جون سانيدوبولس
ترجمة نديم سلوم
انتشرت أسطورة شائعة من قبل نقاد قسطنطين الكبير بهدف تشويه سمعته وكل الأمور الجيدة التي فعلها للكنيسة وألا هي اقتباله المعمودية الآريوسية الهرطوقية من قبل إفسافيوس النيقوميذي، الذي كان آريوسيًا، في أيار من العام 337، قبل أيام من رقاده.
بالطبع هذه ليست مسألة جديدة، فلقد عالجها المؤرخ قسطنطين باباريغوبولس (1815 – 1891) قبل نحو 150 سنة، حيث انتقد المؤرخين الغربيين لتداولهم هذه المفاهيم الخاطئة، فيدعوها بـ"الشتائم والإفتراءات". كتب عن هؤلاء المؤرخين: "لقد ذهب بهم الأمر إلى إلغاء أرثوذكسيته لأنه اقتبل المعمودية على يد إفسافيوس النيقوميذي" (تاريخ الأمة اليونانية، الجزء الثاني، ص150).
يعود هذا المفهوم الخاطئ حول معمودية قسطنطين الكبير الآريوسية إلى حادثة في المجمع المسكوني الأول، حيث كان يُعتبر إفسافيوس النيقوميذي زعيم الآريوسيين. هذه هي الصلة الوحيدة التي يستخدمها النقاد لاعتبارهم قسطنطين آريوسي، كونه قَبِلَ المعمودية من إنسان مفترض هرطوقي.
مع ذلك، لم يأخذ النقاد كل الحقائق التاريخية المتوفرة لإظهار الحقيقة حول هذه القضية. بدلاً من ذلك، يعتمدون على التكهنات ونظريات المؤامرة التي لا أساس لها للدفع ببرنامجهم الخاص. من دون أخِذْ اعتبار أنَّ الكنيسة واجهت هذه المسائل، ذهبوا إلى هذه الخلاصات الخاطئة. بحسب التقليد الإكليزيولوجي المُتَبَلْوِر في القانون الكنسي، لا يُعتبر المرء هرطوقيًا إذا علَّم باطلاً إلى أن يُدعى لكي ينكر ويتخلّى عن تعليمه الخاطئ.
إنَّ حقيقة أنَّ المرء لا يُعتبر هرطوقيًا ريثما أنّ يُدعى لكي ينكر ويتخلّى عن تعليمه الخاطئ يُعتبر عنصرًا أساسيًا في الوصول إلى الحقيقة في المسألة المتعلّقة بقسطنطين الكبير. علاوة على ذلك، يجب التشديد على أنَّ إطلاق صفة هرطوقي على إنسان لا يمكن تحديدها من قِبَل شخص واحد أو مجموعة آراء بل من الأعضاء الإكليزيولوجية المختصَّة، بما أنَّه من المستحيل على كلِّ مسيحي أن يحدد بنفسه من يجب أن يُعتبر مسيحي ومن هرطوقي.
في ما يختص إعتراف الإيمان لإفسافيوس النيقوميذي قبل معمودية قسطنطين وخلال المجمع المسكوني الأول سنة 325، يكتب يوحنا كارميريس: "وافق كل آباء المجمع بالإجماع على العقيدة المقدسة، من بينهم الذين كانوا ينادون بالآريوسية، ما عدا إثنان، بعد حوالي ستة أيام من المناقشات العقائدية، ومضوا عليه في 19 حزيران 325" (الكتابات العقائدية والرمزية للكنيسة الأرثوذكسية الجامعة، الجزء الأول، ص118).
يظهر بوضوح أنَّ الآباء 318 الذين شاركوا في المجمع إعترفوا بالإجماع بالأرثوذكسية. أمّا بالنسبة لجملة "ما عدا إثنان"، يُدوِّن البروفيسور كارميريس في مقاطع سابقة أنَّ ثيوناس وسيكوندوس هما الوحيدان اللذان اعترفا بالآريوسية ولم يقبلا عقيدة نيقية. بالرغم من دفاعه عن العقائد الآريوسية، في النهاية، وقَّعَ إفسافيوس النيقوميذي على عقيدة نيقية، ولكنه رفضَ، بالإضافة إلى ثيوغنيس النيقاوي وماريس الخلقيدوني، إلقاء الحرم على آريوس. بسبب هذا الرفض وهذه الخيانة، لم يقم قسطنطين فقط بنفي آريوس وثيوناس وسيكوندوس، بل أيضًا إفسافيوس النيقوميذي وثيوغنيس النيقاوي وماريس الخلقيدوني. مع ذلك، بعد فترة قصيرة، أعادتهم الكنيسة، على حسب ما كتب المؤرخ سوزومينوس:
«بعد فترة ليس بطويلة، إفسافيوس أسقف نيقوميذيا، وثيوغنيس أسقف نيقية، استعادا مكانتهما في كنائسهما بعد طرد كلّ من أمفيون وخريستوس اللذَيْن قد سيما سابقًا مكانهما. أرفقا عودتهما عبر وثيقة قدّماها للأساقفة تتضمن تراجعهما: "بالرغم من إدانتنا من دون محاكمة من قبل حضرتكم، رأينا أنّه من الجيد أن نصمت في ما يتعلق بحكمكم. ولكن من المحال أن نبقى صامتين، لأنَّ الصمت أصبح دليل عن الحقيقة بيد المفترين، الآن نعلن لكم أننا نوافق على هذا الإيمان، وبعد فحص دقيق لعبارة "من الجوهر نفسه" ننوي الآن الحفاظ على السلام ولن نقع في أي هرطقة. حفاظًا على سلامة الكنائس بإقرارنا هذا، واقتناعنا التام، وإقناعنا للذين اضطهدناهم، نوَقِّع على العقيدة؛ ولكننا لم نوَقِّع على الأناثيما (الحرم)، ليس لأننا نشك بصيغة الإيمان، بل لأننا نرتاب أن يكون المتَهَم[1] كما قيل عنه؛ الرسائل التي استلمناها منه والحجج التي قدَّمها لنا، تؤَكِّد لنا أنّه لم يكن هكذا. إذا اقتنع المجمع المقدس بهذا، فإننا لا نعارضكم بل ننضم إلى ما قررتم، ونؤكد موافقتنا بواسطة هذا الكتاب، ليس لأننا مستاؤون من المنفى، بل لننزع كل شك بالهرطقة حولنا؛ إذا تكرمتم وتنازلتم وقبلتم أن نمتثل أمامكم، ستجدوننا متحدين معكم في كل شيء، ومتفقين مع القرارات التي اتخذتم وخاصةً أنَّ حضرتكم قررتم المعاملة بالحسنى، الذي كان ملاحقًا لهذه الأسباب، واستدعائه وإعادته. إذا كان المحفل المنحاز للعدالة قد استدعاه ودافع عن التهم الموَجَّهة إليه، فمن المحال أن نبقى ساكتين مؤكدين بذلك صحة تقارير المُفترين علينا. تكرَّموا إذًا، كما يليق بحضرتكم، أحباء المسيح، وذكِّروا بنا الأمبراطور المحب لله، أنكم قبلتم التماسنا، وليخبره مجمعكم بسرعة ما هو مقبول في ما يختص بنا". بهذه الوسائل، وبعد تغييرهم لآرائهم، أُعيد إفسافيوس وثيوغنيس إلى كنائسهما». (التاريخ الإكليزيولوجي، الكتاب الثاني، الفصل 16)
هذه الرسالة المُعطاة لنا من سوزومينوس هي ذي أهمية كبرى، لأنَّها تشير أنَّ إفسافيوس النيقوميذي قَبِل الإيمان الأرثوذكسي وأعاد الشركة مع الكنيسة الجامعة وأنكر هرطقة آريوس. تكشف أيضًا لماذا إفسافيوس أُرسل إلى المنفى – لأنه رفض إدانة آريوس.
بالطبع في السنوات اللاحقة للمجمع المسكوني الأول سنة 325 استمرَّ الجدال الآريوسي بالنهوض وصعد مجددًا، وأحيانًا أظهر قسطنطين محاباة للأساقفة الآريوسيين، ولكنه فعل هذا باعتدال بهدف الحفاظ على السلام في الأمبراطورية ووحدة الكنيسة. بالنسبة لقسطنطين، طالما تُظهر ولاءك للكنيسة الغير منقسمة، فلن يطرح أسئلة عن نواياك الشخصية وبالتالي الخلّ بالأمن. وإذا قام أحد بالخلّ بالأمن، إن كانوا أرثوذكس أو لا، كانوا يُرسلون إلى المنفى، مثلما حصل مع القديس أثناسيوس الإسكندري. بقدر ما كان يعرف قسطنطين، تاب إفسافيوس في رسالته عن خطئه وأُعيد إلى أبرشيته وفاز بعطف قسطنطين لأنه بالتحديد كان أرثوذكسيًا. ومن خلال هذا الأسقف القانوني في الكنيسة الأرثوذكسية، إفسافيوس النيقوميذي، تلقَّى قسطنطين المعمودية المقدسة، وأصبح في شركة قانونية مع الكنيسة. بناءً على ذلك، لا يوجد شك من جهة الكنيسة الأرثوذكسية، وبعد الأخذ بكل الحقائق التاريخية حول هذه المسألة، أنَّ قسطنطين الكبير اعتمد كمسيحي أرثوذكسيّ على يد أسقف أرثوذكسي.
المرجع: http://www.johnsanidopoulos.com/2012/05/was-constantine-great-baptized-arian.html