عظة فصحيّة للقديس غريغوريوس اللاهوتي

تعريب ماهر سلوم

 

1. اليومَ يومُ القيامة وظُهور بَشائر الصلاح.

فَلْنُعَيِّد إذن بابتهاج (إشعيا 5:66)، ولنُصافِحْ بعضُنا بعضاً.

ولْنَقُل يا إخوة، حتى لِمُبغِضينا، وخاصةً للذين قاموا بأعمال صالحة وجاهدوا حُبّاً بنا.

لِنَغفِر جميع السيّئات من أجل القيامة، لِنَمنَح بعضُنا بعضاً الغفران.

 

2. لقد مَسَحَني سِرٌّ، إبتعدتُ لبعض الوقت نحو سِرٍّ، فقد كنتُ بحاجة لأتَفَحَّص ذاتي.

أعود الآن مع سِرٍّ، حاملاً معي هذا اليومَ كمُدافِعٍ عن جُبْني وضُعْفي؛ كي يُجَدِّدَني مَن قام اليوم من بين الأموات بِروحِه، إذ يُسِرْبِلُني بالإنسان الجديد، كي يَهَبَني لخليقته الجديدة، للمولودين من الله، كمِثالٍ ومعلّمٍ للمسيح، مائتاً بإرادتي معه وناهِضاً معه.

 

3. أمسِ ذُبِحَ الحمل وخُتِمَت الأبواب، وانتحبَتْ مصر على أبكارِها، وجاز عنّا مُهلِك النفوس، والخَتْمُ كان مُوَقّراً ومَرْهوباً، واحتمينا بالدم الكريم.

اليوم نَجَونا سالمين من مصر ومن فرعون؛ ولا يستطيعنَّ أحد مَنْعَنا من التعييد للرب إلهنا – عيد نجاتِنا - أو من إقامة هذا العيد، "لَيْسَ بِخَمِيرَةٍ عَتِيقَةٍ، وَلَا بِخَمِيرَةِ ٱلشَّرِّ وَٱلْخُبْثِ، بَلْ بِفَطِيرِ ٱلْإِخْلَاصِ وَٱلْحَقِّ" (1 كور 8:5)، مُبَدِّدين الخمير المصري الكافر.

 

4. أمسِ صُلِبتُ معه؛ اليوم أتمجّدُ معه، أمسِ مُتُّ معه؛ اليوم أتشدّدُ به، أمسِ دُفِنتُ معه؛ اليوم أقومُ معه.
لكن فلنقدّم له، هو الذي تألّم وقام من أجلنا – ربما تظنّون أنني سأقول ذهباً أو فضّةً أو حجارةً كريمة وثمينة، هذه هي مادّة الأرض الزائلة التي تبقى هنا في الأسفل، ويقتنيها دائماً أُناسٌ أشرار، عبيد الأرض وسلطان هذا العالم - لكن فلنقدِّم ذَواتِنا، مُلْكَ المسيح الأغلى ثمناً، لله،

فلنقدّم له، كما يليق به، الصورة المصنوعة على مثال الصورة. فلنَعترِفْ بكرامتنا ونُعَظِّم مثال صورتِنا، فلنتعلّم قوة السر، وما مات المسيح من أجله.

 

5. فلنصبح مثل المسيح، بما أن المسيح صار مِثْلَنا،

 فلنُسَلِّم ذواتِنا لله من أجله، فهو تأنّس من أجلِنا.
لقد احتمل المساوئ كي يُعطينا كلّ صلاح؛ صار فقيراً كي نَغْتَني من خلال فَقرِه (2 كور 9:8).
اتّخذ صورة عبدٍ كي نتحرّر به  تنازل كي نرتفع؛ خضع للتجارب كي نَغلِب التجارب؛ كان مُهاناً من أجل تَمجيدِنا؛ مات كي يُخلِّصنا؛
صعد إلى السماء كي يَجذُبَنا إليه، نحن الغارِقين في سَقْطة الخطيئة.

 

فلنُعطِ كلّ شيء، لنقدّم كلّ ما نَملُك للذي قدّم نفسه فِدْيةً ومُصالَحةً من أجلنا. أفضلُ ما يمكن أن نقدّمه هو ذواتِنا، مُدرِكين السِرَّ، وصائرين من أجله ما صار هو من أجلنا.

 

6. كما تَرَون، هو يقدّم لكم راعياً؛ فهذا ما يَرجوه ويصلّي من أجله راعيكُم الصالح، الذي يَبذُل حياتَه من أجل خِرافه، ويطلب منكم أنتم الرعيّة، ويقدّم لكم ذاتَه مُضاعَفاً وليس فَرْداً؛ ويجعل عَصَاه صولجاناً ِلروحِكُم.

ويُضيف إلى الهيكل المُتَحَجِّر هيكلاً حَيّاً؛ إلى ذلك المزار السماوي الفائق الجمال، هذا المقام الصغير والوضيع، لكنه عظيمُ الشأن بالنسبة له إذ هو مَبْنيّ بالكثير من الكَدِّ والأتعاب.
أقول هذا كمحاولة لِوَصْفِ أتعابه بجدارة. إنّه يضع كلّ ما يملك في خدمتكم: (يا لعظمة الكرم! أو بالأحرى، يا للحب الأبويّ!) وَقارَه، شبابَه، الهيكل، رئيس الكهنة، المُوَرِّث، الوارِث، الأحاديث التي تتوقون لسماعها؛ الأحاديث التي لا يَشوبُها أي باطل ولا تولَد في الهواء، والتي لا تدخل الأُذن الخارجيّة فحسب، بل التي يكتُبها الروح على ألواحٍ حجريّة ويَخُطُّها بوضوحٍ لا بالحبر بل بالنعمة.

 

7. هذا ما قدّمه ابراهيم الخليل، هذا الرأس الكريم والعظيم، البطريرك، مَنْزِلة كل صلاح، قاعدة الفضائل، كمال الكهنوت، وهو يقدّم اليوم للربّ تضحيتَه بإرادته، إبنَه الوحيد، إبن الموعد.

هل تُقَدِّمون بِدَوركم الطاعة لله ولِرُعاتكم؟

مُقيمين في مساكن خضرة، مُسْتَقين من مياه الراحة، عارِفين راعيكم جيداً ومعروفين منه (يوحنا 14:10)، وتتبعونه عندما يناديكم الراعي من الباب، ولا تتبعون غريباً يتسلّل الحظيرة كسارق وخائن، ولا تسمعون لصوت غريب يخدعكم خلسة ويبدّدكم عن الحقيقة في الجبال (حزقيال 6:34) والصحاري والمهالك والأماكن البعيدة عن الله، ويضلّلكم عن الإيمان الحق بالآب والإبن والروح القدس، اللاهوت الواحد والقوة الواحدة، الذي تسمع خِرافي صوتَه دائماً ولكن تحاول كلمات الخداع والباطل سَلْخَها عن راعيها الحقيقي.

فلنكن مَحفوظين جميعاً، رُعاةً ورعيّةً، من أقوال الخِداع كَمِن سُمٍّ قاتل؛ مُرشِدين ومُرشَدين بعيداً عنها، كي نكون واحداً بالمسيح يسوع ربنا، الآن وحتى الأخدار السماويّة، له المجد والعِزّة الآن وكل آنٍ وإلى دهر الداهرين، آمين.

المرجع:

https://preachersinstitute.com/2010/04/02/on-pascha-st-gregory-the-theologia/