الحرب ضد أفكار الخطيئة

للشيخ أفرام الفاتوبيذي

 

صفحة القدّيس غريغوريوس بالاماس

تعريب بورفيريا هيكل

 

 

سؤال: ما هي أفكار الخطيئة وما هو مصدرها الرّوحي؟

جواب: هي أفكارٌ معارضة لمشيئة الله وتعمل في فكر الإنسان إمّا بإرادتها أو لا. يعمل العقل من دون راحة فإمّا يُنتج أفكارًا أو أنّ عوامل خارجية تظهر باستمرارٍ أمام الذّهن.

 

سؤال: من أين تأتي مثل هذه الأفكار؟

جواب: مصدرها هو إمّا قلب الإنسان العاطفي أو الشيطان نفسه. فالمسيح بنفسه يكشف قائلاً: "لأنّ من القلب تخرج أفكارٌ شريرةٌ: قتلٌ، زنىً، فسقٌ، سرقةٌ، شهادة زورٍ، تجديف." (متى 15: 19)

تصدر أهواء الإنسان من الأفكار الشريرة وتتغذّى منها. والشياطين هي كائناتٌ تتغذّى من الكره المتزايد للبشر وتعيق خلاص الإنسان بكل الطرق الممكنة. وظيفتها الأساسية هي زرع الأفكار الشريرة والحقيرة وأفكار الخطيئة والتجديف في فكر الإنسان.

بالطَّبع ثمَّة أفكار إلهيَّة مصدرها الله نفسه والقديسون وهي تشجّع الإنسان على التوبة وتعزّي بطريقةٍ ما أولئك المضطربين منيرةً المستقيمين لكي "يفحصوا كل شيء حتى أعماق الله" (كور الأولى 2: 10)

يظهر تقدّم الإنسان الروحي أساساً في نوعية أفكاره. علينا أن نزرع الأفكار النقيّة والمقدسة والإلهية. علينا تحويل عقلنا إلى مصنعٍ للأفكار الحسنة كما كان يقول الشيخ بايسيوس.

 

سؤال: كيف نعرف هذه الأفكار وكيف نميّزها عن الأفكار الشريرة؟

جواب: يمكن مراقبة العقل والانتباه إلى تحديد أفكارنا من خلال اليقظة (nipsis) فقط. فاليقظة هي ضبط النفس، هي الإنتباه الذي أفرضه على عقلي.

يمكننا تحقيق ذلك من خلال ذكر اسم المسيح الفائق الجلال والعظيم والعذب. فصلاة "ربي يسوع المسيح ارحمني" هي السِّلاح الأقوى ضدّ الشياطين والأهواء وبإمكانها الحفاظ على العقل المسيطَر عليه من قبل الأفكار والمُراقِب لها.

الأفكار كالطائرات التي تحلّق في الجو. والأمر لا يتعلّق بنا إذا كانت الطائرات تحلّق باستمرارٍ في الجو، إنّما يتعلّق بنا عندما نسمح لهذه الأفكار بأن تهبط داخلنا، وعندما نقبلها ونوافق عليها، وهذا ما لا يجب أن نفعله.

 

سؤال: ما الفرق بين الرغبة والفكر؟

جواب: الرغبة هي الحالة التي نشعر بها للقيام بشيءٍ ما، لطلب شيءٍ ما وهي حركة نابعة من القلب (طلب شيءٍ ما هو حركة للقلب)، فيما الفكر يتحرّك في العقل.

أوّلاً نشعر بالرغبة، وبعدها يتمّ التعبير عنها داخليًّا من خلال الأفكار. فالرغبة هي البداية، هي الجذر. ومن خلال قطع رغبات الخطيئة هذه، فنحن نحرّر أنفسنا بشكلٍ أساسي من أفكار الخطيئة.

لهذا، شدّد الرّب على: "أمّا أنا فأقول لكم كلّ من ينظر إلى امرأةٍ بقصد أن يشتهيها، فقد زنى بها في قلبه." (متى 5: 28) لقد أرادنا أن نقطع جذور هذه الأهواء.

ويقول القديس غريغوريوس بالاماس إنّ عقل المؤمن الذي يجاهد في صلاته يُطهَّر بسهولةٍ من الأفكار، تماماً كما لا يمكن لقلب إنسانٍ (والذي هو القوة التي تنتج الأفكار) أن يتطهّر إلّا إذا تطهّرت كلّ قوى الروح الأخرى، الشهوانيّة والرّوحيّة.

 

سؤال: هل علينا أن نعترف بكلّ أفكارنا؟

جواب: إنّ الأفكار التي تأتي إلى عقولنا يومياً هي بالآلاف، لا بل لا عدد لها ومعظمها شريرٌ وخاطئ. والشرير يعلم جيداً ماذا يفعل وهو يزرع هذه الأفكار. نحن مسؤولون فقط عندما نقبلها، وعندما نطبّقها.

يُحاكم الإنسان على كيفية تعامله مع هذه الأفكار استناداً إلى حالته الروحية. فمثلاً، بالنسبة إلى المثالي الذي لديه المعرفة الروحية المثالية ومراقبة الأفكار، فهو يخطئ إذا قبل فكرةً شريرة. أمّا بالنسبة إلى الإنسان الذي ما لبث أن بدأ حياةً روحية فقد لا يكون هذا الأمر خطيئة.

إنّ الإنسان الذي يجاهد كما يجب يعترف بأفكاره التي لا تكفّ عن الضغط عليه والتي لا يمكن مقاومتها من خلال الصلاة والجهاد فقط. ومن المستحيل للإنسان أن يعترف بكلّ أفكاره، فهذا مرضٌ نفسي. ويأتي الكثيرون للاعتراف مع دفترٍ يكتبون عليه أفكارهم، مئات الأفكار التي تمرّ يومياً في عقلهم. هذا ليس أمراً صحيحاً، فهم لا يُتعبون المعرّف/ الأب الروحي فحسب، بل هم أنفسهم لا يستفيدون. هذا لا يعتبر مراقبة للأفكار، وليس ثمرة اليقظة والتقدم الروحي، إنّها حالة مرضيّة.

 

سؤال: هل يمكننا التقدم إلى الكأس المقدّسة إذا أتتنا فكرة خطيئة مباشرة قبل المناولة المقدسة؟

جواب: بالطبع نتقدّم. ماذا نقرأ للقديس يوحنا الدمشقي مباشرة قبل المناولة المقدسة؟ "لقد وقفت تجاه أبوب هيكلك وعن الأفكار الرديئة لم أبتعد".

يصف الآباء الحرب ضدّ الأفكار بأنّها صعبة. ففي هذه الحالة بالتحديد، علينا أن نزدري هذه الفكرة لأنّها آتية من الشرير ليسرق منّا نعمة المناولة المقدسة، إلّا إذا كانت فكرة مرتبطة بخطيئة مميتة لم نعترف بها، رغم أنني أظنّ أنّ فكرةً كهذه لن تحاربنا في ذلك الوقت إذ أنّ الوعي يكون قد رفضها مسبقاً.

 

سؤال: هل من أفكارٍ خبيثة تؤدّي إلى الموت الروحي؟

جواب: نعم، أفكار اليأس وفقدان الأمل. فهي بحسب الآباء أشبه بقطع رأس المجاهد. فعلى المؤمن ألّا ينسى حبّ الله أبانا ورحمته بغضّ النظر عن عمق الخطيئة التي يقع بها. عليه ألّا ينسى أبداً أنّ الرَّجاء والتوبة موجودان.

لم يأتِ المسيح ليدين العالم بل ليخلّصه. لقد قبل المسيح توبة اللّص الشرير على الصليب الذي كان على حافة الموت وخلّصه ونقله إلى الفردوس.

 

سؤال: هل على الإنسان أن يعترف لشريكه بأفكاره تجاهه؟

جواب: لا أظنّ ذلك، فالأفضل أن يخبر عن أفكاره للأب الروحي المشترك. فانتبهوا من أنّ الشرير، منذ أن يتحّد شخصان بأكاليل الزواج، يبدأ باستهدافهما ليفرّقهما في النهاية. لهذا هناك حربٌ لا يدركها معظم المتزوجين للأسف. فبداية الزواج مثل شهد العسل والحبّ يجمعهما، ثمّ تبدأ الخلافات والمشاجرات و"أنت لا تروق لي" و"أنا لا أحبّك". كلّ هذا حربٌ!

لماذا؟ ما الذي حصل بعد عشر سنوات أو أكثر من الزواج وكيف لا يحبّ الواحد الآخر؟ من الأفضل أن يطرح الزوجان في البداية هذه المشاكل للأب الروحي المشترك الذي سيرشدهما من خلال استنارته بالروح القدس كما يجب وسيبعد عبر صلاته الأرواح الخبيثة التي حلّت بينهما لتفرّقهما. ولست أقول بذلك إنّه لا يجوز على الزوجين مناقشة أمورٍ بين بعضهما، إذ إنه أمرٌ ضروري لاتحادهما وحبّهما، إنما لا يجوز أن يخبرا بعضهما عن أفكارهما الخاطئة التي يحبكها الشيطان.

 

سؤال: كيف يمكننا محاربة هذه الأفكار؟

جواب: من خلال اليقظة وصلاة "ربي يسوع المسيح ارحمني". يقول القديس يوحنا السينائي في كتابه "السُلَّم إلى الله": "إنَّ أعداءنا هم أهواءنا، وأفكارنا الشرِّيرة والشياطين وما من طريقة أكثر فعاليّة سوى تلاوة الصلاة بلوم الذّات وألم القلب.

أمّا اذا لاحظت أنَّ فكرةً ما قد استمرَّت ولم تختف على الرُّغم من جهودك وصلواتك، عندها فمن الجيِّد أن تعترف بها. فالإعتراف هو تطبيق التواضع والله يعطي المتواضعين نعمةً (يع: 4: 6). والخزي الذي نشعر به أمام الأب الرّوحي عند الإعتراف بالخطيئة سيبرِّرُنا أمام الرَّب الذي سيخلّصنا من قوّة هذا الهوى وهذا الفكر الخاطئ.

كذلك، من الجيِّد أن نزرع أفكارًا حسنة وذلك على الرُّغم من تلك الشريرة والخاطئة، إنَّما هذا يتطلَّب جهدًا كبيرًا.

الإزدراء الذي نبديه للأفكار الشرّيرة، المحبوكة من الشيطان، سوف يُضعف الشيطان نفسه ويحاصره ويجعله يهرب لأنَّه متكبّر وهو يريدنا أن نهتم لأمره وننشغل به ولا يحتمل أن يكون مزدرى به.

إن استطعت أن تزرع بهذه الطريقة فستكون الطريقة الأكثر سلاميَّةً، كما يقول القدّيس بورفيريوس الكافسوكاليفي. لنطلب السلام والفرح ومحبّة المسيح ولا نهتم لأنانا الشرّير وأهوائنا وخطايانا. لنلتفت وننقل كل كياننا إلى المسيح ونلتمس وجهه ورحمته. وهكذا، ومن دون أن نشعر سنتقدّس ويضمحل إنساننا العتيق مع كل شهواته وأفكاره التي أرهقتنا، وسنلبس الإنسان الجديد "المخلوق من الله" (أف 4: 24). 

  

 

http://artoklasia.blogspot.com/2018/10/war-with-sinful-thoughts-elder-ephraim.html?m=1