القديس كيرلّس الأورشليمي
ترجمة ماهر سلّوم
قدّس المسيح المعمودية باعتماده هو نفسه. إن كان ابن الله قد اعتمد، فكيف يزدري الإنسان المتديّن المعموديّة؟ لكنّه لم يعتمد من أجل محو الخطايا، فهو مُنَزَّه عن الخطأ؛ لكن بما أنّه مُنَزَّه، اعتمد كي يمنح الذين يعتمدون نعمة إلهيّة فائقة. «فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ ٱلْأَوْلَادُ فِي ٱللَّحْمِ وَٱلدَّمِ ٱشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذَلِكَ فِيهِمَا» (عبرانيين 14:2)، حتّى أن اشتراكنا بحضور المسيح بالجسد يجعلنا أيضاً مشتركين معه بالنعمة الإلهية: لأجل هذا اعتمد المسيح، كي نحظى نحن أيضاً، من خلال إشتراكنا بالمعمودية، بالخلاص والكرامة على حدّ سواء.
بحسب أيّوب الصدّيق، كان التنّين في المياه، الذي «ٱنْدَفَقَ ٱلْأُرْدُنُّ فِي فَمِهِ» (أيوب 23:40). لذا، بما أنّه كان من الواجب سحق رؤؤس التنانين، انحدر المسيح وكبّل ذاك المتسلِّط في المياه كي ننال قوّة "لِنَدوس ٱلْحَيَّاتِ وَٱلْعَقَارِبَ” (لوقا 19:10). لقد كان الوحش عظيماً ورهيباً. «لم يمكن لأي سفينة أن تحمل جزءاً من ذيله»: كان الدمار يجري أمامه، جارِفاً جميع من يواجه. صادَفَه الحياة كي يسدّ فم الموت ويوقفه عند حَدِّه وكي يقول المُخَلَّصون: “أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟” (1 كورنثوس 55:15). لقد استُؤصِلَت شوكة الموت بالمعمودية.
إنّك تنزل في المياه حاملاً خطاياك لكن نزول النعمة وختمها لنفسك لن يجعلك فيما بعد فريسة لذلك التنين الرهيب. بعد أن تنزل بخطاياك فأنّك تقوم مُشَدَّداً بالبِرّ. فإن كنتَ »قَدْ صِرْتَ مُتَّحِدِاً مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ« (رومية 5:6)، سوف تكون أيضاً مستحقّاً قيامته. كما حمل يسوع خطايا العالم ومات، كذلك بإماتَتِه الخطيئة قام بالبِرّ؛ وحين تنزل أنتَ أيضاً بالمياه، تُدفَن بالمياه كما كان هو في القبر، وتقوم أيضاً "سالكاً في حياة جديدة”.
علاوة عن ذلك، عندما تكون مستحقّاً لنعمته، فهو يعطيك قوةً كي تجاهد ضد القوى المُعادية. فهو خضع للتجربة بعد أربعين يوماً من اعتماده (ليس لأنّه لم يكن قادراً أن ينتصر على التجربة قبل المعمودية، لكن لأنّه أراد أن يفعل كلّ شيء بالترتيب والتسلسل)، فأنتَ أيضاً، إن كنتَ، قبل معموديّتك، تخشى من الجهاد ضد أعدائك، يتوجّب عليك، بعد حيازتِك للنعمة، الجهاد وكرازة الإنجيل إن أردتَ. فالمعمودية تجعلك شجاعاً وواثقاً "بسلاح البِرّ” (2 كورنثوس 7:6) الذي تمنحك إيّاه.
يسوع المسيح هو ابن الله، لكنه لم يُبَشِّر بالإنجيل قبل معموديّته. إن كان المعلّم بذاته اتّبع الوقت والترتيب الصحيح، ألا يَليقُ بنا نحن عبيده أن نحافظ على هذا الترتيب؟
المرجع:
http://www.johnsanidopoulos.com/2015/01/why-was-jesus-baptized.html