نصائح في الحياة الرّوحيّة للشّبيبة الأرثوذكسيّة
الشّيخ دانيال الكاتوناكي
تعريب فيرنا جدعون
الرّسالة التّالية للشّيخ دانيال الكاتوناكي، الذي رقد في 21 أيلول عام 1929، هي رَدٌّ على رسالتين كَتَبها أخوَانِ شابَّان، يطلبان فيهما من هذا الرّجل القديس من جبل آثوس بعض الإرشاد في الحياة الرّوحيّة. الهدف الرّئيسيّ للشّيخ دانيال هو تشجيع الأخوَين على الابتعاد عن الخطيئة، ومحبّة الفضيلة المُرضية لله. كُتِبَت هذه الرّسالة عام 1902.
أُصَلّي من كلّ قلبي، من أجل الأخوَين الحبيبَين قسطنطين ويوحنّا.
تلقَّيتُ رسالتَيكُما مؤخّرًا بفرحٍ عامر، وقد قرأتها بحماسةٍ كبيرةٍ وتأنٍّ. من واجبي أن أُجيبكما وأرشدكما كما يوافق. غير أنّني سأتوجّه بِرَدّي إليكما سويّةً، إذ إنّكما أنتما الاثنان أخوانِ مُحِبّان لله، وتَحتاجانِ بشكلٍ متساوٍ للإرشاد والتّعليم. وبالتّالي أنتما مُلزَمان لا فقط بالسّؤال، بل أيضًا بالاستماع إلى ما قاله الآباء.
صحيحٌ أنّني حزنتُ فيما كنتُ أقرأ في رسالتيكما أنّكما كنتما مُتَهاونينِ تجاه واجباتكما وبأنّكما وَقَعتما في حماقاتٍ صبيانيّة عديدة. لكنّني شعرتُ بسعادةٍ غامرة أيضًا إذ قد عُدتُما إلى التّوبة وتبتغيان أن أُلَقِّنكما أيّ طريق للتّوبة تسلُكان، من أجل نَيل رحمة إلهنا الصّالح، الذي أحزنتماه حقًّا بسوءِ تصرّفكما الصّبيانيّ.
إنهّ ليس أمرٌ غير اعتياديّ أن تُسيئا إلى الله وتبتعدا عن طريق وصاياه المستقيم. إنَّ الطبيعة البشرية بِأسرها تنزلق بسهولة وغالبًا ما تسقط في الخطيئة. غير أنّ الاستمرار في الشّرّ هو خطأٌ فادح، وعلينا أن نكون حَذِرين، فَالويلُ لنا إن وُجِدنا غير تائبين عند ساعة موتنا.
من بين الوسائل الكثيرة التي يستخدمها الشّيطان – العدوّ ومُهلِك نُفوسِنا – ليُضِلّ أولئك الذين يمارسون المسيحيّة الأرثوذكسيّة باستقامة، خاصةً الشّباب، هي تقديم فخّ آخَر، قد استطاع من خلاله خداع الكثير من الشّبّان اليافِعين واقتيادهم كلّيًّا إلى الهلاك.
يُقدّم الشّرّير فَخَّه أوّلًا تحت قِناعٍ يبدو حسنًا ووِدّيًّا، فيجعله يبدو كإغراء للشّباب، ويحثّهم على الحريّة، الضّحك، المزاح، الإغواءات، الثرثرة، وأخيرًا تعاطي الكحول وسوء استخدامه، وكلّ ما يظهر غير كارثيّ بالنّسبة إلى العالم، بل يتمّ تَوصيفه كوسائل "للحرّيّة"، برعايةٍ سياسيّة ذكيّة. بالتّالي، بالتّأقلُم مع العادات السّيّئة، تمتلئ الشّبيبة بالأهواء، وتصبح موضع سخرية للشياطين كما للنّاس. يحتجبُ الفخّ خلفَ قِناعٍ داكن وبتبريراتٍ مُبْهَمة، فتبدو كلّ هذه، وَكأنّها خطايا صغيرة، وسوف نتجنّبُها بعد تَخطّي عمر الشباب، وبأنَّ هذه تصرُّفات يجب أن يتجنّبَها النًّسّاك والرُّهبان فقط.
لو تمكّن الشّباب فقط من فهم كم هو عظيمٌ الانجِراف الذي تَجلِبُه هذه الادّعاءات، لَأرادوا هَجْر هذه الذرائع والأعذار المَرعيّة كَمَن يهرُب من ثعبانٍ مميت. إنّ هدف الشّيطان المُخادِع هو أن يغرس في الشّاب كلّ هذه الخطايا الصّغيرة، فيَشُلَّ حَواسَّه، محرِّضًا إيّاه على المزاح، والصّور الفاحشة، والسُّخرية، والسُّكر، التي تولّد كلّ الأهواء.
أطلبُ منكما بإلحاحٍ أن تسألا، بِكُلّ أمانةٍ، صديقًا خاضعًا للأهواء، فاسقًا وغير تائب، أن يخبركما كيف انقاد إلى أهواء بغيضة كهذه. سوف تعلمان من إجابته أن السّبب الرئيسي وأن بداية الأهواء كانت أوّلًا نتيجة بَدْئه بعدم الاكتراث واللامبالاة تجاه المسبّبات المذكورة أعلاه. كما أنّ الأهواء الجسديّة تأتي من الإهمال في الأمور الصّغيرة، كذلك الأمر في تلك الرّوحيّة: من الطَّيش الصِّبيانيّ يصل الإنسان إلى مستوى عدم التّوبة واليأس.
