أحد الفصح 2019
نلاحظ أنّ الإنجيل الذي سمعناه اليوم لا يتكلّم عن القيامة، على عكس الإنجيل الذي سمعناه صباحًا في قداس سبت النور. هذا المقطع الإنجيليّ هو الإصحاح الأوَّل من الإنجيل بحسب يوحنا. وسنستمرّ بقراءة إنجيل يوحنا حتى عيد العنصرة.
يُخبرنا هذا المقطع الإنجيليّ بدايةً عن يسوع المسيح المخلِّص الذي قام من بين الأموات. يبدأ بـــ"في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وإلهًا كان الكلمة"، الكلمة هو يسوع المسيح الإبن، الإله الحقّ كما نقول في دستور الإيمان "إله حقّ من إله حقّ". فيُشيرُ هنا إلى هذا المخلِّص الذي تجسّد، ومات وقام من أجلنا، هو نفسه ابن الله الحيّ المساوي للآب في الجوهر. يُكمل قائلًا: "به كان كلّ شيء وبغيره لم يكن شيءٌ ممّا كان"، يتكلَّم هنا عن الخليقة التي خلقها الرَّب يسوع المسيح الكلمة. سقطت هذه الخليقة في الخطيئة، فدخلت في الظلمة. لهذا قال: "به كانت الحياة والحياة كانت نور النّاس والنور في الظّلمة يُضيء"، المسيح هو ذلك النور الذي أتى إلى عالم الظّلمة، العالم الذي كان يعيش في حالة ظلاميّة قبل تجسّد المسيح وصلبه وقيامته، أي في حالة خضوع لسلطان الموت والشيطان والخطيئة. فأتى المسيح النّور وأضاء كلّ الخليقة، هذا العالم الذي يه كُوِّنَ ولم يعرفه العالم. لكن هذه الخليقة القديمة الساقطة صارت خليقةً جديدة، تجدَّدَت الخليقة، لم تعُد خليقةً تحيا فقط بحسب الجَسَد، "الّذين لا من دمٍ ولا من مشيئة لحمٍ ولا من مشيئة رجلٍ لكن من الله وُلدوا"، أيّ كلّ إنسان يؤمن بالمسيح ويعيش له أصبح قادرًا أن يُولَدَ مباشرةً من الله لا من مشيئة جسدٍ. لهذا يقول: "أمّا الذين قبلوه أعطاهم سلطانًا أن يكونوا أبناء الله"، نصير أبناء الله بالعموديّة فكلّ إنسان يعتمد على اسم الثالوث القدّوس ويحيا فيه، يحيا في المسيح، يصيرُ إبنًا حيًّا، لا يعود جسدًا مجرَّدًا إنّما جسدًا وروحًا، وهذه الرّوح التي تسكن فينا هي روح الله، "من ملئه نحن جميعًا أخذنا نعمةً فوق نعمةٍ" أصبحنا في عصر النّعمة، عصر التبنّي. فُتِحَ هذا العصر بيسوع المسيح، فُتِحَ لنا ملكوت السّموات. فُتحَت لنا الحياة الأبديّة عندما غلب المسيح الموت بموته وقيامته. كان الموت عائقًا أمام عبور الإنسان إلى الحياة الأبديّة، إلى الملكوت السّماوي. عَبَرَ المسيح الموت بقيامته، فصار كلّ إنسانٍ معمدٍّ قادرًا على أن يغلب الموت ويعبر إلى الحياة الأبديّة.
هذه الحياة الأبديّة التي نسعى إليها نحن المسيحيّين لا تبدأ بعد الموت إنما بعد المعموديّة. لهذا نقول إنّنا قادرون على عيش الحياة الأبديّة منذ الآن. هذه هي غاية المسيح، لهذا جاء إلى العالم. جاء ليعلّمنا أن نطلبَ شيئًا واحدًا في هذه الحياة، أن نطلبه هو، والحياة معه في ملكوته، آمين.