ميزات المسيح الدَّجّال
ميزات المسيح الدَّجّال
غريغوري ديفيس
نقله إلى العربية: ماهر سلوم
حدّد الآباء القدّيسون عددًا من الميزات التي يتّسم بها المسيح الدَّجّال1 وفترة حُكمه.
-
سوف يكون المسيح الدَّجّال إنسانًا. كجميع الناس، سيكون المسيح الدَّجّال على صورة الله، لكنّه، باختياره الحر، سيكون خاضعًا بكلّيته لقوّة الشيطان. لن يكون المسيح الدَّجّال الشيطانَ بذاته. «لا يصير الشيطانُ… إنسانًا بالطريقة ذاتها التي تأنّس بها الرب، حاشا!»2. بل سيسكن الشيطان في المسيح الدَّجّال الإنسان ويتحكّم بشخصيّته بأقصى ما يمكن، ويستخدمه بالوكالة لكي تعبده البشريّة.
-
سوف يكون المسيح الدَّجّال عِبرانيًّا، من جهة العِرق، من سِبط دان. كما خرج المسيح من الشعب العِبرانيّ، كذلك المسيح الدَّجّال. لكن المسيح وُلِدَ من سِبط يهوذا المَلَكيّ، أمّا المسيح الدَّجّال فسيولد من سِبط دان، وهو أحد الأسباط العشر "الضالّة” التي تشتّت خلال الغَزو الأشوريّ (722 ق.م.)
«نرى أن هذه الأمور قد كُتِبَت عن المسيح الدَّجّال… ‘دَانُ شِبْلُ أَسَدٍ يَثِبُ مِنْ بَاشَانَ.‘3 وبتسمية سِبط دان، يُعلِن بوضوح السِّبط الذي ينحدر منه المسيح الدَّجّال. فكما أن المسيح ينحدر من سبط يهوذا، كذلك المسيح الدَّجّال سوف ينحدر من سبط دان. وبما أن الأمر هكذا، فنحن نرى أيضًا كلمات يعقوب: ‘يَكُونُ دَانُ حَيَّةً عَلَى ٱلطَّرِيقِ، أُفْعُوانًا عَلَى ٱلسَّبِيلِ، يَلْسَعُ عَقِبَيِ ٱلْفَرَسِ.‘4 وما تعنيه الحيّة سوى المسيح الدَّجّال، ذلك المُضَلّ المذكور في سفر التكوين، الذي خدع حواء وأنزل آدم من الفردوس؟ ...هذا يعني أنه حقًّا من سبط دان سينحدر ذلك الملك المارد، ذلك القاضي الرّهيب، إبن الشيطان.»5
-
من الممكن أن المسيح الدَّجّال سيكون مِثليّ الجنس. يَرِدُ في رؤية دانيال النبي: «في ٱلسَّنَةِ ٱلثَّالِثَةِ لِكُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ... وَٱلْأَمْرُ حَقٌّ وَٱلْجِهَادُ عَظِيمٌ.»6 تنبّأ دانيال أمبراطورية فارس واليونان، وبالأخصّ عن الحرب بين "ملك الجنوب”7 و"ملك الشمال”8.
«وَيَفْعَلُ ٱلْمَلِكُ (ملك الشمال) كَإِرَادَتِهِ، وَيَرْتَفِعُ وَيَتَعَظَّمُ عَلَى كُلِّ إِلَهٍ، وَيَتَكَلَّمُ بِأُمُورٍ عَجِيبَةٍ عَلَى إِلَهِ ٱلْآلِهَةِ، وَيَنْجَحُ إِلَى إِتْمَامِ ٱلْغَضَبِ، لِأَنَّ ٱلْمَقْضِيَّ بِهِ يُجْرَى. وَلَا يُبَالِي بِآلِهَةِ آبَائِهِ وَلَا بِشَهْوَةِ ٱلنِّسَاءِ، وَبِكُلِّ إِلَهٍ لَا يُبَالِي لِأَنَّهُ يَتَعَظَّمُ عَلَى ٱلْكُلِّ.»9
فيما لا يُذكَر المسيح الدَّجّال حرفيًّا في نبوءة دانيال، أن هذا الملك «يَرْتَفِعُ وَيَتَعَظَّمُ عَلَى كُلِّ إِلَهٍ» و«يَتَكَلَّمُ بِأُمُورٍ عَجِيبَةٍ عَلَى إِلَهِ ٱلْآلِهَةِ»، فهذا يجعله مسيحًا دجّالاً بامتياز، إن لم يكن المسيح الدَّجّال بذاته. وبما أنه «لَا يُبَالِي... بِشَهْوَةِ ٱلنِّسَاءِ»، فهذا ربما يُشير أنه مِثليّ الجنس، وهذه خطيئة فظيعة كانت سبب تدمير الرب لصدوم وعمورة10. يزداد تقبّل المِثليّة الجنسيّة في أيّامنا هذه حتى بين الشخصيّات المعروفة والسياسيّين.
-
المرحلة الأولى من مراحل حياة المسيح الدَّجّال الثلاث ستكون غامضة. ففي شبابه سيتربّى المسيح الدَّجّال "في السر"11. كما أن المسيح لم يبدأ بشارته حتى حوالي سنّه الثلاثين، كذلك المسيح الدَّجّال سوف يُظهِر نفسه في سن مماثل. لن يرى العالمُ نُمُوَّ المسيح الدَّجّال ووظيفته العامة خلال سِنيه الأولى.
-
إن الفترة بين شبابه وانخراطه في الحياة العامة، وهي المرحلة الثانية من حياة المسيح الدّجّال، مرحلة ارتقائه السلطة العالميّة، ستتمّ خلال ثلاث سنين ونصف (42 شهر) تقريبًا12، وهذه هي فترة بشارة المسيح على الأرض تقريبًا. خلال هذه الفترة، سيظهر المسيح الدَّجّال للعالم كفاعل خير عظيم، يُسبِغُ السلامَ والعدلَ، ويحلّ المشاكل الصعبة. «في بداية حكمه، أو بالأحرى طُغيانه، سوف يتّخذ دور القداسة.»13 من خلال صلاحه الظاهريّ ومؤهّلاته الفريدة، سوف يكسب ثقة العالم ويحرز قوّة عظمى. سوف يكون ظهور المسيح الدَّجّال في الساحة العالميّة مُفاجئًا، وسيحصل على الأرجح في فترة من الإضطرابات الشديدة، ربما خلال حرب عالميّة أو أزمة إقتصاديّة، حين يكون "بحر” البشريّة مضطربًا جدًّا، «اَلْبَحْرُ وَٱلْأَمْوَاجُ تَضِجُّ.»14
-
يبدو أن مجلس قوة المسيح الدّجّال السياسيّة سيأتي من بين بلاد الأمبراطورية الرومانية القديمة، تحديدًا من أوروبا وبلاد البحر الأبيض المتوسّط. رأى النبي دانيال (530-600 ق.م.) في رؤيا حلمٍ بُروزَ أربعة ممالك بشكل أربعة وحوش، والرابع بين هذه الوحوش «هَائِلٍ وَقَوِيٍّ وَشَدِيدٍ جِدًّا، وَلَهُ أَسْنَانٌ مِنْ حَدِيدٍ كَبِيرَةٌ. أَكَلَ وَسَحَقَ وَدَاسَ ٱلْبَاقِيَ بِرِجْلَيْهِ. وَكَانَ مُخَالِفًا لِكُلِّ ٱلْحَيَوَانَاتِ ٱلَّذِينَ قَبْلَهُ، وَلَهُ عَشَرَةُ قُرُونٍ… فَتَكُونُ مَمْلَكَةٌ رَابِعَةٌ عَلَى ٱلْأَرْضِ مُخَالِفَةٌ لِسَائِرِ ٱلْمَمَالِكِ، فَتَأْكُلُ ٱلْأَرْضَ كُلَّهَا وَتَدُوسُهَا وَتَسْحَقُهَا.» يعتقد مُفَسِّرو الكتاب المقدّس أن هذه المملكة الرابعة هي الأمبراطورية الرومانية، وقرونها العشرة هي عشر ملوك، «وَيَقُومُ بَعْدَهُمْ آخَرُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ ٱلْأَوَّلِينَ.» يعتقد كثيرون أن هذا الملك الأخير يُشير إلى المسيح الدّجّال.15
«لكن أيّام هذا المسيح الدّجّال تأتي عندما تتمّ مرحلة الأمبراطورية الرومانية، ونهاية العالم تقترب الآن. سوف يبرز عشرة ملوك من الرومان معًا، يحكمون في عدّة مناطق ربّما، لكن في نفس الوقت تقريبًا؛ وبعد هؤلاء يأتي الملك الحادي عشر، المسيح الدّجّال، الذي سيقبض على السلطة الرومانية بألاعيبه؛ وأمّا الملوك الذين حكموا قبله، فسوف “يحجّم ثلاثة منهم”، ويُبقي السبعة الآخرين تحت أُمرَتِه.»16
ويتّضح أن الوحش الرابع يتعلّق بالأمبراطورية الرومانية في حلم مُعتَقِل دانيال، الملك الفارسي نبوخذنصّر، الذي قام دانيال بتفسيره.17
-
ستكون مدّة المرحلة الأخيرة من حياة المسيح الدَّجّال ثلاث سنين ونصف تقريبًا أيضًا («لزَمَانٍ وَأَزْمِنَةٍ وَنِصْفِ زَمَانٍ»18 - سنة زائد سنتين زائد نصف سنة)، سيكون فيها ذا سلطة مطلقة على كل العالم، وستكون اورشليم عاصمته. خلال هذه المرحلة الأخيرة من حياة البشريّة، سوف يطلق الشيطان، من خلال ممثّله البشري الأكبر، المسيح الدَّجّال، والنظام العالميّ الذي يترأّسه، اضطهادًا غير مُسبَق ضد كل مَن لا يؤيّده – خاصةً ضد بقيّة المسيحيّين الحقيقيّين - «مُظهِرًا ضد جميع الناس، خاصةً ضدّنا نحن المسيحيّين روحًا إجراميّة، شديدة الضَّراوة، ماكرة وبلا رحمة.»19 سوف يكون هذا الإضطهاد ناجحًا في مَحو الكنيسة من الأرض لو لم يَعِد الرب بِتَقصير تلك الأيام «لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ٱبْتِدَاءِ ٱلْعَالَمِ إِلَى ٱلْآنَ وَلَنْ يَكُونَ. وَلَوْ لَمْ تُقَصَّرْ تِلْكَ ٱلْأَيَّامُ لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ. وَلَكِنْ لِأَجْلِ ٱلْمُخْتَارِينَ تُقَصَّرُ تِلْكَ ٱلْأَيَّامُ.»20 لكن انتصار المسيح الدَّجّال الظاهري سيكون نذيرًا لِهَلاكه الأبدي وهلاك الشيطان نفسه. «وَإِبْلِيسُ ٱلَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ وَٱلْكِبْرِيتِ، حَيْثُ ٱلْوَحْشُ وَٱلنَّبِيُّ ٱلْكَذَّابُ. وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيْلًا إِلَى أَبَدِ ٱلْآبِدِينَ.»21
«وعندما يجتاح المسيح الدَّجّال هذا كلَّ ما في العالم، سيملك لمدّة ثلاث سنين وستة أشهر وسيجلس في هيكل أورشليم؛ ثم يأتي الرب من السماء على السُّحُب، بمجد الآب، ويرسل هذا الرّجل وكل أتباعه إلى بحيرة النار.»22
-
حين يكتسب المسيح الدَّجّال السلطة المطلقة، لن يحتمل “الدّيانات” الأخرى التي تمثّل الألوهة. بهذا المعنى، سيبدو أنه يقلّد المسيح والكنيسة في “تطهير” العالم من الوثنيّة.
«بما أن المسيح الدَّجّال هو مُرتدٌّ ولصٌّ فهو يتوق أن يُعبَد كإله، ورغم أنه مجرّد عبد، فهو يُريد أن يُعلَن ملكًا. فبما أنه لابسٌ كل قوة الشيطان، فلن يأتي كملكٍ عادلٍ ولا كملكٍ شرعيٍّ خاضعٍ لله، بل ككافرٍ وظالمٍ ومُتَعَدٍّ للشريعة… سوف يطرح الأصنامَ ليقنع الناس أنه إله بذاته ورافعًا ذاته كالصَّنَم الوحيد.»23
من المُحتَمَل أن عبارة "يطرح الأصنام” تُشير إلى أن المسيح الدَّجّال سيهاجم تقليد الأيقونات الأرثوذكسي، الذي أُعلِنَ في المجمع المسكوني السابع سنة 787. إن احتمال حرب المسيح الدَّجّال على الأيقونات سيثبت بعضًا من تعلّق الغربيّين غير الأرثوذكس به، فمعظمهم يرفضون الأيقونات على أنها أصنام.
-
في وقتٍ ما خلال وظيفته، سوف يبدو أن المسيح الدَّجّال يجترح عجائب باهرة، وربما يجترحها بالفعل. ومن خلال جُهدِه للظهور كمسيحٍ للعالم، وخاصة للمسيحيين الإسميّين الذين سيظنّون خطأً أنهم يرون المسيح في مجيئه الثاني، سوف يقلّد المسيح الدَّجّال العجائبَ التي اجترحها الرب في بشارته على الأرض، مثل شفاء المرضى وإقامة الأموات. سوف يجترح هذه "العجائب” بواسطة مزيج من قوى تكنولوجيّة وشيطانيّة التي لا علاقة لها بالنعمة الإلهيّة. إحدى أعظم خِدَع المسيح الدَّجّال ستكون بالتظاهر بالعودة للحياة بعد التعرّض لجرح مميت، أو بالتظاهر بإقامة أحد أتباعه، أي أنه يقلّد قيامة المسيح وإقامة المسيح للعازر.24
«وَٱلْوَحْشُ ٱلَّذِي رَأَيْتُهُ كَانَ شِبْهَ نَمِرٍ، وَقَوَائِمُهُ كَقَوَائِمِ دُبٍّ، وَفَمُهُ كَفَمِ أَسَدٍ. وَأَعْطَاهُ ٱلتِّنِّينُ قُدْرَتَهُ وَعَرْشَهُ وَسُلْطَانًا عَظِيمًا. وَرَأَيْتُ وَاحِدًا مِنْ رُؤُوسِهِ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ لِلْمَوْتِ، وَجُرْحُهُ ٱلْمُمِيتُ قَدْ شُفِيَ. وَتَعَجَّبَتْ كُلُّ ٱلْأَرْضِ وَرَاءَ ٱلْوَحْشِ.»25
إن تصوير المسيح الدَّجّال كوحشٍ بخصائص الحيوانات اللاحمة تُشير إلى قوّته وشراسته وضَراوته. على نفس المِنوال، كما اتّخذ الشيطان شكل حيّة في جنّة عدن من أجل غواية آدم وحوّاء، كذلك يُصَوَّر هنا كتنّين، كحيّة مفترسة عظيمة.
-
كما أن المسيح الدَّجّال سوف يقلّد المسيح، كذلك سوف يظهر نبيٌّ كاذبٌ يقلّد سابقَ المسيح، القديس يوحنا المعمدان («صَوْتُ صَارِخٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ ٱلرَّبِّ. ٱصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً»26)، ويعلّم العالم بأن يقبلوا المسيح الدَّجّال. «سوف يُعطى القدرة لاجتراح الآيات والعجائب، آتيًا أمام المسيح الدَّجّال ومُهَيِّئًا له الطريق ‘ٱلَّذِي يُؤَدِّي إِلَى ٱلْهَلَاكِ‘»27 28
«ثُمَّ رَأَيْتُ وَحْشًا آخَرَ طَالِعًا مِنَ ٱلْأَرْضِ، وَكَانَ لَهُ قَرْنَانِ شِبْهُ خَرُوفٍ، وَكَانَ يَتَكَلَّمُ كَتِنِّينٍ، وَيَعْمَلُ بِكُلِّ سُلْطَانِ ٱلْوَحْشِ ٱلْأَوَّلِ أَمَامَهُ، وَيَجْعَلُ ٱلْأَرْضَ وَٱلسَّاكِنِينَ فِيهَا يَسْجُدُونَ لِلْوَحْشِ ٱلْأَوَّلِ ٱلَّذِي شُفِيَ جُرْحُهُ ٱلْمُمِيتُ، وَيَصْنَعُ آيَاتٍ عَظِيمَةً، حَتَّى إِنَّهُ يَجْعَلُ نَارًا تَنْزِلُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ عَلَى ٱلْأَرْضِ قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، وَيُضِلُّ ٱلسَّاكِنِينَ عَلَى ٱلْأَرْضِ بِٱلْآيَاتِ ٱلَّتِي أُعْطِيَ أَنْ يَصْنَعَهَا أَمَامَ ٱلْوَحْشِ، قَائِلًا لِلسَّاكِنِينَ عَلَى ٱلْأَرْضِ أَنْ يَصْنَعُوا صُورَةً لِلْوَحْشِ ٱلَّذِي كَانَ بِهِ جُرْحُ ٱلسَّيْفِ وَعَاشَ. وَأُعْطِيَ أَنْ يُعْطِيَ رُوحًا لِصُورَةِ ٱلْوَحْشِ، حَتَّى تَتَكَلَّمَ صُورَةُ ٱلْوَحْشِ، وَيَجْعَلَ جَمِيعَ ٱلَّذِينَ لَا يَسْجُدُونَ لِصُورَةِ ٱلْوَحْشِ يُقْتَلُونَ.»29
كما أنزل النبي إيليا نارًا من السماء ليعلّم بني إسرائيل أن الرب هو الله ولا غير سواه، كذلك سوف يسعى المسيح الدَّجّال ليبرهن مسيحانيّة المسيح الدَّجّال بواسطة استعراضاتٍ من الشَّعوذة تقلّد أعجوبة القديس إيليا النبي.30 يحذّرنا الرب نفسه تحديدًا من عجائب المسيح الدَّجّال الكاذبة ومن النبي الكاذب، بكلامٍ آخر: «لِأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ، حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ ٱلْمُخْتَارِينَ أَيْضًا.»31 يحذّر القديس بولس الرسول بشكل مماثل من ذاك «ٱلَّذِي مَجِيئُهُ بِعَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ، بِكُلِّ قُوَّةٍ، وَبِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ كَاذِبَةٍ.»32 لقد رفض الرب في بشارته الأرضيّة مثل هذا النوع من المسرحيّات الذي كان خصومه يطلبونه - «جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً»33 - بحيث أن المسيح الدَّجّال والنبي الكاذب سوف يُضيئون السماء بما سيشكّل خِدعة الشعوذة الأعظم. الجيل الذي فقد جوهر المسيحية الحقيقية – حتى إذا احتفظ بإسمها - فقط هو الذي يسعى إلى آيات وعجائب استعراضيّة كي "يُثبِت” شرعيّة شخص يدّعي أنه رجل الله.
من أجل تسهيل العبادة العالميّة للمسيح الدَّجّال، سوف يُنتِج النبيُّ الكاذبُ صورةً له تتكلّم بتضليل شيطاني عن الأيقونات الأرثوذكسية، التي تصوّر بِوَرَعٍ اللهَ والمسيحَ والقدّيسين في رسوماتٍ مقدّسة. ربما تكون الصورةُ المتكلّمةُ شاذّةً غير طبيعيّة في عصور ما قبل الحداثة، لكن في عصرنا الإلكتروني، حين تعتمد العديد من الكنائس غير الأرثوذكسية التلفاز بشكل اعتيادي، فالصورةُ المتكلّمةُ تكون شيئًا مألوفًا جدًّا. من السهل أن نتخيّل صورةَ المسيح الدَّجّال وصوتَه تُبَثّ إلكترونيًّا في كل بيت ومِرفَقٍ عام وحتى كل مكان "عبادة”.
-
سوف يجلس المسيح الدَّجّال خلال حكمه في هيكل العهد القديم في أورشليم الذي سيُعاد بناؤه من أجله، وسوف يُعبَدُ هناك كإله، «حَتَّى إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ ٱللهِ كَإِلَهٍ، مُظْهِرًا نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلَهٌ.»34
«علاوة على ذلك، لقد أشار القديس بولس بعدّة أشكال لِما أظهرتُ: بأن هيكل أورشليم قد بُنِيَ بأمر الله الحق. فالرسول بذاته يسمّيه هيكل الله… الذي فيه يجلس العدوّ، مُجتهدًا أن يُعلِنَ نفسَه المسيحَ.»35
-
خلال حكم المسيح الدَّجّال، سيجعل النبيُّ الكاذبُ سكّانَ الأرض ينالون سِمةً تكون لازمةً للقيام بأعمال التّبادل في نظام العالم الإقتصادي. «وَيَجْعَلَ ٱلْجَمِيعَ: ٱلصِّغَارَ وَٱلْكِبَارَ، وَٱلْأَغْنِيَاءَ وَٱلْفُقَرَاءَ، وَٱلْأَحْرَارَ وَٱلْعَبِيدَ، تُصْنَعُ لَهُمْ سِمَةٌ عَلَى يَدِهِمِ ٱلْيُمْنَى أَوْ عَلَى جَبْهَتِهِمْ، وَأَنْ لَا يَقْدِرَ أَحَدٌ أَنْ يَشْتَرِيَ أَوْ يَبِيعَ، إِلَّا مَنْ لَهُ ٱلسِّمَةُ أَوِ ٱسْمُ ٱلْوَحْشِ أَوْ عَدَدُ ٱسْمِهِ.»36 فيما سِمة أو علامة الأرثوذكس هي الصليب، كذلك سيعطي المسيح الدَّجّال والنبيّ الكاذب أتباعهم سِمةً تؤهّلهم مُزاوَلة التجارة العالميّة. إن علامة الصليب الأرثوذكسية تتألّف من توجيه الأصابع الثلاث الأولى في اليد اليُمنى إلى جبهة الرأس أولاً؛ ستكون علامة المسيح الدَّجّال المَوسومة على اليد اليُمنى أو الجبهة تشويهًا لإشارة الصليب. أمّا مسألة كون السِّمة ظاهرة ومَلموسة أم لا، فيمكن إيجاد تلميح في "الختم” الأرثوذكسي بالميرون المقدّس على عدّة أماكن في الجسد بعد المعموديّة، بِما فيها الجبهة واليدين، الذي يمثّل ختم الذّهن والقلب لله. في رؤيا لقديس يوحنا، عندما يُرسَل الملائكة لإحداث الضّرَبات في الأرض بين أتباع المسيح الدَّجّال، فقد أوعِزَ لهم الابتعاد عن أولئك الحاصلين على ختم الله. «وَقِيلَ لَهُ أَنْ لَا يَضُرَّ عُشْبَ ٱلْأَرْضِ، وَلَا شَيْئًا أَخْضَرَ وَلَا شَجَرَةً مَا، إِلَّا ٱلنَّاسَ فَقَطِ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ خَتْمُ ٱللهِ عَلَى جِبَاهِهِمْ.»37 يُحاجِج البعض أن "سِمة” المسيح الدَّجّال يمكن أن تمثّل حالة النفس والذهن عند أتباع المسيح الدَّجّال ولا شيء ظاهر مَرئيّ.
«كما [السِّمات الأخرى الواردة في سفر الرّؤيا]، يبدو أن هذه السِّمة أو علامة الوحش تتحقّق كعلامة روحيّة لا حرفيّة. لا يوجد سبب للتفكير بأن الكافرين سينالون وَشمًا حرفيًّا بشكلٍ ما، أكثر من التفكير بأن المسيحيّين سينالون حرفيًّا إسمَ المسيح وأبيه وأورشليم الجديدة واسمَ المسيح الجديد مكتوبًا على جِباههم.»38
لكنّ العلامة التي تُعطى للإنسان، الذي هو كائن نفس-جِسميّ، يبدو على الأرجح أنها مَلموسة وروحيّة معًا. يبدو أن المسيح الدَّجّال والنبيّ الكاذب، بِوَسمِهِم أتباعَهم بالعلامة، يجمعون كافّة قِوى الشر الروحيّة والماديّة من أجل تقييد سكّان أمبراطوريّتهم العالميّة. حتى الآن، لقد قاربت التكنولوجيا المعاصرة أن تُنتِج شرائح تُزرَع في الجسم البشريّ وتُمكِّنُ الشخصَ من البيع والشراء بالطريقة ذاتها التي تعمل بها بطاقة الإعتماد. ليس مستحيلاً أن نتخيّل عالمًا في المستقبل تنشأ فيه حركة لِ"وَسْم” سكّان الأرض، بعد كارثة أو حرب اقتصاديّة عظمى، في سبيل النظام الاجتماعي والاقتصادي. أكّد بعض الآباء المعاصرين أنه لا يجب على أي أرثوذكسي أن يقبل بأي شريحة أو وشم أو علامة بأي شكل، فربّما تكون ذات علاقة بعلامة المسيح الدَّجّال.
-
سوف يأتي الضغطُ على الناس لِنَيل علامة المسيح الدَّجّال بوسيلة التهديد بِعَزلِهم عن النظام الاقتصادي العالميّ. سوف يمارس المسيح الدَّجّال سياسة احتكار عالميّ لوسائل التجارة مُشيرًا إلى أن مصدر قوّته هو عالم المال. كان الصَّيارِفةُ الذين طردهم المسيح من الهيكل خلال بشارته على الأرض يوفّرون مالاً نظيفًا للهيكل من أجل شراء الحيوانات للذّبيحة.39 فكما كانوا يحتكرون الصَّيرفة في الهيكل في أيّامهم، سوف يحتكر المسيحُ الدَّجّال، الصَّيرفيُّ الأعظم، الحاكم في هيكل أورشليم المُعاد بناؤه، الصَّيرفةَ في كل العالم حتى يُطرَد بمجيء الرب الثاني كما طُرِدَ أسلافُهم. «هُنَا ٱلْحِكْمَةُ! مَنْ لَهُ فَهْمٌ فَلْيَحْسُبْ عَدَدَ ٱلْوَحْشِ، فَإِنَّهُ عَدَدُ إِنْسَانٍ، وَعَدَدُهُ: سِتُّمِئَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ 666.»40 العلامة ستكون إسم المسيح الدَّجّال أو شكلاً رقميًّا له يكون مجموع أعداده سِتُّمِئَة وَسِتَّة وَسِتّينَ. يتألّف هذا الرقم من ثلاث سِتّات متتالية: الرقم ستّة يمثّل عدم الكمال وينقص واحدًا عن الرقم سبعة، الرقم الكامل، ويجمع سِرّيًّا كل الشُّرور في التاريخ البشريّ.
«فهناك إذن في هذا الوحش، عندما يأتي، خلاصةٌ لجميع أشكال الآثام وكل خِداع، كي تذهب جميعُ قِوى الكُفر الجارية والمستقرّة فيه إلى بحيرة النار. حريٌّ إذن أن يكون رقمُ إسمه سِتُّمِئَة وَسِتَّة وَسِتّينَ، فهو يجمع في شخصه كلَّ أشكال الشرور التي كانت موجودة قبل الطوفان بسبب ارتداد الملائكة. فقد كان عمر نوح سِتُّمِئَة سنة عندما أتى الطوفان على الأرض، جارِفًا العالم المتمرّد، من أجل ذلك الجيل الذي عاش في زمن نوح. والمسيح الدَّجّال يجمع أيضًا كل ضلالات الأوثان المُبتَكَرة منذ الطّوفان، بالإضافة إلى قتل الأنبياء وإقصاء الأبرار. فذلك التمثال الذي نَصَبَهُ نبوخذنصّر كان بِطول ستّين ذراع وبِعَرض ستّة أذرُع؛ وإذ لم يسجد له حنانيا وعزريا وميصائيل، فقد زُجّوا في أتون النار، مُشيرين نبويًّا بما جرى معهم، إلى الغضب الذي سوف ينصبّ على الأبرار في الأيام الأخيرة. فتلك الصورة كانت رَسمًا لهذا الإنسان القادِم، وتقضي من دون شك أن يعبده جميع الناس.»41
علاوةً على ذلك، كانت الغلّةُ السنويّة في مملكة إسرائيل خلال حكم سليمان سِتُّمِئَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وزنة من الذهب.42 كما أن سليمان كان ذائعَ الصّيت في العالم بسبب حكمته ومجد حكمه، لكنّه سقط في عبادة الأوثان فيما بعد، كذلك سيظهر المسيح الدَّجّال في العالم عظيمًا وحكيمًا بما لا يُضاهى.
-
خلال حكم المسيح الدَّجّال، سوف ينعزل بقيّةُ المؤمنين في الكنيسة من المجتمع العِلمانيّ ليخلّصوا أنفسهم. هذه المحنة الأخيرة لكنيسة المسيح على الأرض موصوفة في رؤيا القديس يوحنا. هنا، تُصَوَّر الكنيسة، عروس المسيح، بامرأة في مخاضِها تجاهد كي تَلِدَ طفلاً صبيًّا بذات الطريقة التي تجاهد فيها الكنيسة لِتَلِدَ المسيح في كلٍّ من أعضائها. ثم يأتي تنّينٌ ذو عدّة رؤوس قرون، الشيطان، ليبتلع الطفل الصبيّ ويضطهد المرأة.
«وَظَهَرَتْ آيَةٌ عَظِيمَةٌ فِي ٱلسَّمَاءِ: ٱمْرَأَةٌ مُتَسَرْبِلَةٌ بِٱلشَّمْسِ، وَٱلْقَمَرُ تَحْتَ رِجْلَيْهَا، وَعَلَى رَأْسِهَا إِكْلِيلٌ مِنِ ٱثْنَيْ عَشَرَ كَوْكَبًا، وَهِيَ حُبْلَى تَصْرُخُ مُتَمَخِّضَةً وَمُتَوَجِّعَةً لِتَلِدَ. وَظَهَرَتْ آيَةٌ أُخْرَى فِي ٱلسَّمَاءِ: هُوَذَا تِنِّينٌ عَظِيمٌ أَحْمَرُ، لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِ سَبْعَةُ تِيجَانٍ. وَذَنَبُهُ يَجُرُّ ثُلْثَ نُجُومِ ٱلسَّمَاءِ فَطَرَحَهَا إِلَى ٱلْأَرْضِ. وَٱلتِّنِّينُ وَقَفَ أَمَامَ ٱلْمَرْأَةِ ٱلْعَتِيدَةِ أَنْ تَلِدَ، حَتَّى يَبْتَلِعَ وَلَدَهَا مَتَى وَلَدَتْ. فَوَلَدَتِ ٱبْنًا ذَكَرًا عَتِيدًا أَنْ يَرْعَى جَمِيعَ ٱلْأُمَمِ بِعَصًا مِنْ حَدِيدٍ. وَٱخْتُطِفَ وَلَدُهَا إِلَى ٱللهِ وَإِلَى عَرْشِهِ… وَلَمَّا رَأَى ٱلتِّنِّينُ أَنَّهُ طُرِحَ إِلَى ٱلْأَرْضِ، ٱضْطَهَدَ ٱلْمَرْأَةَ ٱلَّتِي وَلَدَتْ ٱلِٱبْنَ ٱلذَّكَرَ، فَأُعْطِيَتِ ٱلْمَرْأَةُ جَنَاحَيِ ٱلنَّسْرِ ٱلْعَظِيمِ لِكَيْ تَطِيرَ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ إِلَى مَوْضِعِهَا، حَيْثُ تُعَالُ زَمَانًا وَزَمَانَيْنِ وَنِصْفَ زَمَانٍ، مِنْ وَجْهِ ٱلْحَيَّةِ. فَأَلْقَتِ ٱلْحَيَّةُ مِنْ فَمِهَا وَرَاءَ ٱلْمَرْأَةِ مَاءً كَنَهْرٍ لِتَجْعَلَهَا تُحْمَلُ بِٱلنَّهْرِ. فَأَعَانَتِ ٱلْأَرْضُ ٱلْمَرْأَةَ، وَفَتَحَتِ ٱلْأَرْضُ فَمَهَا وَٱبْتَلَعَتِ ٱلنَّهْرَ ٱلَّذِي أَلْقَاهُ ٱلتِّنِّينُ مِنْ فَمِهِ. فَغَضِبَ ٱلتِّنِّينُ عَلَى ٱلْمَرْأَةِ، وَذَهَبَ لِيَصْنَعَ حَرْبًا مَعَ بَاقِي نَسْلِهَا ٱلَّذِينَ يَحْفَظُونَ وَصَايَا ٱللهِ، وَعِنْدَهُمْ شَهَادَةُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ.»43
يمكن الإعتقاد أن نهر الماء الذي تُلقيه الحيّة لإغراق المرأة هو نهر البشريّة الذي يُسَلَّم للشيطان والمسيح الدَّجّال الذي سيضطهد الكنيسة. خلال حكم المسيح الدَّجّال الذي سيدوم ثلاث سنين ونصف، سيهرب المؤمنون من مراكز الحضارة ليتفادوا اضطهاد المسيح الدَّجّال. وبما أن العالم سيتبع إنسانًا ونظامًا قد أسلم ذاته بالكلّية للشيطان، سيأتي خلاص المؤمنين فقط من الرب النازل من السماء «بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ.»44
-
في مرحلة ما خلال حكم المسيح الدَّجّال، حين يكون العالم أجمع قد تبعه، سيسمح الله بضَربات فظيعة لتوقع الشدّة على البشريّة كآخر وسيلة لِتُعيدَها لِصَوابِها. «فَٱحْتَرَقَ ٱلنَّاسُ ٱحْتِرَاقًا عَظِيمًا، وَجَدَّفُوا عَلَى ٱسْمِ ٱللهِ ٱلَّذِي لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى هَذِهِ ٱلضَّرَبَاتِ، وَلَمْ يَتُوبُوا لِيُعْطُوهُ مَجْدًا.»45
«وَأَمَّا بَقِيَّةُ ٱلنَّاسِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقْتَلُوا بِهَذِهِ ٱلضَّرَبَاتِ، فَلَمْ يَتُوبُوا عَنْ أَعْمَالِ أَيْدِيهِمْ، حَتَّى لَا يَسْجُدُوا لِلشَّيَاطِينِ وَأَصْنَامِ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلنُّحَاسِ وَٱلْحَجَرِ وَٱلْخَشَبِ ٱلَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُبْصِرَ وَلَا تَسْمَعَ وَلَا تَمْشِيَ، وَلَا تَابُوا عَنْ قَتْلِهِمْ وَلَا عَنْ سِحْرِهِمْ وَلَا عَنْ زِنَاهُمْ وَلَا عَنْ سَرِقَتِهِمْ.»46
ستكون الضَّرَبات حرفيّة بمعنى الأمراض المُعدِية والأحداث الجويّة المُفجِعة التي تُنذِر بالبَلايا التي أُصيب بها فرعون أو دمار صدوم وعمورة، لكن يبدو أنها يُمكن أن تُفهَم كَضَرَبات بالعَمى الروحي وعَمى الخطيئة، مَثَلاً «نار التجارب، حتى أنهم بالشدائد المُضنية يكرهون الخطيئة، والدة تلك الهجمات.»47
«ثُمَّ سَكَبَ ٱلْمَلَاكُ ٱلخَامِسُ جَامَهُ عَلَى عَرْشِ ٱلْوَحْشِ، فَصَارَتْ مَمْلَكَتُهُ مُظْلِمَةً. وَكَانُوا يَعَضُّونَ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مِنَ ٱلْوَجَعِ. وَجَدَّفُوا عَلَى إِلَهِ ٱلسَّمَاءِ مِنْ أَوْجَاعِهِمْ وَمِنْ قُرُوحِهِمْ، وَلَمْ يَتُوبُوا عَنْ أَعْمَالِهِمْ.»48
«هذا يذكّر بضربة مصر التاسعة (خروج 21:10). بهذه الضربة، يجب يُفهَم تَبَدُّد عظمة وسلطة المسيح الدَّجّال، الذي صعق الناس بعظمته حتى ذلك الوقت. وفي ذات الوقت، يجب أن يُفهَم شدّة انعدام التوبة عند عَبَدة المسيح الدَّجّال.»49
فيما معظم المقاطع من رؤيا القديس يوحنا تُفيدَنا أن البشريّة لن تتوب بالرغم من التأديب الإلهي، يبدو أن هناك استثناء مهم: «وَفِي تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ حَدَثَتْ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ، فَسَقَطَ عُشْرُ ٱلْمَدِينَةِ [أورشليم]، وَقُتِلَ بِٱلزَّلْزَلَةِ أَسْمَاءٌ مِنَ ٱلنَّاسِ: سَبْعَةُ آلَافٍ. وَصَارَ ٱلْبَاقُونَ فِي رَعْبَةٍ، وَأَعْطَوْا مَجْدًا لِإِلَهِ ٱلسَّمَاءِ.»50 حتى في تلك الأيام الأخيرة من تاريخ البشريّة، عندما يتبع معظمُ الناس المُضِلَّ الأكبر، يبدو أن البعض سيحترمون دعوة الله للتوبة: «عندما يُعاقَبُ الكافرون ويُمَجَّدُ شهداء المسيح، هذا يعني أن الذين يستحقّون الخلاص سيمجّدون الله.»51
-
سوف يُهزَمُ المسيح الدَّجّال في معركة في الأراضي المقدّسة قرب جبل مَجِدّو (هارمجدون). «كلمة “هارمجدون” تعني القطع أو القتل… هذا الإسم مأخوذ من وادي مَجِدّو حيث سقط الملك يوشيّا في معركة مع الفرعون نيشو (2 أخبار الأيام 22:35).»52 ليس واضحًا أن كلمة “المعركة” ستكون روحية و/أو حرفيّة بطبيعتها بمعنى القتال الحربي؛ يمكن أن تُشير إلى مجيء المسيح الثاني نفسه: «وَحِينَئِذٍ سَيُسْتَعْلَنُ ٱلْأَثِيمُ، ٱلَّذِي ٱلرَّبُّ يُبِيدُهُ بِنَفْخَةِ فَمِهِ، وَيُبْطِلُهُ بِظُهُورِ مَجِيئِهِ.»53
«وَرَأَيْتُ ٱلْوَحْشَ وَمُلُوكَ ٱلْأَرْضِ وَأَجْنَادَهُمْ مُجْتَمِعِينَ لِيَصْنَعُوا حَرْبًا مَعَ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْفَرَسِ وَمَعَ جُنْدِهِ. فَقُبِضَ عَلَى ٱلْوَحْشِ وَٱلنَّبِيِّ ٱلْكَذَّابِ مَعَهُ، ٱلصَّانِعِ قُدَّامَهُ ٱلْآيَاتِ ٱلَّتِي بِهَا أَضَلَّ ٱلَّذِينَ قَبِلُوا سِمَةَ ٱلْوَحْشِ وَٱلَّذِينَ سَجَدُوا لِصُورَتِهِ. وَطُرِحَ ٱلِٱثْنَانِ حَيَّيْنِ إِلَى بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ ٱلْمُتَّقِدَةِ بِٱلْكِبْرِيتِ. وَٱلْبَاقُونَ قُتِلُوا بِسَيْفِ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْفَرَسِ ٱلْخَارِجِ مِنْ فَمِهِ، وَجَمِيعُ ٱلطُّيُورِ شَبِعَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ.»54
-
مع هزيمة المسيح الدَّجّال، سوف تظهر علامة المسيح – الصليب – في السماء مُشيرةً لمجيء المسيح الثاني ونهاية هذا العالم والدينونة الأخيرة.
«وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ تُظْلِمُ ٱلشَّمْسُ، وَٱلْقَمَرُ لَا يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَٱلنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ، وَقُوَّاتُ ٱلسَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلَامَةُ ٱبْنِ ٱلْإِنْسَانِ فِي ٱلسَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلْأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلْإِنْسَانِ آتِيًا عَلَى سَحَابِ ٱلسَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. فَيُرْسِلُ مَلَائِكَتَهُ بِبُوقٍ عَظِيمِ ٱلصَّوْتِ، فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ ٱلْأَرْبَعِ ٱلرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ ٱلسَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا.»55
إذ «تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلْأَرْضِ» تُشير علامة المسيح إلى أن الأكثريّة العظمى من العالم قد تبعوا المسيح الدَّجّال وسيواجهون مجيء المسيح الثاني، لا كعودة الملك البارّ للإطاحة بالمُغتَصِب، بل كهزيمة بَطَلِهِم النَّكراء. مع ظهور الصليب المجيد والفائق الطبيعة في السّموات، سيدرك العالم في لحظة أنهم كاموا قد تبعوا كِذبةً. لكن يكون الوقت قد فات، فالعالم قد اتّخذ قراره «لِكَيْ يُدَانَ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا ٱلْحَقَّ، بَلْ سُرُّوا بِٱلْإِثْمِ.»56
«كَمَا أَنَّ ٱلْبَرْقَ يَخْرُجُ مِنَ ٱلْمَشَارِقِ وَيَظْهَرُ إِلَى ٱلْمَغَارِبِ، هَكَذَا يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ٱبْنِ ٱلْإِنْسَانِ [المسيح]»57، وسيكون هذا المجيء نهاية تاريخ العالم حين «لَا يَكُونَ زَمَانٌ بَعْدُ!»58 سيكون هذا الحَدَث الكاسِح علامةً على تحوّلٍ يتعذّر وصفه للخليقة الساقطة عندما «تَنْحَلُّ ٱلْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ ٱلْأَرْضُ وَٱلْمَصْنُوعَاتُ ٱلَّتِي فِيهَا.»59 ستختفي كل أعمال الإنسان العظيمة على مَرِّ القُرون بالنار الإلهيّة. ستختفي أيضًا الحضارة البشريّة كما نفهمها «فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ»60. سوف يُدان جميع الأحياء على الأرض وجميع الراقدين منذ الأزمنة، الذين ستقوم أجسادهم – الدينونة الأخيرة – وسوف يُرسَلون في لحظة، إمّا إلى الغبطة الأبديّة أو الهلاك الأبديّ الذي لا استئناف فيه.61
في مجيئه الأول، كان مُدرَجًا بالأقمطة في المِذود؛ في مجيئه الثاني، سيكون هو «ٱللَّابِسُ ٱلنُّورَ كَثَوْبٍ»62. في مجيئه الأول، «ٱحْتَمَلَ ٱلصَّلِيبَ مُسْتَهِينًا بِٱلْخِزْيِ»63؛ في مجيئه الثاني، يأتي مُحْتَفًّا بِجَوقٍ من الملائكة ومُمَجَّدًا.64
عندما يأتي ثانيةً على عرش مجده، لن يكون مُتَخَفِّيًا عن أي أحدٍ. لن يسأل أحدٌ، كما سأل المجوس قبل مجيئه: “أين الملك؟”. سوف يرى الجميعُ المَلِكَ ويعرفونه أنه المَلِك. لكن هذه الرؤية وهذه المعرفة ستجلب الفرح للبعض والخوف والرَّهبة للبعض الآخر.65
المصدر:
Antichrist: the Fulfillment of Globalization, G.M. Davis, Uncut Mountain Press, pages 42-60.
1. الترجمة الأصحّ هي "ضد المسيح” antichrist (المترجم)
2. St. John of Damascus, Exact Exposition, bk IV, ch. 26. Accessed September 12, 2019. http://www.newadvent.org/fathers/33044.htm
3. تثنية 22:33
4. تكوين 17:49
5. Saint Hippolytus of Rome (+236), Treatise on Christ and Antichrist, ch 15. Accessed September 13, 2019. http://www.newadvent,org/fathers/0516.htm
6. دانيال 1:10
7. دانيال 5:11
8. دانيال 6:11
9. دانيال 36:11-37
10. أنظر تكوين 16:6 و29:7
11. St. John of Damascus, Exact Exposition, bk IV, ch. 26. Accessed September 12, 2019. http://www.newadvent.org/fathers/33044.htm
12. رؤيا 5:13
13. St. John of Damascus, Exact Exposition, bk IV, ch. 26. Accessed September 12, 2019. http://www.newadvent.org/fathers/33044.htm
14. لوقا 25:21
15. دانيال 3:7، 7، 23-24
16. St. Cyril of Jerusalem, Catechetical Lectures, no. XV, part 12. Accessed September 13, 2019. http://www.newadvent.org/fathers/310115.htm
17. أنظر دانيال 2 وما يلي.
18. دانيال 25:7
19. St. Cyril of Jerusalem, Catechetical Lectures, no. XV, part 12. Accessed September 13, 2019. http://www.newadvent.org/fathers/310115.htm
20. متى 21:24-22
21. رؤيا 10:20
22. St. Irinaeus of Lyons (+202), Against Heresies, bk. 5, ch. 25, no. 4. Accessed September 13, 2019. http://www.newadvent.org/fathers/0103525.htm
23. Ibid. bk. 5, ch. 25, no. 1-2.
24. See John 11; also Taushev and Rose, The apocalypse, 188.
25. رؤيا 2:13-3
26. متى 3:3
27. St Andrew of Caesarea (+7th century), Interpretation of the Apocalypse of St. John the Apostle, translated by Eugenia Scarvelis Constantinou (Quebec City, Université Laval, 2008), sect. 13, ch. 37, 143.
28. متى 13:7
29. رؤيا 11:13-15
30. 1 ملوك 36:18. أنظر أيضًا 2 ملوك 9:1-15
31. متى 24:24
32. 2 تسالونيكي 9:2
33. متى 39:12
34. 2 تسالونيكي 4:2
35. St. Irinaeus of Lyons (+202), Against Heresies, bk. 5, ch. 25, no. 1-2. Accessed September 13, 2019. http://www.newadvent.org/fathers/0103525.htm
36. رؤيا 16:13-17
37. رؤيا 4:9
38. Fr. Lawrence R. Farley, The Apocalypse of St. John, A Revelation of Love and Power (Chesterton, Conciliar, 2012), 148.
39. يوحنا 15:2
40. رؤيا 18:13
41. St. Irinaeus of Lyons (+202), Against Heresies, bk. 5, ch. 29, no. 2. Accessed September 13, 2019. http://www.newadvent.org/fathers/0103525.htm
42. 1 ملوك 14:10. أي أكثر من طنَّين
43. رؤيا 1:12-5، 13-17
44. متى 30:24
45. رؤيا 8:16
46. رؤيا 20:9-21
47. St. Andrew of Caesarea, Interpretation of the Apocalypse, sect. 17, ch. 49, 165.
48. رؤيا 10:16-11
49. Taushev and Rose, The apocalypse, 218-219.
50. رؤيا 13:11
51. St. Andrew of Caesarea, Interpretation of the Apocalypse, sect. 11, ch. 31, 124.
52. Taushev and Rose, The apocalypse, 220.
53. 2 تسالونيكي 8:2
54. Revelations 19:19-21. See also Taushev and Rose, The apocalypse, 247.
55. متى 29:24-31
56. 2 تسالونيكي 12:2
57. متى 27:24
58. رؤيا 6:10
59. 2 بطرس 10:3
60. 1 كورنثوس 52:15
61. “...لن يحصل مجيئه الثاني من السماء سِرًّا كماحصل مجيئه الأول، لكنه سيكون ظاهِرًا ورهيبًا. فسوف ينزل مع الملائكة الحارِسين إيّاه، وبمجد الله الآب، ليدبن العالم بالبِرّ…” (St. Cyril of Alexandria, Commentary on the Gospel of Saint Luke, ch 21, homily 139. B#42,555 as quoted in Manley, The Bible and the Holy Fathers for Orthodox, [Crestwood: Monastery Books, [1999], 676-677)
62. مزمور 2:104
63. عبرانيين 2:12
64. St. Cyril of Jerusalem, Catechetical Lectures, no. XV, 1. Accessed September 13, 2019. http://www.newadvent.org/fathers/310115.htm
65. St. Nikolai Velimirovic, The Prologue of Ochrid, Volume One, translated from the Serbian by Fr. Timothy Tepsic (Alhambra, Serbian Orthodox Diocese of Western America, 2002), March 11, 240.
آخر المواضيع
تيك توكر يونانية شهيرة تصبح راهبة أرثوذكسية
الفئة : مواضيع متفرقة
تَقريظٌ لقطع رأس النّبيّ السّابق المجيد يوحنّا المعمدان
الفئة : مواضيع متفرقة
مَحبَّةُ الذّات: هوى عصرِنا الحاضر
الفئة : مواضيع متفرقة
النشرات الإخبارية
اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني