لماذا يصعب على الشباب أن يأتوا إلى الكنيسة؟ (الجزء الثاني)

الأرشمندريت جاورجيوس كابسانيس، رئيس دير غريغوريو في الجبل المقدَّس

 

صفحة القديس غريغوريوس بالاماس

(تعريب ماهر سلّوم)

 

 

 

لدينا العديد من الأمثلة عن شبابٍ خاب أمَلُهُم بجميع ما يُحيط بهم فالتجأوا إلى المسيح، ألا وهو المَلاذ الأخير والوحيد كي يتحرّروا من حالتهم. إنّ العديد من الشباب الذين كانوا متورِّطين بالمُخدِّرات، وهم من عائلات مُحتَرَمة، قالوا لي: “يا أبتِ، لم نَتعاطَ المُخدِّرات بسبب انحرافٍ ما، بل نتيجة خَيْبَتِنا بكل شيء. فكُنّا نبحث عن سبيل كي نخرج من مأزِقِنا.” إن الشيطان يخدعهم فيظنّون أنهم سيجدون في المُخدِّرات ما تَتوقُ إليه أنفسهم.
 

يمكن للشباب أن يفهموا من خلال خبرتهم أن أساس جميع الخطايا هو الأنانيّة أي المحبة المريضة للذات التي تدفع الناس للوقوع في أزمة الوحدة. لا يمكنك إستعادة التواصل الحقيقي مع الله والناس من خلال محبة الذات بسبب انغماسك في وحدة لا تُطاق. وهذه الوحدة هي جحيم قبل الجحيم. يمكن فهم الخبرة السيّئة لسوء التواصل بين الناس بواسطة جواب جمجمة الكاهن الوثني التي سألها القديس مكاريوس الكبير عن وضع النفوس في الجحيم. فقالت الجمجمة أن الناس في الجحيم لا يمكن أن يروا بعضهم الآخر. لكننا نرى بعضنا الآخر في الكنيسة أي في يسوع المسيح.
 

بما أننا خُلِقنا على صورة الله فنحن كائنات لاهوتيّة[1]. لا يمكن لأي وسيلة تحرير أن تعطينا ما يُكَمِّلنا، ما يشرح وجودَنا وما يزرع البهجة في أعماق نفوسنا إلّا أن نعود إلى مِثال صورَتِنا، إلى المسيح.
 

في الكنيسة، يتمكّن الناس من اكتشاف شخصيّتهم في الشركة مع الله ومع الآخرين، بذلك يتمكّنون من الوصول إلى عِلّة وجودهم الأسمى، أي أن يتمجّدوا. تعطينا الكنيسة الفرصة أن نحقّق إنسانيّتنا الحقيقيّة.
 

الله والكنيسة يحبّون الناس كما هُم، حتى عندما يرفضهم أهلهم. تقبلهم الكنيسة كما هُم، بِغَضّ النظر كم هُم خطأة، لكن من أجل إعطائهم الفرصة أن يصيروا ما يريد الله أن يكونوا. يساعدهم كثيراً موقف القُبول هذا، كما هو معروفٌ عند آباء ورهبان الصحراء. نجد حتى يومنا هذا آباء في الجبل المقدَّس يملكون تمييزاً عظيماً، فهم صارِمون مع أنفسهم لكنهم يُبدون محبة وتَفَهُّماً عظيمَين لطبيعتِنا الساقطة والمُعَذَّبة والفاسِدة. إنهم يعطون الآتين إليهم أيضاً الشجاعة والمؤازَرة لإخراجِهم من محنتهم ومن حالة الجحيم الواقعين فيها، ولكي يجلبوهم بمحبة وتمييز عظيمَين إلى الله.
 

توجد أيضاً في الكنيسة فرصة خبرة الله الأسراريّة. لا يرضى الناس فقط بعلاقة خارجيّة مع الله. لقد خُلِقنا كي نكون في حب مع الله. إن الحب الإلهي، بحسب الآباء القديسين، هو حاجة للنفس البشريّة. بالنهاية، إن ما يجلب التعزية للناس هو علاقة العشق مع الله.

إنّ علاقة العشق هذه والحياة الأسراريّة وخبرة الله تتغذّى بأسرار الكنيسة والصلاة بلا انقطاع وبممارسة النسك التي سَلَّمَنا إيّاها الآباء القديسون والفيلوكاليا.

 

تضمن نعمة المسيح خبرةً سماويّةً للمسيحيّين الأرثوذكس الذين يجاهدون بِبَسالة. لذا، نحن لا نُجاهِد باطِلاً ولَسْنا بحاجة أن نبحث عن وسائل أُخرى لفدائنا.
 

هذه هي بعض الإمكانيّات التي نملكها لنبلغ أعماق نفوس أبنائنا ونخفّف هُمومَهم، خاصة بتقديم الأجوبة المناسبة لأسئلتهم الكثيرة عن أساس وُجودِهم. يجب أن نقوم بها بأسلوب إيجابي مفعم بالمحبة والحنان تجاههم. لذلك، نحن بحاجة بالتأكيد إلى مُعَلِّمين ومُرشِدين يملكون موهبة روحيّة. نسأل الله أن يؤمّن هكذا معلّمين لأنهم نور العالم.

 

http://pemptousia.com/2017/09/its-difficult-for-young-people-to-come-to-church-part-2/

 


[1] بما أن الإنسان مخلوقٌ على صورة الله ومِثالِه فهو كائنٌ يتألّه بالنعمة.