كيف يخلُصُ العِلمانيّ؟
كيف يخلُصُ العِلمانيّ؟
القديس باييسيوس فيليتشكوفسكي
نقله إلى العربية: شادي مخّول
أنصحكم بالمواظبة على قراءة الكتاب المقدَّس وتعاليم الآباء المتوشّحين بالله، الذين قد أعطيَ لهم، بنعمة الرُّوح القدس، أن يفهموا أسرار ملكوت الله، أي المعنى الحقيقيّ للكتاب المقدَّس. ستجدون كلّ ما تحتاجونه للخلاص في تعاليمهم المُلهَمة من الرُّوح. أمّا أنا الخاطئ فأجيب على سؤالكم بحسب عقلي الواهِن:
يصنع الله الكليّ الرحمة خلاصنا بالإيمان الأرثوذكسيّ والأعمال الصالحة وبنعمته. الإيمان الأرثوذكسيّ هو الإيمان الذي تتقلّده الكنيسة الشرقيَّة الواحدة والمقدَّسة والجامعة والرَّسوليَّة، وبدون هذا الإيمان الأرثوذكسيّ لا يُمكن لأحدٍ أن يخلص. الأعمال الصالحة هي وصايا الإنجيل، وهي، إلى جانب الإيمان، ضروريَّة للخلاص. الإيمان الأرثوذكسيّ بدون الأعمال الصالحة هو ميت، والأعمال الصالحة بدون الإيمان هي أيضًا ميتة. يجب على أولئك الذين يؤثرون الخلاص أن يقتنوا الإيمان الأرثوذكسيّ والأعمال الصالحة معًا، ومن ثمّ، بِمُؤازرة النعمة الإلهيَّة التي تعزّز الأعمال الصالحة، ينالون الخلاص بحسب كلمة المسيح، فهو القائل: «بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا» (يو 15: 5).
اعلموا أنّ إلهنا الحقيقيّ، المسيح المخلِّص، الذي يشاء أن يخلُص الجميع، قد وضع الأعمال الصالحة بمثابة شريعةٍ، أي وصايا الإنجيل المخلِّصة، لجميع المسيحيّين الأرثوذكسيّين على حدٍّ سواء، الرّهبان منهم والعلمانيّين العائشين مع أزواجِهم وأولادهم. وهو يطلب من جميع المسيحيّين الأرثوذكسيّين أن يواظبوا على حفظ هذه الوصايا، فهي لا تتطلَّب جهدًا جسديًّا كبيرًا بل نظامًا روحيًّا جيّدًا، فَنِير وصاياه الإلهيَّة هيّنٌ وحِملُ إنجازها خفيف (مت 11: 30).
إنّ وصايا المسيح الإلهيّة هي، بنعمة الله، سهلة الإنجاز لأيّ مسيحيّ أرثوذكسيّ، مهما كان مركزه أو جنسه أو عمره، للصغار وللكبار، للأصِحّاء وللسُّقَماء، عليهم فقط أن يتحلَّوا بالرغبة الروحية. لذلك، كلّ الذين يتجاوزون هذه الوصايا ولا يتوبون، سيُسلَّمون للعذاب الأبديّ مع الشياطين في المجيء الثاني للمسيح.
إنّ وصايا الإنجيل، الأساسيّة منها بشكلٍ خاص، هي ضروريَّة جدًّا للخلاص، وإن انتقصنا واحدة منها فقط، فلن تخلص نفوسنا. هذه الوصايا هي محبَّة الله والقريب، الوداعة والتواضع، مُسالَمة الجميع والصَّبر، مسامحة الآخرين من القلب وعدم إدانة أحد، عدم الكره ومحبَّة الأعداء، تقديم الصَّدَقات الروحيَّة والماديَّة على قدر الإمكان، وغصب أنفسنا بكل اجتهادٍ لإتمام كلّ وصايا المسيح الأخرى المدوَّنة في الإنجيل. وفوق كلّ شيءٍ محبّة الله من كلّ قلوبنا ومن كلّ نفوسنا ومن كلّ قوَّتنا ومن كلّ عقولنا، ومحبّة الآخرين كأنفسنا، ومماثلة وداعة المسيح، والجهاد ضدّ هوى الغضب حتى الدم.
إنّ العيش بسلامٍ مع الجميع هو أمرٌ ضروريّ، حتّى أنَّ الرَّبّ اعتبرَ أنّه من الضَّروريّ تكرار «سَلاَمٌ لَكُمْ» (لو 24: 36)، «سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ» (يو 14: 27) لتلاميذه وللرسل أكثر من مرَّةٍ. أينما وُجد سلام المسيح، هناك يكون المسيح نفسه، لكن إن لم يكن هناك سلامٌ في النفس، ستفتقد هذه النفس لحضور المسيح فيها.
الصَّبر ضروريّ أيضًا للخلاص. قال المسيح: «بِصَبْرِكُمُ اقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ» (لو 21: 19). واجبٌ هو الصّبر، ليس لمرةٍ واحدةٍ بل حتى الموت «الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ» (مت 10: 22).
من يغفر تجاوُزات جارِه، سيغفر له الله تجاوُزاتِه.
من لا يدين جاره لن يدينه الله.
من يبتغي الخلاص عليه أن يحفظ كل وصايا الإنجيل الأخرى ككنزٍ في قلبه.
أمَّا التواضع الذي هو ركيزة كلّ الوصايا الإنجيليّة، فهو أساسيٌّ للخلاص كما التنفّس للحياة. فكما يستحيل أن نحيا بدون التنفّس، هكذا يستحيل أن نخلُص بدون التواضع. إنّ القديسين نالوا الخلاص بوسائل مختلفة، إلّا أنّ أيًّا منهم خلُص بدون التواضع، فهذا مستحيل.
إذًا، من أراد أن يخلُص، عليه، من كلّ قلبه، أن يعتبر نفسه خاطئًا أمام الله، وأوّل الخطأة بين البشر، وأسوأ من كلّ خلائق الله؛ عليه أن يعتبر نفسه غبارًا ورمادًا، وأن يؤنّب نفسه، في ثنايا قلبه، على كلّ شيءٍ وأن يلوم نفسه فقط على كلّ خطيئةٍ اقترفها.
هكذا، بعد إتمام كلّ وصايا الإنجيل بتواضع قلبٍ، والصلاة المتواترة أمام الله بقلبٍ منسحق طَلَبًا لغفران الخطايا، يُصبح الإنسان مستحقًّا لرحمة الله ومغفرة الخطايا؛ تزوره نعمة الله، ويخلُص برحمته.
بالإضافة إلى ذلك، على المسيحيّ الأرثوذكسيّ أن يلتزم بوصايا الكنيسة المدوَّنة في كتاب الاعتراف الأرثوذكسيّ، فهي ضروريَّة للخلاص. يرتكز سرّ الاعتراف على التوبة عن الخطايا أمام الله، والإعراض عنها، والعزم على عدم العودة إليها مجدَّدًا بمعونة الله. فاعترفوا أمام أبيكم الرّوحيّ بكل خطاياكم كما لو كنتم أمام الله نفسه، وتقبّلوا منه الصَّفحَ عنها كلّها.
علينا أن نستعدّ للمشاركة في الأسرار الإلهيَّة بالصّوم، وبالاعتراف الصادق بكلّ خطايانا، وبالمُصالَحة مع الجميع، وعبر قراءة قانون الاستعداد للمناولة (المطالبسي) كما حدّدته الكنيسة، وأن نتقدّم إلى المناولة الإلهيّة بخوفٍ ورعدةٍ وبإيمانٍ ومحبّةٍ، وبوقارٍ يليق بالإله الواحد.
يمكننا أن نجد كلّ الإرشادات عن كيفيّة التصرّف ضمن العائلة وعن ممارساتٍ مسيحيّة أخرى في كتابات القديس يوحنا الذهبيّ الفم الملهَمَة من الله وقديسين آخرين، وذلك عندما نقرأ كتبهم بيقظةٍ وبمخافة الله.
المصدر:
https://orthochristian.com/149199.html
آخر المواضيع
القديس ديمتريوس التسالونيكيّ كراهب
الفئة : مواضيع متفرقة
تيك توكر يونانية شهيرة تصبح راهبة أرثوذكسية
الفئة : مواضيع متفرقة
تَقريظٌ لقطع رأس النّبيّ السّابق المجيد يوحنّا المعمدان
الفئة : مواضيع متفرقة
النشرات الإخبارية
اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني