المناولة المقدَّسة حسبَ القديس نيقوديموس الآثوسيّ (الجزء الأوّل).
خريستوفورس، متروبوليت سلوفاكيا وجمهوريَّة التّشيك السّابق.
نقلها إلى العربيّة: نديم سلّوم.
يرتبط اسمُ القدّيس نيقوديموس، ارتباطًا وَثيقًا بحركة الكولِّيفادس في جبل آثوس، في أواخر القرن الثّامن عشَر. أصرَّ مُمَثِّلو هذه الحركة على نهضة المفهوم الآبائيّ، في الرّوحانيَّة الأرثوذكسيّة ولاهوتِها، على أن يتمّ ذلك في علاقةٍ وَثيقةٍ بحياة اللّيتورجيا الكنسيَّة.
يُعَدّ القدّيس نيقوديموس من أبرز ممثلِّي هذه الحركة، بفضل موهبته الأدبيَّة، ومعرفته الشّاملة اللّتَيْن مَكَّنَتاه من الرّجوع إلى أعمال الآباء والاطّلاع عليها بدقَّةٍ عالية. بتشجيعٍ من إخوته الرّوحيّين، جمع القدّيس نيقوديموس بدقَّةٍ نصوصَ الفيلوكاليا، وحرَّر كتاباتٍ روحيَّةً قديمةً، إذ ترجمها إلى اللّغة اليونانيَّة الحديثة.
واحدٌ من أشهر كُتُبِه، هو "المناولة المقدَّسة المتواترة". كانت مسألة المشاركة في المناولة المقدَّسة المتواترة، واحدةً من أكثر المسائل إلحاحًا في حركة آباء الكولِّيفادس. في القرن الثّامن عشَر، كان رهبان آثوس يتناولون مرّةً كلَّ أربعين يومًا؛ أمّا أغلبيَّة المؤمنين، فكانت تتناول مرَّةً في السّنة. أدرك الكولِّيفادس أنَّ هذه الممارسة، كانت خروجًا عن تقليد الكنيسة الأرثوذكسيَّة. وعلى هذا، كانوا مُستَعِدّين لمواجهة هرم الكنيسة، بغية العودة إلى الممارسة القديمة للمناولة المتواترة، كما اعتادها الآباء.
نُشِرَ كتاب "المناولة المقدَّسة المتواترة" للمرّة الأولى، في البندقيَّة، سنة 1783، من دون الكشف عن هُويَّة الكاتب، وبدعمٍ ماليٍّ من الإيطاليّ أنطونيو بارتولّي. يحمل الكتاب الطّابع المميَّز للقدّيس نيقوديموس، واشترك معه القدّيس مكاريوس نوتاراس، أسقف كورنثوس. نُشِر الكتاب عدّة مرَّاتٍ في القرنَيْن التاّسع عشر والعشرين، تحت اسم القدّيس نيقوديموس. كانت أحدث الإصدارات، في فولوس، سنة 1971، وأثينا، سنة 1991. طبع دار النّشر "Myriobiblos"، نسخةً في اللّغة اليونانيَّة الحديثة سنتَي 2004 و2006.
مواضيع الكتاب الأساسيّة:
يوجِّه القدّيس نيقوديموس اهتمامه أولًا، إلى شرح الصّلاة الرّبيَّة (أبانا الّذي في السّماوات) الّتي من الواضح أنَّ لها طابعاً إفخارستيًّا. تُقسَّم الصّلاة الرّبيّة إلى ثلاثة أجزاءٍ:
أ- تسبيح الله.
ب- شكر الله على عطاياه الصّالحة.
ج- الصّلاة من أجل غفران خطايانا، وتَوَسُّلاتٌ أُخَر، عددها سبعةٌ في المجموع.
يركِّز القدّيس نيقوديموس في شَرحِه، بشكلٍ خاصٍّ، على التماس الخبز الجوهريّ: "خبزَنا الجوهريّ أعطِنا اليوم". من الواضح، أنَّه يعدّ الصّلاة استعدادًا للإفخارستيَّة المقدَّسة. في هذه الحالة، يبني قضيتَّه على فهمٍ واضحٍ، وشاملٍ لهذا الالتماس: نطلب من الله غذاءَنا الّذي يغذِّي أجسادنا، وليس بعض الموادّ الغذائيَّة الزّائدة، والرّفاهيَّة الدّنيويَّة المُتَرَتِّبة على ذلك. يذكِّر القدّيس نيقوديموس قُرَّاءَه: "لا تَكنِزوا لكم كنوزًا على الأرض".
حسبَ القدّيس نيقوديموس، إنّ "خبزنا الجوهريّ" له معنًى آخر؛ لأنّه يعكس كلمات الرّبّ المُدَوَّنة في الإنجيل: "ليس بالخبز وحدَه يحيا الإنسان، بل بكلِّ كلمةٍ تخرج من فم الله". يشرح المعنى الرّوحيّ لعبارة "الخبز الجوهريّ" في مقطعٍ من الكتاب: "تقدِّم الكلمةُ الإلهيَّة، في العهدَيْن القديم والجديد، التّعليمَ عن الرّوح القدس. فكما تتدفَّق المياه من نبعٍ، على هذا النّحو يستخرج آباء الكنيسة القدّيسون ماءَ الرّوح القدس، من الكتاب المقدَّس، لِيَصوغوا تعاليمَهم المستوحاة من الله، ويُوَحِّدونا معها: لهذا نقبل تعليمهم وكتاباتهم على أنَّها "خبزنا الجوهريّ"، وإلاَّ ستموت نفوسُنا من الجوع؛ لأنَّها ستفتقد كلمةَ الحياة؛ ستموت قبل أن تعانيَ من موت الجسد، كما مات آدم عندما تجاوز وصايا الله".
أعطى القدّيس نيقوديموس تفسيرًا آخرَ للعبارة نفسها. بالنّسبة له، إنّ كلمة "الجوهريّ"، تعني جسدَ المسيح ودمَه. يثبِّت رأيه بالإشارة إلى مقاطع كثيرةٍ في أعمال آباء الكنيسة، من بينها أقوالٌ للقدّيس يوحنّا الدّمشقيّ: "إنَّ عبارة خبزنا الجوهريّ، تعني بقاء الخبز في العصور المقبلة، أي الخبز الذي يُغَذّي أجسادنا. بكلامٍ آخر، الخبز الجوهريّ ما هو إلّا جسد الرّبّ". عندما يذكر الآباء القدّيسون الخبز الجوهريّ، لا ينكرون أهميَّة الخبز المادّيّ في إرضاء الجسد، ولكن بالنسبة للمسيحيّين، يُعدّ الغذاء الرّوحيّ مهمًّا أيضًا: "لكي يعيشوا حياةً روحيَّةً، ويظلُّوا مُحَصَّنين ضدَّ سُمِّ الشّيطان. لو لم يأكل آدم خبزَ الشّيطان، لما مات روحيًّا أو جسديًّا".
التّفسير الإفخارستيّ الثّالث لمعنى "الخبز الجوهري"، أتاح للكاتب فرصة استخدام كلمة "جوهريّ" لتفسير الحاجة للمناولة المتواترة. نقول في صلاتنا للرّبّ: "خبزنا الجوهريّ أعطنا اليوم". بالنّسبة للقديس نيقوديموس، هذا "الجوهريّ" له ثلاثة معانٍ:
أ- يجب أن نتناول كلَّ يوم.
ب- يجب أن نتناول طيلة حياتنا.
ج- يجب أن نتناول في هذه الحياة؛ لأنّ مفهوم المستقبل، هو مفهومٌ أدبيٌّ: ففي الواقع، لا يوجد أمس أو غدًا. هناك يومٌ واحدٌ فقط، يدوم إلى الأبد؛ لهذا السّبب، بعد المعموديَّة، علينا أن نتناول طيلة حياتنا، وأن نشترك في الأسرار المقدَّسة، الخبز اليوميّ الّذي من أجله نصلِّي لأبينا السّماويّ.
المصدر:
https://pemptousia.com/2020/10/the-divine-eucharist-according-to-saint-nikodimos-1/
آخر المواضيع
القديس ديمتريوس التسالونيكيّ كراهب
الفئة : مواضيع متفرقة
تيك توكر يونانية شهيرة تصبح راهبة أرثوذكسية
الفئة : مواضيع متفرقة
تَقريظٌ لقطع رأس النّبيّ السّابق المجيد يوحنّا المعمدان
الفئة : مواضيع متفرقة
النشرات الإخبارية
اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني