ماذا حَلَّ بِكنيسة أعمال الرّسل؟
ماذا حَلَّ بِكنيسة «أعمال الرّسل»؟
الأب جيمس جرجس.
فصلٌ شريفٌ من بشارة القدّيس يوحنّا الإنجيليّ البشير والتّلميذ الطّاهر. (17 : 1 – 13)
في هذا الأحدِ المبارَك، الواقعِ بين عيد الصّعود، الّذي احتفَلْنا به يومَ الخميس، وعيد العنصرة، الّذي سنحتفلُ به الأحدَ المقبل؛ نعيّدُ لآباء المجمع المسكونيّ الأوّل القدّيسين، آباءِ المجمع الّذي انعقد في نيقية. نسمعُ أيضًا صلاة الرّبّ يسوع، رئيسِ الكهنة، في إنجيل يوحنّا 17. هذه الكلماتُ، كانت من آخر الصّلوات الّتي تلاها الرّبُّ، بِصوتٍ عالٍ، في اللّيلة الّتي أُسْلِمَ فيها: «أَيُّهَا الآبُ الْقُدُّوسُ، احْفَظْهُمْ فِي اسْمِكَ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا نَحْنُ».
تصوّروا رغبةَ الرّبّ يسوع المسيح العميقة في الوحدة. تصوّروا المحبّةَ الّتي يَكُنُّها لِكنيسته. ليست صلاتُهُ من أجل ذاته، بل من أجل أتباعه. هدفه هو وحدتُنا. عندما يحبّ أحدُ الأشخاصِ اللهَ، فإنّه يرغب في السّلام والوحدة في كلّ مكان. أحَبَّ الرّبُّ عروسَه الكنيسة كثيرًا، لدرجة أنّه كان يصلّي من أجلها بِابتهالاتٍ حارّةٍ. يريدُ الرّبُّ الوحدة؛ هذه الوحدة، هي علامة محبّةٍ بين المسيحيّين جميعِهم، وعلامةُ محبّةٍ لله. عندما تنقطع هذه الوحدة، يبدأ كلُّ شيءٍ في حياة الكنيسة بِالانهيار. إنّه الأمرُ عينُه في أيّ عائلةٍ، بَيْدَ أنّ الكنيسةَ ليست مجرّدَ عائلةٍ؛ إنّما هي بيتُ الله.
في الآية الثّانية والأربعين من الإصحاح الثّاني من أعمال الرّسل، نسمع هذه الكلمات: «وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ، وَالشَّرِكَةِ، وَكَسْرِ الْخُبْزِ، وَالصَّلَوَاتِ». بالنّسبة إلينا، تخبرُنا هذه الآية الكثيرَ عن حياة الكنيسة الأولى؛ وما تخبرُنا به، له القدرةُ على تغييرِ حياتِنا من خلال إعادةِ توجيهٍ لكيفيّة فَهمِنا للكنيسة.
تُخبِرُنا هذه الآية، إنّ أولئك الّذين كانوا مسيحيّين، حافظوا على رباط محبّةٍ ووحدةٍ مع الرّسل. نحن نعلم هذا؛ لأنّهم كانوا يواظِبون على َشَرِكَتِهم، بِمعنى أنّهم بَقَوا في وحدةٍ مع الرّسل، ومع أولئك المُعيَّنين مِن قِبَل الرّسل. بالإضافة إلى ذلك، نجد أنّهم يُظهِرون وحدتَهم من خلال امتلاكِهم فِكرَ الرّسل عينَه. تُخبِرُنا الآية، إنّهم كانوا يُحافِظون بِثباتٍ، وبِمُواظبةٍ، على تَعليمِ الرّسل. نرى المسيحيّين الأوائل، يكرّسون ذواتِهم استجابةً لِصلاة الرّبّ يسوع هذه. هم مُواظِبون على عَزمِهم بِأن يكونوا واحدًا؛ بأن يمتلكوا فِكرًا واحدًا، وقلبًا واحدًا، وتَعليمًا واحدًا، وشَرِكةً واحدةً. على هذا النّحوِ، ينبغي للمسيحيّة أن تكون.
في الكنيسة الأولى، كانوا إمّا يتبعون رسلَ الرّبّ، أو ينفصِلون عن الشَّرِكَة، ويُعامَلون على أنّهم مُنشقّون- أو أسوأ من ذلك - يُعامَلون على أنّهم هراطقةٌ (ذَوو تعليمٍ خاطئٍ). لدينا اليومَ المئات، إن لم نَقُل الآلاف، مِن الطّوائف الّتي يُفترَض أنّها تمثّل المسيحيّة، مع أنّها ليست في شَرِكَةٍ مع بعضها، ولا مع الرّسل أنفسِهم. لا يقتصر الأمرُ على غياب الشّرِكَة مع الرّسل فَحَسْب، بل على عدم حفاِظها على الاستمراريّة الرّسوليّة، أي التّعليم الرّسوليّ في مِلْئِه. زيادةً على ذلك، لا توجد استمراريّةٌ في كسر الخبز، المعروف بِالإفخارستيّا، أوالمناولة المقدَّسة. لذلك نرى، من الجوانب كافّةً تقريبًا، مسيحيّين مُنشقّين عن الكنيسة الواحدة المقدّسة الرّسوليّة، الّتي أسّسها يسوعُ المسيحُ.
لقد انشقّت تلك الطّوائف عن التّعليم الرسوليّ، وعن الأسرار المقدَّسة المُحيِيَة الّتي تمنحُها الكنيسةُ حصرًا للعالم. أقولُ ذلك بِحُزنٍ، لا بِحِسٍّ من البهجة أو الانتصار. أشعرُ بِالأسَف، عندما أفكّر كيف تتصدّع المسيحيّةُ، وتنقسمُ إلى أجزاءٍ صغيرة. لا يمكنني أن أفرح، عندما أعرف أنّ عددًا كبيرًا من النّاس لا يتسلّمون الإيمانَ الحقَّ، والشّفاءَ الرّوحيَّ اللّذين يوفّرُهما المسيحُ، من خلال كنيسته المقدَّسة. لذلك، نحن نصلّي بِلا انْقِطَاعٍ؛ ليس من أجل أن يأتيَ النّاسُ إلى المسيح، على أنّه المُخلِّص فَحَسْب، لكن إلى كنيستِه الواحدة غير المُنقسِمة، من أجل أن يتمكّنوا من تَسَلُّم مِلْء الإيمان، لا صيغةً مُحَوَّرةً له، أو خاضعةً لما يسمّى إصلاحًا.عندما أَوْجَدَ اللهُ الكنيسةَ، لم يَقُم باختبارٍ تجريبيّ. لقد أَوْجَدَ كنيسةً واحدة،ً ولا توجد أيّ نسخةٍ مُحَسَّنَةٍ، أو جَديدةٍ عنها.
بالنّسبة إلينا، نحن المسيحيّين الأرثوذكسيّين، من الطبّيعيّ أن نرغب في تَعَقُّب تَسَلْسلِنا الرّسوليّ، وصولًا إلى الرّسل، وإلى الرّبّ نفسه. نريد أن نعرفَ «السّلالة» الرّوحيّة للكنيسة، وأن نتأكّدَ من أنّها حقًّا الكنيسةُ نفسُها غير المُنقطِعة، وغير المُنقسِمة، الّتي نجدُها في سفر «أعمال الرّسل». يمكن لكلّ كنيسة أرثوذكسيّة، أن تَنسب ذاتَها إلى أحد الرّسل بِصورةٍ غير مُنقطِعة. نحنُ نُشكِّلُ الكنيسة الّتي يتحدّث عنها سفرُ «أعمال الرّسل».
في بعض الأحيان، واجهَتْ هذه الكنيسةُ الواحدةُ انقساماتٍ، وغالبًا ما كانت هذه الانقساماتُ نتيجةً لِتعاليمَ خاطئةٍ، أو هرطقاتٍ مِن قِبَلِ أشخاصٍ نافِذين (من الإكْلِيرُوس عادةً). وقد اضطُرّتِ الكنيسةُ إلى التّعامل مع هذه المسائل، لا لأنّها ترغب في السّلطة أو السّيطرة؛ إنّما لأنّها ترغبُ في ما يرغبُه سيّدُها، ألا وهو كنيسة مُتَّحِدة تقودُ النّاسَ إلى الخلاص، والمعرفة الحقيقيّة لله. في واقع الأمر، يقولُ الرّبُّ نفسُه في إنجيل اليوم: «وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ». بالنّسبة إلينا، إنّ الطّريقة الوحيدة، للحصول على الحياة الأبديّة، تكون من خلال المعرفة الحقيقيّة لله وَلِابنه. بَيْدَ أنّ حقيقة الله، وابنه هي بِالتّحديد ما يُشوِّهُه التّعليمُ الخاطئ.
تخيّلوا المشاكلَ الّتي يمكن أن تحصل. كيف يمكن أن يُعرَّفَ النّاسُ بِشكلٍ صحيحٍ إلى يسوع المسيح، في حين لا توجد وحدةٌ في الكنيسة، وَكُلّ شَخْصٍ يعلّم أشياءَ مختلفةً وخاطئة؟ ربّما هذا هو السّبب، في أنّ هذا البلد ومواطنيه حَيارى ومضطربون. ومع ذلك، فإنّ أرثوذكسيّتنا المقدَّسة تواجه هذا المأزق بِشدّةٍ. إنّ الأرثوذكسيّين، في العالم كلّه، يُؤَدّون العبادةَ بالطّريقة نفسِها، وَيصلّون بالطّريقة نفسِها، وَيؤمِنون بالإيمان نفسِه. بالإضافة إلى ذلك، يمكنهم جميعًا أن يُثبِتوا بِوضوحٍ، أنّهم مُتّحِدون بِالرّسل من خلال وضع اليد، وما زالوا مُتّحِدين ببعضهم.
إذَن، نعيّد اليوم لذكرى الآباء القدّيسين الّذين اجتمعوا في مدينة نيقية عام 325 م. كان هذا المجمعُ عبارةً عن اجتماعٍ للعديد من الأساقفة المسيحيّين حول العالم، وقد مَوَّلَهُ، وَنَظَّمَهُ الإمبراطورُ قسطنطين الكبير. انعقد المجمع، من أجل التّباحث في هرطقةٍ كبيرةٍ نشأت في الكنيسة في ذلك الوقت: الهرطقة الآريوسيّة. في العصور الحديثة، شهود يهوه، والمورمون هم فروعٌ حديثةٌ لهذه الهرطقة، الّتي تعلّم أنّ يسوع كان ابنَ الله، ولكنّه لم يكن في الواقع مساويًا لله الآب. يعلّمون أنّ يسوعَ كان خليقةً لله الآب، وأنّه لم يكن أزليًّا، من دون بدايةٍ أو نهاية.
مِن المثير للاهتمام، ملاحظة أنّ أولئك الكهنةَ والإكليروس، الّذين حاجَجوا من أجل هذا التّعليم، لم يفعلوا ذلك استنادًا إلى آرائهم المُنحرِفة بِبساطة. لقد استندوا إلى الكتاب المقدّس. هذا يذكّرنا، بأنّ الاستناد إلى الإنجيل وحدَه قد لا يكون كافيًا للوصول إلى الحقيقة. يمكن للمرء أن يحرِّف الإنجيل، ليأتيَ بانحرافاتٍ غريبةٍ عن إيماننا. هذه هي المشكلة مع أولئك الّذين يتذرّعون بـِ «الكتاب وحده» Sola Scriptura. الكتاب المقدّس وحدَه، لا يعطي دائمًا إجاباتٍ واضحةً عن بعض المسائل.
تؤمن الكنيسةُ بقراءةٍ مستنيرةٍ للكتاب المقدّس، يُحييها الرّوحُ القدسُ، وَتُفَسَّرُ بِشكلٍ صحيحٍ ضمن حدود الكنيسة وَالأمَانَة الّتي توفّرُها. الكنيسةُ موجودةٌ، لكي تَحْفَظَ الحقَّ وَتنقلَه إلى الأجيال المتوالية؛ هي موجودةٌ، لكي تؤمّنَ الاستمراريّةَ لعمل الرّبّ يسوع، وَرسلِه، وَتلاميذه. لذلك فإنّ أيّ شيء، لا يتماشى بِاستقامةٍ مع تعليم الرّسل، أو يأتي من خارج شَرِكةً الرّسل، يُعَدُّ مَشبوهًا.
مجمعُ الأساقفة هذا، كان الأوّل، لكن ليس الأخير الّذي عالجَ العديد من الهرطقات اللّاهوتيّة الّتي نشأتْ في حياة الكنيسة. لقد صلّوا، وَفسّروا، وَحاجَجوا، استنادًا إلى الكتاب المقدّس، وإلى التّقليد المقدّس؛ مِن أجلِ أن يوضحوا وَيعلّموا الإيمانَ بِشكلٍ صحيحٍ، كما تسلّموه مِن أسلافهم. وبذلك، فقد نقلوا إلينا عطيّةَ معرفةِ الإِله الْحقيقيّ وحدَه، وابنِه يسوع المسيح. يا لها من عطيّةٍ قد تسلَّمْناها! نشكر الله على القدّيسين الّذين اجتمعوا معًا، بدافع محبّتهم للكنيسة، وَرغبتهم الحازِمة في رؤيتها مُتّحدةً في الحقّ. لِنكنْ مثل هؤلاءِ الآباء القدّيسين، وَمثل الرّبّ يسوع. وَلْنُصلِّ بِصِدقٍ، من أجل وحدة الكنيسة، وَنشر إيمانها الحقّ، الّذي هو الحياة الأبديّة. المجدُ لله إلى الأبد، آمين!
https://orthochristian.com/113056.html
آخر المواضيع
المخلّع، والمرأة السامريّة، والرَّجُل المولود أعمى
الفئة : زمن البندكستاري
ماذا حَلَّ بِكنيسة أعمال الرّسل؟
الفئة : زمن البندكستاري
آلام المسيح تَغلبُ الموت.
الفئة : زمن البندكستاري
النشرات الإخبارية
اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني