمَّهم إليه بأمان.

 

 

المصدر: http://www.pravmir.com/keeping-kids-christian/