صحيح أنّ الربّ يسوع المسيح، عندما يرى انحراف الطّبيعة البشريّة، يستقبل الخاطئ التّائب بصدرٍ رحب. إلّا أنّه في الوقت عينه يقول: "إسهروا وصلّوا، لأنّكم لا تعلمون اليوم ولا السّاعة التي يأتي فيها ابن الإنسان". إنّه يُحَفِّزُنا بالتّالي على أن نكون مستعدّين دومًا، وعلى أن نقتني في مَصابيحِنا زيت التّوبة وكلّ فضيلةٍ أخرى، لئلّا يُغلَقَ علينا خارج خِدر العُرس مِثل العذارى الجاهلات. حقًّا هناك توبة، وعندما يكون الشّاب طاهرًا ويتجنّب الرِّفقة السيئة والسُّكر، لكنّه ينحرف قليلًا، عندئذٍ تمحو التّوبة الخطايا الحديثة بسرعة. غير أنّه عندما يصبح الجسد عبدًا للخطيئة من خلال العادات السّيّئة، يصبح الأمر غايةً في الصّعوبة، وقليلونَ فقط من بين كثيرين، هم الذين سيتمكّنون من التّحرّر من أشراك العدو المُعَقَّدة.
إذ قد عَلِمتُما هذه الأمور يا عزيزَيّ قسطنطين ويوحنّا، فمن الآن فصاعدًا وبحقّ الله، لا تُسلِّما نفسَيكُما إلى تراخي رُشدِكما المُشِلّ، إلى المغازَلات، والمزاح، والسُّكر، وسوء المَعشر، التي يضيع فيها خوف الله، وبها يأسُركما شيطان حبّ الذات والفجور. بل اختارا بالحريّ حياة الفضيلة بما يرضي الرّبّ، متمثّلَين بأبيكما الروحيّ في كلِّ شيء. إنّه الوحيد الذي سيعلّمكما كيف تسلُكان بما يوافق الرّبّ، وسيُظهركما مواطنَين للسّماء.
من أجل أن تَسلُكا طريق الرّبّ بِحَزمٍ، عليكما:
١- أن تُظهِرا طاعةً كبيرة، وثقةً وقبولًا تجاه أبيكما الرّوحيّ، مُخبرَين إيّاه دومًا بالحقيقة.
٢- أن تُوقِفا تمامًا الثرثرة والمُزاح، لأنّه كما سبق وقُلنا، حيث الثرثرة، ترحلُ مخافة الله.
٣- أن تُعَيِّنا وقتًا مُخَصَّصًا عشيّة كلّ يوم للصّلاة، التي سيعيّنها أبوكما الروحيّ.
٤- أن تَصُبّا كامل تركيزكما، عندما تكونان في الكنيسة، على الاستماع إلى اللّيتورجيا الإلهيّة، لكيما تَلِجَ نعمة الرّوح القدس إلى قلبيكما.
٥- إحفظا بكلّ جدّيّة الأصوام التي عيّنتها الكنيسة، ولا تُقلِّدا أساليبَ جيلِ اليوم المُدمِّرة.
٦- حينما يكون بالإمكان، تجنّبا النّبيذ وبالأخصّ المشروبات الكحوليّة التي تثير الأهواء الجسديّة.
٧- أمضيا أوقات فراغكما بقراءة الكتب الآبائيّة.
٨- إحذرا من بعض الآباء الرّوحيين والمعلّمين، الذين يتظاهرون بتعليمكما الفضيلة والتّوبة، ولكنّهم يفسحون المجال للشهوة، عبر إلغاء الصّوم، وإحباط عزيمة الشّبيبة عن النّسك وضبط النَّفس وقراءة النّصوص الآبائيّة، والتّحدّث أيضًا ضدّ الحياة الرّهبانيّة. لا داعي لِذِكرَ كمّ الأذِيّة التي يجلبها ذلك على الشّبيبة التقيّة، لأنّني رأيتُ الكثيرين ممّن خُدِعوا بهذه العظات الخادعة قد أصبحوا ضحايا عن غير عِلم.
٩- لِيَكُن لكما إكرام كبير على وجه الخصوص لسيّدتنا والدة الإله، التي سترشدكما دومًا على درب خلاصكما.
ختامًا، أقبّلكما بوقار،
الرّاهب دانيال الكاتوناكي
كاتوناكيا، الجبل المقدّس
2 حزيران 1902
https://www.johnsanidopoulos.com/2009/09/counsel-for-youth-from-elder-daniel.html
آخر المواضيع
تيك توكر يونانية شهيرة تصبح راهبة أرثوذكسية
الفئة : مواضيع متفرقة
تَقريظٌ لقطع رأس النّبيّ السّابق المجيد يوحنّا المعمدان
الفئة : مواضيع متفرقة
مَحبَّةُ الذّات: هوى عصرِنا الحاضر
الفئة : مواضيع متفرقة
النشرات الإخبارية
اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني